الإختلاط في سطور الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد: أكمل الله هذا الدين لنا فلا يجوز الزيادة فيه أو النقص منه, قال عز من قائل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا), و هذا دليل واضح و كاف, يفهمه الصغير والكبير والعالم والجاهل. وهذا الدين يسر غير عسر في جميع الأحكام والتشريعات, قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ), وقال: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ). و أما ما يقوله البعض إن الدين يسر ويقصد بذلك إبطال بعض الأحكام والتشريعات فهذا تناقض, لأنه يؤمن من جهة أنه يجب الإنقياد لأوامر الله ومن جهة أخرى يبطل أو يترك بعض الأحكام بحجة أن الدين يسر! فالجواب أن الدين يسر بأحكامه وما شرعه الله لنا, لا بالأهواء والنقص والزيادة في الدين. وما يحدث في بعض البلدان الإسلامية من إثارة وتشكيك في مسألة الإختلاط بين الجنسين مرفوض, لأنها من النصوص المحكمة التي لا خلاف فيها, والعجب كل العجب بعض من ينتسب إلى العلم يقول لا توجد أدلة صريحة في ذلك! وبعضهم يريد أن يثبت أن منع الإختلاط سبب للتخلف والرجعية بأي طريقة, فقال: (دائما تشكون من رسوب الأبناء في المدارس وهذا سببه منع الاختلاط لأنه اذا لم يجد بنتا بجانبه لا يستطيع أن يركز!). ولو سألت أي واحد من الناس: ابني لم ينجح هذه السنة ولا أدري ما السبب؟ فيقول لك: إما أن ابنك مقصر ولم يجتهد, وإما المعلم ليس جيدا و لم يؤد الذي عليه! أما القول أن الأولاد يرسبون لمنع الاختلاط فهذا أول مرة أسمع به, وقد تعجبت أن هذا الكلام أصدر من شخص متعلم وعنده شهادات عليا! ولنضرب مثلا آخر لتتضح الصورة. لو تعطلت سيارتك و ذهبت الى الميكانيكي وقلت له صلح السيارة ثم تركتها عنده ورجعت بعد عدة أيام فقال لك: لم أستطع أن أصلح سيارتك لعدم وجود امرأة معي تساعدني! فهل يقول هذا عاقل؟ وهل العلة لعدم توافر الجنسين؟ أم العلة بالعلم و القدرة؟ قبل أن أشرع في الكلام عن الاختلاط يجب أن نعرف ما علة تحريم الاختلاط وما حكمتها؟ الإختلاط مؤدي إلى نظر الجنسين لبعضهم البعض, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العينان زناهما النظر) متفق عليه. و قال جرير بن عبدالله – رضي الله عنه -: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري) رواه مسلم, و في رواية أخرى قال له عليه الصلاة و السلام: (لا تعاود النظر مرة ثانية). و من فوائد غض البصر أن المرء بهذه الطريقة يتقي الشهوات, و يسد بعض مداخل الشيطان لقوله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ). فظهر لنا من هذه الآية أن الذي يعين على حفظ الفرج وعدم إرتكاب الفواحش أن يغض كل واحد منا بصره, ولا يتطرق الى ما لا يعنيه. وقد عجبت كل العجب الى من يقول: (أنا انظر و أتعامل مع النساء ولا أتأثر من ناحية الشهوة والغريزة!). فالجواب واحد من الإثنين لا ثالث لهما, و أحلاهما مر كما يقال, وهو: إما أن يقول أنا لا أتأثر بالنساء لأني لست رجلا وإما أنه كذاب! وأنا أحسن الظن وأقول أنهم رجال ولكن يكذبون و يريدون الفرار والتهرب من هذا الإشكال. والبعض عندما يأتي الى تفسير الآية السابقة التي ذكرتها, يفسرها على هواه فيقول معنى الآية من أراد أن ينظر فلينظر ومن لا يريد أن ينظر فلا يفعل. والجواب: أولا: الأمر جاء من الله جل جلاله, فإن كنت تحب الله, من المعلوم أنك تنقاد لأوامره كما يلبي الحبيب أوامر محبوبه! ثانيا: الأمر يقتضي الوجوب. ثالثا: قال تعالى: (ذلك أزكى لهم), فالمؤمن دائما يبحث عن الأفضل ويبادر إلى الوصول إليه. الأصل في النساء أن يقرن في بيوتهن كما أخبر الله: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى). والمصيبة أن هناك من يقول أن النقاب عادة جاهلية قديمة, والله يقول لا تبرجن! فدل أولا: أن من عادات أهل الجاهلية التبرج لا الستر, ثانيا: دل أن النقاب لم يكن موجودا في الجاهلية, وإنما ما كان موجود هو السفور! وأيضا ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان) رواه الترمذي وصححه الألباني. وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني. وقال (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم, ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال : يا رسول الله ! إن امرأتي خرجت حاجة, وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا, قال انطلق فحج مع امرأتك ) متفق عليه. ومعلوم أن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت الطرق آمنة والأمور ميسرة, ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لتحج ويكفيها النساء الثقات كما يفعل بعض الناس اليوم! بل أمره أن يحج مع زوجته ليكون محرما لها. ثم قال الإمام النووي –رحمه الله- في شرحه لهذا الحديث: (وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا يستحى منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فإن وجوده كالعدم، وكذا لو اجتمع رجال بامرأة أجنبية فهو حرام). والآن للأسف يوجد بعض أماكن العمل التي فيها هذه الخلوة بجهود دعاة الإختلاط –هداهم الله-. والأحاديث في هذا الشأن كثيرة جدا, بوب الإمام أبو داود السجستاني –رحمه الله- في سننه (باب إنصراف النساء قبل الرجال من الصلاة): قالت أم سلمة -رضي الله عنها-: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم مكث قليلا وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال). وأيضا بوب: (باب في مشي النساء مع الرجال في حافات الطريق), ثم ذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (استأخرن, فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق. فكانت المرأة تلتصق بالجدارحتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به) صححه الألباني. فهذا وصف المؤمنة العفيفة, يمشين في حافات الطريق, ومن صفاتهم الحياء, لا المشي أمام الرجال حتى تضرب كتفها بكتف الرجال! والأدلة كثيرة يصعب ذكرها في هذا المقام, والمسلم الصادق تكفيه دليل واحد من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم, وأما الذي يتتبع الرخص ويتهرب, سيضطر إلى تحريف المعاني أو يحرف المقصود من الأحاديث والآيات بأي طريق من الطرق! ولا يخفى على المسلمين أن عند الخطبة يشرع للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) رواه أحمد وصححه الألباني. فدل كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن النظر ليس مشروعا ابتداء, وإلا ما فائدة جواز النظر عند الخطبة إذا كان مشروعا أساسا؟! هذا ما تيسر لي في بينانه, وأسأل الله أن يجعلنا و إياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وأما من يأتي بأحاديث تدل على مشروعية الإختلاط, فهذا كان مشروعا في بداية الإسلام كما أن الحجاب لم يكن واجبا يومئذ, ومن قرأ وتدبر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة يتضح له ذلك. ومن طرائف ما حصل لي, قال لي أحد الاخوة ذات يوم أن الاختلاط مباح والدليل أن يوم القيامة الكل يبعث مع بعض, فقلت له و كذلك يوم القيامة الكل يبعث عراة, فهل هذا يدل على جواز التعري في الدنيا ؟! عبدالله خالد شمس الدين [email protected] twitter@AShamsalden