كما عاصرنا خلال الأسبوع الفائت، العملية الانتخابية في الدولة "الشقيقة" مصر، فإن كثيرة هي التساؤلات والقراءات المختلفة والمتباينة التي تبادرت إلى الذهن، حول الأحداث الآنيّة الحاصلة، وما ستسفر عنه جملة الجولات الانتخابية اللاحقة، والتي إلى حد الساعة، تبدو من حيث التنظيم والأداء، والكم الانتخابي على حال جيدة، وسواء ما مرت به عمليات التصويت والفرز، أو من حيث القبول الواسع من قبل الشعب المصري، بسير العملية الانتخابية "بحرية" أكبر، ومن حيث النتائج الفعلية، التي أسفرت عنها، بالرغم من وصفها بالطويلة والبطيئة إلى حدٍ ما. وبالرغم من سير العملية على هكذا منوال، فإن من المبكر جداً معرفة، فيما إذا كانت ستنتهي على هذا النحو، وأيضاً سيكون من السابق لأوانه، تحديد ما إذا كانت الديمقراطية الحاصلة تلقائياً، قد أحدثت اختراقاً حقيقياً داخل السلطات المصرية. في ضوء العملية الانتخابية في حد ذاتها، أو بالنظر إلى ما حققه "الإخوان المسلمين" من خلال هذه العملية، من اكتساح أغلبية الأصوات، لاسيما في ضوء التخوفات، التي كانت ولا تزال تخيم على الوضع السياسي العام في مصر، ولا نعرف على وجه الدقة، ما ستؤول إليه الأوضاع المستقبلية، وماذا سيكون عليه الوضع العسكري الحاكم، الذي كان مسيطراً على حكم الدولة، على مدى عقود طويلة، ومنذ ثورة الزعيم "جمال عبد الناصر" عام 1952، التي جلبت ويسرت الحكم العسكري على الشعب المصري، بمبررات الحالة الأمنية، جراء الثورة المصرية ضد الملكية أنذاك، وتواصلت في أعقاب الكوارث التي سببتها "إسرائيل"، منذ قيامها من خلال حروبها ضد العرب، على مدار عقود طويلة، بداية بإجرامها ضد الفلسطينيين عام 1948، والعدوان الثلاثي عام 1956، وحرب الأيام الستة 1967، في عهد الرئيس "عبد الناصر". وتواصل الحكم العسكري، من خلال خليفته "أنور السادات"، بالرغم من قيادته عملية السلام مع إسرائيل، والتي أنهت حالة الحرب بين البلدين، من ناحية، وجلبت المزيد من المساعدات الاقتصادية والعسكرية من الولاياتالمتحدة. ومما سبق فإن الحكم العسكري المصري، لم يكن بالدرجة الأولى، مرتبطاً بالعلاقات الخارجية الصراعية، بقدر ما كانت له جذور داخلية، تهدف الحفاظ على نظام الحكم العسكري السائد في البلاد، للضغط على الشعب المصري وإخضاعه له. وقد كان ظهور مصطلح الديمقراطية، الذي ارتبط به الحزب الحاكم أنذاك، ذو ملامح غير واضحة، وأقرب إلى المفهوم النظري أكثر مما هو إجرائي وعملي، كما هو السائد في البلدان الديمقراطية. وبطبيعة الحال فإن من الأمور الأصعب، هو ما سيكون عليه حال الوضع العام للجيش، من حيث سلطاته وصلاحياته في مرحلة ما بعد الانتخابات، التي يُنتظر في أعقابها، الولوج في مرحلة الاستقرار الفوري للجيش المصري والشعب المصري، من خلال حكم مدني خالص. حتى لو كان الإسلام "الطابع الرسمي" الغالب والمتحكم، في العلاقات الداخلية اتجاه المواطن المصري، أو الخارجية المرتبطة بالدول الأجنبية الأخرى. وبالرغم من النظرة الاستشرافية للقطر المصري، من حيث كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة في ظل صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم والسلطة، لا سيما وأنها مستجدة على الحكم، ويسعدها إحداث نقلة نوعية غير معهودة، نصرةً للبلاد خارجياً، وللشعب المصر في الداخل بوجهٍ خاص. من المحللين والساسة، يقرون بإمكانية تكوين نظام مدني قوي ومستقر، ونظام اقتصادي متقدم وأكثر انفتاحاً، بغض النظر عما إذا جلبت المتغيرات الإقليمية والدولية، ما يمس الأمور الأمنية والعسكرية، بالرغم من أن القادة في مصر، لا يشغلهم الآن، الجانب الأمني والعسكري كثيراً، ولا يريدون المواجهة العسكرية مع أي دولة وخاصةً "إسرائيل". فالواقع السياسي يتطلب من تم اختياره في المقام الأول، إلى التركيز على استقرار الوضع الداخلي والحفاظ على المكتسبات السياسية من جهة، وللحفاظ على المساعدات الأميركية، والعلاقات الجيدة مع الدول الأوروبية، ومن جهةٍ أخرى، إلى تحسين الوضع الاقتصادي، من خلال تنشيط المجالات السياحة، وتحسين العمليات الاستثمارية لموارد البلاد المتواضعة، التي من شأنها حلحلة الوضع الاقتصادي بشكلً أفضل للمواطن المصري والدولة بشكلٍ عام. وبالرغم من معرفة الشرق والغرب بالوضع المصري العام، إلاّ أن هناك العديد من الجهات التي وضعت مسألة صعود القوى الإسلامية، نتيجة الانتخابات منذ المرحلة الأولى من العملية الانتخابية كل مرصد، وجعلت تعد العدة، لمواجهة ما هو آت. ومن المعطيات الواردة فإن أول المهتمين بتلك التطورات، من حيث الجهات على الصعيد الداخلي، هو المجلس العسكري المصري، الذي أبدى قلقه العميق من الصعود الحاصل، من قبل الإسلاميين "الإخوان والسلفيين"، بدا ذلك جلياً من التزام المجلس العسكري، الصمت تجاه نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، التي اكتسحها الإخوان والسلفيون، والذي له دلالة قاطعة، بأن النتائج سببت انزعاجاً وقلقاً داخل المؤسسة العسكرية." لا سيما بعد أن أظهرت النتائج تفوقاً ساحقاً للإسلاميين، إذ نال حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي للإخوان المسلمين و حزب النور "السلفيين"، أكثر من 60% من الأصوات، 40% و20% على التوالي، بما يقارب الثلثين من الحصص البرلمانية، فإنه وبرغم قبول الجيش للنتائج، كونها تعكس إرادة الناخبين، إلاّ أن شعوراً بالقلق ساد المؤسسة العسكرية، خصوصاً في ظل تأكيدات بأن التيار الإسلامي، لديه حظوظ متقدمة في المراحل اللاحقة، ولهذا فإنه والحالة هذه فإن أكثر ما يُخشى داخلياً هو، - كما أوردنا- من الجيش الذي بإمكانه قلب الأمور رأساً على عقب، بحجةٍ أو غير حجة، وخاصة في ضوء ما يتمتع بها من الصلاحيات والاختصاصات المتعددة والمختلفة وفي كل اتجاه، فليس من السهل على المجلس العسكري أن يسلم قوّته التي يتمتع بها طوال الفترة الفائتة، أن يتخلى بكل سهولة ويسر للدولة المدنية، وخاصةً في ضوء عدم الرضا الكامل، تجاه ما يجري في مصر، والتي ستجعل له هامشاً من المناورة، لاستعادة الأمور على ما يُريد، وليس بأحداث الجزائر عنا ببعيدة، وهذا بالطبع ما لا يتمناه أحد. ومن ناحيةٍ أخرى فقد يلجأ الجيش، إلى عملية تسليم الحكم للمدنيين الواصلين للسلطة، ولكن دون التنازل عن الصلاحيات والاختصاصات، التي اكتسبها على مدي العقود الفائتة، الأمر الذي يعني العودة إلى الصورة النمطية الأولى وهي الديمقراطية الصورية، أو بالمعني الأدق "حكم العسكر" وهناك أيضاً إمكانية أن يلعب الجيش بقوته، من خلال معركة "مدنية" الدولة في الدستور بعد الانتخابات،" وهذا ما ستترتب عليه تداعيات وانعكاسات متعددة، من شأنها أن تبقي الباب مفتوحاً، أمام المزيد من العثرات في وجه الإصلاحات والتنمية. وكان صدر مؤخراً، عتاباً من المؤسسة العسكرية على القوى المدنية، التي ركزت جهودها في مواجهة المجلس العسكري واعتبرت أن معركتها معه، وقالت إن "سبب تفوق التيار الإسلامي هو حالة الضعف والفرقة وعدم الاتفاق بين قوى التيار الليبرالي، وانشغالها بالعمل على مواجهة المجلس العسكري، رغم أن المجلس أرسل رسائل عدة بأن مشكلة العسكر ليست معهم، إلا أنهم لم يعطوا الأمر أهمية. ومن جهة أخرى، فقد دعت قوىً وجهات علمانية وقبطية، إلى توحيد الجهود، بهدف كبح جماح الإسلاميين، في اكتساحهم لأصوات الناخبين، إلى درجة أن زعيم حزب المصريين الأحرار القبطي "نجيب ساويرس" كان دعا على نحوٍ معجّل، جهات أجنبية "غربية" للوقوف إلى جانبه والقوى العلمانية، لصد تقدم الحركات الإسلامية. ومن جهةٍ أخرى، كانت دعت "إسرائيل" الولاياتالمتحدة إلى وقوفها ضد إضعاف الحاكم العسكري المشير "طنطاوي"، حيث انتقد مسئولون سياسيون إسرائيليون كبار، دعوة الولاياتالمتحدة، للمجلس العسكري المصري، بنقل السلطة إلى حكومة مدنية في أسرع وقت ممكن، معتبرين أن ذلك سوف يقود إلى إضعاف سلطته كحاكم للبلاد، والتي من ِشأنها أن تؤدي إلى إمكانية اندلاع حرب أهلية في مصر الدولة القريبة من الحدود مع إسرائيل، والتي سيكون لها تأثيرات واسعة على الدولة العبرية. وكانوا حذروا الرئيس "أوباما" من العودة لنفس الخطأ حينما كان باتجاه تنحي "مبارك" عن السلطة، كان خطأ، وليس من الصواب أن تعود هذه الإدارة الآن، لنفس الخطأ، وتقدم على إضعاف دور الجيش المصري في السلطة. وعليه فإذا ما أُريد لدولة مصر الكبرى، ورغماً عمن لا يسعدهم أن تقوم مصر من كبوتها، وتتعافى من زلاّتها، وأن تعلو مصر، أن يدع – الكل - قادة وشعباً، إسلامياً وعلمانياً في الداخل أو في الخارج، أن يدعوا الأمور تسير كما هي، وكيفما كانت نتيجتها، لأن لا أحد يدعي القومية والروح الوطنية، ويريد النيل من مصر أو الإضرار بها. 3/12/2011