- إن المتابع - جيداً - لتاريخ وحركات الثورات الدولية المتباينة ، سيتبدى له - يقيناً - أن السواد الأعظم من تلك الثورات الناجحة ، كانت - بفعل - ريادة زعيم وطني مؤيد ، أو بفعل قوى سياسية بعينها ، لذا ، فإن مثل هذه الثورات المحلية ، معلومة الهوية والريادة - في تقديري - قد نجحت في تحقيق أهدافها الأساسية المرجوة - جميعها - في غضون أوقات زمنية وجيزة ، فور - تمكنها - من إسقاط أنظمتها السياسية الحاكمة ، فعلى سبيل المثال ، لا الحصر ، سنجد ثورة 1919م المصرية ، قد دعى إليها ، وفجرها الوفد الوطني المصري ، بقيادة الزعيم الوطني الراحل سعد زغلول ، وسنجد - أيضاً - ثورة 1952م المصرية ، قد - نجحت - بفعل تمرد ، وانقلاب تنظيم الضباط الأحرار ، آنذاك ، بقيادة أعضاء مجلس قيادة الثورة ، وقس على ذلك ، الانقلاب البعثي العراقي ، الذي أودى بحياة الرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم ، والثورة الوطنية الليبية ، التي نجحت في إسقاط نظام الملك " السنوسي " ومن ثم ، إنهاء الحكم بالنظام الملكي ، ليحل محله الحكم بالنظام الجمهوري ، وأخيراً ، وليس آخراً ، نجاح الثورة الإيرانية ، بقيادة " الخوميني " ، في إسقاط ، وتبديد عرش الملك الإيراني الأسبق شاه إيران ، ومن ثم ، إعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، إلى آخر ذلك ، من ثورات دولية تاريخية صائبة . - وفي الواقع ، فإن أحداث - سيناريو - الثورات العربية ، الذي نشهده الآن ، يثير كثيراً من الشكوك ، والتساؤلات ، وعلامات الاستفهام المبهمة ، ذلك لأنها لم تكن على - غرار - الثورات التقليدية ، التي عرفها التاريخ السياسي من قبل ، لا سيما ، أنها قد افتقدت - في ظاهرها - عنصراً أساسياً مهماً في تاريخ إنجاح الثورات التاريخية المتباينة ، وهو عنصر الزعامة الشعبية ، أو القيادة السياسية - الواضحة - المحددة ، التي - استطاعت - خلال فترة زمنية وجيزة ، إسقاط أنظمة سياسية ديكتاتورية مستبدة ، بحرفية ثورية - فائقة - لم يسبق لها مثيل في تاريخ الثورات الدولية السابقة ، فعلى سبيل المثال ، لا الحصر ، سنجد الذين - فجروا - ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية ، هم مجموعة من الشباب المثقف ، المتحضر ، الراقي ، الذين لا - ينتمون - لقوى سياسية - تقليدية - معينة ، وقد - أعلنوا - من خلال الصفحة الالكترونية الخاصة بالشاب خالد سعيد ، بموقع التواصل الاجتماعي " فيس بوك " ، عزمهم الخروج لميدان التحرير ، يوم الخامس والعشرين من يناير ، تزامناً مع العيد السنوي لرجال الشرطة ، بقصد التظاهر - السلمي - المناهض لسياسات وزارة الداخلية الجائرة ، نتيجة تعاطفهم ، وتأثرهم بقضية شهيد الداخلية ، الشاب السكندري خالد سعيد ، وما حدث له من انتهاكات - وحشية - من قبل بعض " الشواذ " من أفراد الشرطة آنذاك ، ولأن النظام السياسي السابق كان " نبراساً " ماهراً في إجادة فنون ممارسة القمع والتعذيب حيال مناهضيه ، فقد - تعمد - استخدام شتى أنواع السبل ، والأساليب - الوحشية - الجائرة تجاه هؤلاء الشباب الأنقياء ، مما تسبب في إسقاط عدد - لا بأس به - من الشهداء والمصابين في صفوف المتظاهرين السلميين ، لا سيما ، أن رموز النظام البائد لم يلقوا - في البداية - بالاً ، أو اهتماماً بما حدث لهؤلاء الشباب ، من انتهاكات قمعية مقصودة ، نظراً - لتيقنهم - آنذاك ، بعدم انتماء أحد منهم للأحزاب ، أو القوى السياسية التقليدية الرئيسية ، ومن ثم ، اعتبارهم ، أو تصنيفهم -على أسوأ الأحوال - ضمن البلطجية ، أو الخارجين عن القانون ، تمهيداً لمحاكمتهم - بعد ذلك - بتهم إثارة الشغب والفوضى ، وماولة الانقضاض على الشرعية الدستورية وقلب نظام الحكم ، وبينما كان قيادات النظام البائد - عاكفون - في البحث عن الهوية السياسية - المجهولة - لهؤلاء الشباب ، ومحاولة معرفة الجهات الداخلية والخارجية التي تساعدهم وتساندهم وتدعمهم ، كان قيادات وزعماء القوى والتيارات والحركات والائتلافات السياسية المختلفة ، قد نسقوا - خلسة - فيما بينهم ، لينفجروا - كالقنبلة الموقوتة - في وجه النظام البائد ، مرددين ، منددين ، بصوت رجل واحد " الشعب يريد إسقاط النظام " ، مما - هز - أركان النظام السابق ، وأجبر الديكتاتور المسن " مبارك " على التخلي - كرهاً - عن مقاليد الحكم ، ونقل سلطاته وصلاحياته - الشاسعة - للمجلس الأعلى للقوات المسلحة . - وعلى حد اعتقادي ، فإن قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد - أجبروا - مكرهين على الإطاحة بالرئيس السابق ، ونجليه ، وأركان نظامه ، وليس - كما يتوهم البعض - رغبة منه على الاستجابة لمطالب شباب الثورة ، أو - اعتراضاً - على شخص مبارك ، أو - حتى - سياساته المفسدة المتردية ، لا سمح الله ، وإنما هو - في الحقيقة - استجابة لرغبة قوة عظمى مسيطرة ، خشية العصف به ، حال عزوفه ، أو تجاهله لمثل تلك التوجهات والرغبات الدولية السيادية ، لا سيما ، أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعد - جزءاً - أصيلاً ، لا يتجزأ من النظام السياسي السابق ، ناهيك عن أن النظام البائد - حسب يقيني - كان بإمكانه - تكميم - أفواه أضعاف شباب الخامس والعشرين من يناير ، قبل أن يرتد إليك طرفك ، ولو كان إسقاط نظام مبارك - يسير - لهذا الحد ، فقد كان بإمكان قوى المعارضة الرئيسية المختلفة ، أن تحشد ثلث أعضاءها - فقط - من الشباب ، في مختلف ميادين مصرنا المحروسة ، لأجل غير مسمى ، في سبيل إسقاط النظام البائد ، الذي - انتزع - حريتهم وكرامتهم ، وسلب حقوقهم ، ونهب واستنزف ثرواتهم ، ومقدراتهم الوطنية الثمينة ، لمدى ثلاث عقود زمنية متصلة ، ومن هذا المنطلق الرشيد ، يتبدى لنا - يقيناً - أن نجاح إسقاط مثل هذه الأنظمة الديكتاتورية المستبدة ، قياساً بالثورة المصرية ، هو - في الحقيقة - بفعل ريادة خارجية ، قوية ، مخضرمة ، وليس - كما يتوهم البعض - ، ظانين خطئاً ، بأن إسقاط تلك الأنظمة السياسية المستبدة القابضة ، قد نجح - بفعل - إرادة عربية - محلية - خالصة فحسب . - وفي تقديري ، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية ، وحلفائها ، هم الرواد - الحقيقيون - لثوراتنا العربية الراهنة ، ذلك لأنهم - في تصوري - قد خططوا - مسبقاً - لتفجير ، ودعم ، وإنجاح مثل هذه الثورات المستوردة ، ليس - كما يتوهم البعض - بقصد مساعدة الثوار في إسقاط أنظمتهم السياسية المستبدة ، ومن ثم ، تحقيق التحول الديمقراطي - المنشود - في بلدان الشرق الأوسط ، حسب ما يزعمون ، ويرددون فرية ، وإنما - بهدف - إسقاط الوطن العربي في " براثن " الفوضى ، والصراعات السياسية والمذهبية والطائفية ، من خلال بث الفتن بطريقة ممنهجة ، والعمل على - تعميق - فجوة التباين الفكري والسياسي والمذهبي ، بين أبناء أمتنا العربية العريقة ، تمهيداً - لتقسيمنا - بعد ذلك ، " لدويلات " صغيرة متناحرة ، ليتسنى لهم - حينئذ - تحقيق فرض الوصاية الدولية ، ومن ثم ، نهب واستنزاف ثرواتنا ومقدراتنا الوطنية الثمينة ، بسبل مشروعة ، على غرار - سيناريو - العراق الشقيق وغيره ، وما حدث لمثل هذه الأقطار منا ببعيد . - فيا أيها المجتمع العربي العريق ، أدعوكم لأن تتوحدوا - جميعاً - كالبنيان المرصوص ، على قلب رجل واحد ، وأحذركم - في الوقت نفسه - من " مغبة " التفرق والتشرذم والتعصب والتباين الجذري بينكم ، وأناشدكم - في النهاية - على أن تتفقوا ، وتلتفوا - فقط - حول ما هو أنفع وأجدى لأوطانكم ومواطنيكم ، حتى لا تصبحوا - في المستقبل القريب - فريسة - ضعيفة - ، سهلة المنال للطامعين ، فتلتهمكم أفواه القوى الاستعمارية المتوحشة .