عما قريب تنتهي العملية الانتخابية للمجالس النيابية ويسعد من فاز بمقعد البرلمان ليصبح سيادة العضو نائبا عن أهل دائرته في يوم أشبه بالحلم , بعد أن كان كثيرا منهم لا يحلم بمجرد المرور بجوار أسوار البرلمان إما يأسا أو خوفا لا أعرف كيف تكون مشاعر سيادة العضو المنتخب في اللحظة الأولي لدخوله من بوابة المجلس فهل تنتابه فرحة المنصب أو غرور الحصانة أم رهبة المسؤلية التي ألقاها علي كاهله أبناء دائرته وفي ظل هذه الأحاسيس المختلطة هل يوجد بينهم من يرتجف وترتعش أطرافه عندما يجد قطرات من الدم علي كرسي البرلمان الذي يجلس عليه وعندما ينظر إلي أعلي تجاه القبة العتيقه ليبحث عن مصدر الدم فيري عليها لوحة تجسد شهداء الثورة في ملحمة من أروع ملاحم التاريخ. تري ماذا سيفعل سيادة النائب وقتئذ . أعتقد أن الكثيرين منهم سوف يقوم بإخراج منديل ويمسح قطرات الدم من الكرسي حتي لا تفسد بدلته الأنيقه وهويهمس في جنبات نفسه "هو دا وقته , الي مات مات , والحي ابقي من الميت , والله يرحم الجميع " ثم يجلس منتشيا بمقعده , واذا بقطرات أخري من الدماء تتساقط فوق رأسه واحدة تلو الأخري فتفسد عليه بهجته وتعكر صفوه ثم ينظر يمينه ويساره وأمامه وخلفه فيجد أن جميع الأعضاء الكرام ليسوا بأحسن حال منه ' فمنهم من ينظف كرسيه , ومنهم من ينظف بدلته , وأخر يمسح رأسه وتتحول الجلسة الأولي الي حملة نظافة داخل البرلمان. هنا يتدخل رئيس الجلسة للسيطرة علي حالة الهرج والمرج التي سادت في القاعة قائلا الي موافق علي نظافة القبة يرفع يديه فيقوم الأعضاء برفع أيديهم من أجل أن ينتهي الأمر فيقول الرئيس "موافقة أغلبيه" ويرفع الجلسة للنظافة , ثم يأمر بسرعة تنظيف القبة وإلقاء كل مخلفاتها في صناديق القمامة وحرقها إن لزم الأمر حتي لا تتسرب أي عدوي من هذه الدماء للسادة الأعضاء ثم تعود الجلسة للإنعقاد مرة أخري في جو هادئ يسوده السكون , فاذا بأصوات الشهداء تقرع جنبات المجلس كأصوات الأذان في صحوة الفجر وأجراس الكنائس في عيد الميلاد. وهنا أدرك البعض منهم أن أرواح الشهداء لن تتركهم يتمتعون بمقاعدهم حتي تستريح في مسواها الأخير بمعاقبة كل من تلوثت أيديهم بدمائهم. ويبقي السؤال هل يتقدم هؤلاء بأول إستجواب تحت قبة البرلمان عن حقوق الشهداء والجرحي ومحاكمة قاتليهم؟ أم يسعي البعض لبناء جدار عازل تحت القبة حتي لا يسمعوا صوت الشهيد للأبد.