يقال إنّ الحجّاج إبن يوسف الثقفي أخذ لصّا بالمدينة فأمر بضربه دون أن يحدّد عدد الضربات وكان اللصّ كلّما نزل على ظهره السوط يقول : الحمد لله والشكر لله ، وبقي على ذلك الحال حتى جلد سبعمائة جلدة فأغمي عليه ... ولمّا إستفاق قال له الحجّاج : هل تعلم لماذا قرعتك بسبعمائة جلدة ؟؟ فقال اللصّ : لا أعلم ... فقال الحجّاج : فعلت ذلك لكثرة شكرك لله وهو القائل في كتابه العزيز : لئن شكرتم لأزيدنّكم ... وفي بلادنا ... تفشّت البطالة وتموضعت في كلّ مكان ، وتوسّعت دائرة الفقر لتشمل الطبقة الوسطى كما كانت تسمّى أيام زمان ، وأنتشرت مظاهر الحرمان وأصبح المتقاعدون في خبر كان بعد أن حُبست عنهم رواتبهم وكادوا يدخلون عيد الإضحى بدون خرفان ... ومع ذلك يرفع الناس أيديهم الى السماء شاكرين ، ولا نعلم هل يشكرون الله أم يشكرون عباده من الحاكمين ... فإن كان الشكر لله فذاك أمر من صميم الدّين على شرط القيام والثورة ضدّ الظُلاّم بعد أن يتوكّل المرء على الله وبه يستعين ، أمّا إذا كان الشكر للحكّام فهذا والله هوان وتمريغ لأنف الكرامة في الطّين ... وأغلب الظنّ أنّ شكرهم كان للحكّام ولم يكن للخالق ، إذ لو كان شكرهم لله لما أصابهم هذا الوهن ولما ضربت رؤوسهم من طرف الحكّام بالمطارق ، وحاشى لله أن يرضى بأن يذلّ عباده ويحرم المرء من نعمة الله في بلاده ويتحكّم في مصيره المخادع والفاسد والسارق... تعوّد الناس على تلقّي الضربات على قفاهم بحذاء كلّ حاكم تعيس ، ورغم ذلك إصطفّوا للسمع والطاعة وتسابقوا في الشكر والثناء والتلحيس ... وكلّما إزداد شكرهم كلّما تمادى الحاكم في النهب والسلب والعربدة والتدليس والتدنيس ... ولا غرابة بعد هذا أن تكون الزيادة على قدر الشكر إذ لا يشكر الإنسان في العادة إلاّ أذا أصابته منفعة طالبا المزيد منها والإكثار فيها ... وهكذا نفهم معنى الحكاية المذكورة تفاصيلها في البداية لندرك أنّ الشعب مسؤول عن مصيره بشكر الحاكم عن فشله والثناء على تقصيره ...