يحكى أن طالبا كان يدرس في إحدى الجامعات الأجنبية وكان محافظا على أداء الصلوات الخمس، وذات يوم صاح به أحد المدرّسين بعد أن رآه يتوضأ للصلاة: ويحك ، كيف تغسل قدميك في حوض نغسل فيه وجوهنا ؟!! فألتفت إليه الطالب وقال : يا سيدي ، كم مرة تغسل وجهك في اليوم؟! فأجاب الأستاذ : مرة واحدة في كل صباح ... عندئذ قال الطالب : أما أنا فأغسل رجلي خمس مرّات في اليوم ، فأيهما أكثر نظافة ؟ رجلي أم وجهك؟!! وفي بلادنا تنقلب الآيات بمجرّد حركة بهلوانيّة من حاكم جلاّد ، إذ يصبح الحاكم بين عشيّة وضحايا داعية للإصلاح ومحاربا للفساد بعد أن كان الى وقت قريب نموذجا للفشل والرّكود والكساد ... يغسل الحاكم وجهه مرّة واحدة أثناء فترة حكمه ، وغالبا ما تكون تلك المرّة أوّل وآخرة مرّة ... وفي كلّ مرّة يذكّرنا الحاكم بأنه غسل وجهه ذات مرّة ، وأنه رمز لنظافة اليد واللّسان ، وعنوان ثابت لدفع الضرر عن الناس وتجنّب المضرّة ... وبمجرّد غسيل الوجه يرتفع صوت الحاكم بالمزايدة وتتبعه جوقة اللحّاسين بالمعاضدة والمساندة رغم أنّ اللحّاسين في العادة لا يغسلون وجوهم إذ لا فائدة أصلا من غسيل الوجوه البشعة الفاسدة ... تعلو الأصوات المندّدة بالإنحطاط ، والمباركة لغسيل الوجه في البلاط ، وتنشط أبواق الدّعاية وفرق التجميل والإستنباط لتجعل من غسيل الوجه يوما وطنيّا يحتفل به الناس غصبا عنهم بتأثير العصيّ والسّياط ، ومن رفض الإحتفال يرمى به الى الخيّاط حتى يخيط فمه فلا ينطق بكلمة ويكون عبرة لغيره في الركوع والسجود والإنضباط ... وفي الأثناء يقف المتعوّدون على الغسيل والرافضون للمسرحيّة وأسلوب التّمثيل ، كالأغراب في مجتمع عليل إعتاد التّصفيق للحكّام والرّقص على الأنغام وعبادة الأصنام والتّماثيل ... وصدق نزار قباني حينما قال : حينَ تصيرُ بلدةٌ بأسرِها .. مصيدةً .. والناسُ كالفئرانْ وتصبحُ الجرائد الموَجَّههْ .. أوراقَ نعيٍ تملأُ الحيطانْ يموتُ كلُّ شيءْ الماءُ ، والنباتُ ، والأصواتُ ، والألوانْ تُهاجِرُ الأشجارُ من جذورِها يهربُ من مكانِه المكانْ وينتهي الإنسانْ