عميرة أيسر -الحالُ في قطاع التَّربية الوطنية في عهد الوزيرة الحالية السيِّدة نورية بن غبريط يشبه كثيراً في نظري حال معبد ستونهيج في بريطانيا والذي يعتقد بأنه يعود إلى حضارة الميجالت القديمة،فهذا المعبد الأسطوري الذي بقيت منه أثاره شاهدةً على وجود حضارة عظيمة بقيت أسرارها غير مكتشفة لحد السَّاعة وسط تكهنات وقراءات حضارية وميثولوجية وحتى آثارية لم تستطع فك كل طلامسها وما تحتويه من كنوز معرفية وعلمية حيرت العلماء وأثارت فضولهم منذ العهد الروماني هذا المعلم التاريخي الأثري،الذي يعود تاريخ بناءه إلى حوالي 2600سنة قبل الميلاد تقديرياً،لا يختلف عن إستراتيجية السيّْدة نورية بن غبريط المنتهجة في قطاع التربية والتعليم الوطنية منذ مجيئها على رأسها،فرغم كل التَّحليلات والتفسيرات والتعليلات السياسية والتربوية والتعليمية والثقافية وغيرها لم يستطع أحدٌ لا داخل القطاع ولا خارجه بأنْ يتوصل إلى حقيقة وجوهر ما تحاول الوزيرة القيام به والبرنامج التربوي الذي تسير على أثره وتسعى جاهدة إلى تطبيقه،كل الخبراء والمهتمِّين بالقطاع وبعض كوادره السابقة ومعظم كوادره الحالية سواءً كانوا ضمن التَّكتلات النقابية المناهضة لسياسات الوزيرة وخطها الإيديولوجي الفكري أو طريقة إدارتها لوزارة التي تعتبر من الوزارات السيادية الحسَّاسة التي تعتبر خزَّان الأجيال ومكونها، أو خارجها،فمثلا نقابات اسنتيو،وكنا بست والأنباف التي تعتبر النقابات الأساسية والرئيسية في القطاع تخوض حرباً ضروساً شرسةً مُنذ تقلدها لهذا المنصب القيادي وتعيينها على رأس هرم الوزارة،معتبرةً أن ما تقوم به الوزيرة من سياسات و إصلاحات غير مسئولة ولا تمثل نبض كوادر القطاع ولا تخدم مصالح التَّلميذ الجزائري في المقام الأول،ومما زاد من اشتعال نار هيفستوس هو استعانة الوزيرة بخبرات أجنبية عند شروعها في انتهاج سياسة عصرنة القطاع ووضع المناهج التَّعليمية التربوية التي تعتمد على حسب رأيها على أسس علمية حديثة وطرق تدريسية متقدمة،وهو الأمر الذي تعارضه النقابات التربوية ومن يتحالف معها من جمعيات أولياء تلاميذ وجمعيات عمَّال القطاع ومشرفيه،ورغم كل الانتقادات الحادَّة التي وجهت إليها لم تقم حتىَّ بعقد مؤتمرٍ صحفي كما تفعل نظيراتها ونظرائها في الدُّول التي تحترم رأي الأغلبية في أي قطاع حيوي ومؤثر في الدولة،لتشرح برنامجها الذي جاءت لتطبيقه وخطوطه العريضة وترضي هؤلاء بتنفيذ ولو جزءٍ من مطالبهم التي تنحصر معظمها في تسوية وضعيات الأساتذة وعمَّال القطاع الاجتماعية وإعادة النظر في السِّياسات المنتهجة في تسييرها لمؤسسات وهياكل ومديرات التربية الوطنية المتناثرة عبر ربوع القارة الجزائرية المترامية الأطراف. -ولكن ولأنَ الوزيرة لا تختلف عن معبد حضارة الميجالت قررت كالعادة السير قدماً وعدم الالتفاف إلى أراء هؤلاء وفضلت تجاهلهم بالمطلق،واستمرت في سياسة ناقة البسوس العرجاء وقلَّصت مدَّة العُطلة لتلاميذ المدارس من أسبوعين كما هو متعارف عليها منذُ عشرات السنوات ربما إلى أسبوع واحد لا غير.ليتدخل الوزير الأول شخصياً ويرفعها إلى 18يوما بعد موجة من الاستياء والاحتجاجات وحتى الإضرابات التي قام بها التلاميذ هذه المرة وربما لأول مرة منذ الاستقلال وتلقت انتقادات حتى من حلفاءها ومسانديها ومنهم السيّْد أحمد أويحي مدير ديوان الرئاسة،ورغم أنَّ هذه النقابات ومن يدور في فلكها قد هدَّدوا بأنهم سيتخذون إجراءات قاسية ضدَّها في اجتماعهم المقرر بتاريخ 7جانفي 2017،ولكن الظاهر في الأمر أن ريمه باقية على عادتها القديمة وكما بقي سر معبد ستونهيج لغزاً يحير العلماء والباحثين في العصر الحديث ستبقى بن غبريط مثاراً للجدل وسرا ناتعاً لا يستطيع كشف دواخله إلى الله عز وجل. عميرة أيسر-كاتب جزائري