الدكتور رمضان حسين الشيخ قد يحتاج النجاح إلى جهد كبير لكي يصل إلى الناس، وقد يحتاج إلى أكثر من ذلك إلى الثقة والهدوء ليبقى في ذاكرتهم لوقت أطول، أما الفشل فيجد طريقة بيسر وسلاسه إلى نفوس الناس.. فيعكر صفو المتفائلين ويثقل ذاكرة المتشائمين ويلوثها.. وفي حين يحتاج النجاح إلى بذل جهد متواصل مستمر، فإن الفشل يحتاج منا إلى أن نلهو ونيأس وألا نفعل شيئاً سوى النقد والانتقاد دون أن نغير ساكناً. إن طاقة النجاح الرئيسية للوزير والمسؤول هي أن يعهد بالمهام الادارية المتعارف عليها لجهاز كفء يتبعه، وأن يقتنع بأن مسؤوليته الأولى هي الانشغال بالمستقبل وصناعته، لا بالانصياع للماضي واثبات سلامته وحمايته وتكراره، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: تُرى أين يضيع وقت المسؤول؟! وأين يجد الوقت اللازم (للتفكير)؟! ومتى يحين له وقت إدارة إجتماعات التخطيط (الاستراتيجي)؟! ومتى يحين له عقد لقاءات تقييم سيناريوهات (المستقبل)؟! التي ينوي أن ينقل بها أنشطة ومهام مؤسسته إلى مراتب عالية من التقدم والنمو تتلاءم مع طموحات القيادة السياسية ورؤيتها.. "أين له كل هذا وسط الاصرار على التدخل الشخصي المباشر في كل دقائق الأمور والتوقيع على المذكرات الادارية التي لا نهاية لها، وهذا يؤكد لنا جميعاً أنه كلما زاد تكرار التدخل في التفاصيل، كلما أكد لنا ذلك عدم توفر أجهزة معاونة فعاله.. وكثيراً ما يقال (أن قائد الطائرة أو سفينة الفضاء يقضي فقط 5% من وقت الرحلة في تحديد المسار، ويقضي باقي الوقت في ضبط هذا المسار في ضوء ما يطرأ على ظروف الرحلة). إن بعض مظاهر سوء الإدارة في مصر يتمثل في الأداء الروتيني التقليدي للمهام والمسؤوليات، وغياب المتابعة بالوقوف على مختلف أوجه المشاريع والمهام التي تُدار فقط من خلف المكاتب وإجادة التوقيع على المعاملات الورقية وتجميع الصلاحيات في يد المدير الأعلى، وعدم التنبه إلى أوجه الخلل الموجودة بالوزارات والهيئات الحكومية التي تُدار بالبركة وبعناية الله فقط بأساليب عقيمة، وبتلقائية عجيبة، وبعيداً عن المحاسبة، والملاحظة ومعالجة الأخطاء، وهو ما يسود ويعم جميع العاملين في الوزارة.. يأتي من يأتي، ويغيب من يغيب.. وتتراكم المعاملات فوق المكاتب، وتتعطل مصالح الناس، ولا أحد يراقب أحد! وليس من باب التبرير القول بأن مظاهر الفساد وسوء الإدارة يكونان في كثير من الأحيان نتيجة طبيعية لحالة الاحباط التي يمر بها المسؤول وموظفوه نتيجة عدم الاستجابة لمطالبهم بالإصلاح والتغيير أو باعتماد مبالغ مالية لأغراض التحسين والتطوير وتلافي الأخطار.. هذا الإحباط يؤدي في كثير من الأحيان إلى تبلد المسؤول وقتل روح المبادرة عنده، كما يضعف موقفه أمام موظفيه أو مع أصحاب الاستحقاقات، ويجعله مجرد واجهة (لا تهش، ولا تنش) وبالتالي فإنه يتحول إلى قطعة أثاث جامدة في الوزارة أو المؤسسة أو الإدارة، وتضيع المسؤولية بين التهاون والتراخي واللامبالاة فيؤدي ذلك إلى الكثير من الازمات ويختفي الشعور بالمسؤولية تماماً. تلك مشكلة حقيقية تعيشها الإدارة الحكومية لدينا من مستوياتها الإدارية العليا وحتى مستوياتها الدنيا، ولذلك نسمع الكثير من الوزارات وهي تبرر قصورها أو عجزها أو تدني مستوى الخدمات فيها بعدم استجابة وزارة المالية لما تريد أو تأخرها في صرف مستحقات العاملين أو أصحاب الحقوق، كما نسمع بعض مديري المصالح وهم يشكون نقص الصلاحية وتمركزها في يد الوزير أو المدير العام أو مدير الادارة، وذلك صحيح في بعض الأحيان ومجرد شماعة يلجأ إليها المديرون أو المشرفون الأقل كفاءة والأكثر تشبثاً بالمنصب والأقل تحملاً للمسؤولية. وأنا اعتقد أن مثل هذا الوزير أو المدير أو المسؤول الذي يجأر بالشكوى ويكتفي بالصراخ، ولا يوفر حلولاً أو مخارج من المشكلات. جدير به أن يستقيل ويغادر موقع المسؤولية على أن يظل عديم الفاعلية وغير قادر على إيجاد البدائل، وقيادة الوزارة / الجهة المسؤول عنها إلى الكارثة وتعريض حياة الناس للموت ومصالحها للخطر، ولست أدري حتى الآن إن كان هذا الوصف ينطبق على حالات واقعية تحدث يوميا في مصر أم لا؟ لأننا لم نسمع شيئاً عن نتائج التحقيق حتى الآن!، لكنني اعتقد أن حالة سوء الإدارة طاغية في كل مؤسساتنا الحكومية وأن تصحيح هذا الخلل الكبير لا يعالج فقط بإقالة وزير أو مدير أو مسؤول والاتيان بغيره، وإنما بإزالة الأسباب المتجذرة لسوء الإدارة وتداخل الصلاحيات ومركزية القرار أولاً وأخيراً. ويكمن علاج هذه المعضلة بعدد من الآليات منها ما هو للترغيب ومنها ما هو للترهيب، يمكن تحفيز الموظف مادياً ومعنوياً ليحب وظيفته ويحافظ عليها ويؤدي العمل على الوجه المطلوب من حيث الكمية والجودة، هذا الترغيب يعتبر من السلوكيات الإيجابية التي ترسخ وتعمق السلوكيات الإيجابية المرغوبة وبالتالي يتحسن الأداء ويقل الفساد، إن للتعامل الإنساني الحسن بين المسؤول والموظفين دوراً كبيراً في تحفيزهم على الأداء بإنتاجية عالية، بل يساهم في ولائهم وبقائهم مع المؤسسات طيلة رغبتها فيهم. وإن للرواتب العادلة والمجزية دوراً كبيراً في السلوك التنظيمي الإيجابي للموظفين، بحيث لا يقبل الموظف الفساد الإداري لأنه يتنافى مع قيمه الوظيفية، ويجب علينا جميعاً أن ندرك جيداً إن أهم مظاهر الفساد الإداري التي نجدها في للأسف في كثير من مؤسسات الدولة تتمثل في الرشوة، والمحسوبية، والمحاباة، والابتزاز، وسرقة المال العام، أما أسبابه، فأهمها الجهل، وتغليب القيم والروابط المبنية على النسب والقرابة، إضافة إلى ضعف إجراءات الرقابة، وغياب قواعد العمل والإجراءات المكتوبة سواء في القطاع العام أو الخاص. ومن أنماط هذا السلوك السيئ التي يستهان بها عند الناس هدر الوقت والإهمال والاستهتار في أداء المهام، واستخدام الأجهزة والمعدات للمصلحة الخاصة، وإفشاء المعلومات السرية والتحيز من دون وجه حق، وأعقدها تسهيل عمليات غسيل الأموال والتواطؤ مع مرتكبي الجرائم مهما كان نوعها، وللأسف يؤدي انتشاره إلى آثار كثيرة منها زيادة حالة من الإحباط والسلبية لعدم تكافؤ الفرص بين المصريين، كما أنه يؤدي إلى انخفاض المهنية، وفقدان قيمة العمل وتقبل فكرة التفريط في معايير الأداء، ومما لا يمكن إغفاله تأثيره في التنمية والارتقاء على المستوى المجتمعي، إذ إنه يقود إلى عدد من النتائج السلبية على التنمية الاقتصادية بدءاً بهدر الموارد وتعطيل النمو الاقتصادي، وليس انتهاءً بالفشل في جذب الاستثمارات الخارجية وهروب رؤوس الأموال المحلية والاجنبية. عزيزي القارئ.. يجب أن ندرك حقيقة ما نعاني منه وهو أن الجهاز الإداري في مصر الحبيبة يحتاج إلى إعادة تأهيل كاملة في كل جوانبه الإدارية والمالية والسلوكية والأخلاقية، ان هذا المسؤول الذي سرب امتحانات الثانوية العامة وغيره ممن خذلوا المصريين بافعالهم الخبيثة لا يدركون من حيث المبدأ معنى المسئولية ولا يدركون من حيث السلوك المسئولية القانونية، وقبل هذا هم لا يعرفون شيئا اسمه الأخلاق والحرام والحلال.. إن الدين إذا لم يترجم إلى سلوك أخلاقي فهو يفقد أهم عناصر وجوده ومقوماته لأن الله سبحانه وتعالى أرسل الأنبياء والرسل بدوافع أخلاقية تفرق بين الحرام والحلال وحتى العبادات في الأديان هدفها التواصل مع الله خوفا ورحمة وإيماناً وان البشر إذا تخلوا عن الجوانب الأخلاقية والسلوكية في العقائد فإنهم يحولونها إلى مجموعة طقوس تتخفى فيها خطايا البشر. ان ما يحدث فى مصر الأن يشير إلى أن هناك حالة من موت الضمير لدى الكثير من المؤسسات الحكومية التى أصبحت تحرص على جمع الأموال حتى وإن كان ذلك يتطلب اللجوء لأساليب غير مشروعه الأمر الذى يؤدى إلى إنهيار تلك المؤسسات التى يعتمد مديريها على أسلوب الهيمنه والسيطره سواء كانوا على صواب أم على خطأ، إن التدرج الوظيفى أصبح يُمثل نكبه كبيره فى الكثير من المواقع الهامه بالدولة، فبدلاً من أن يصبح هذا التدرج عامل مُحفِّظ للتقدم أصبح عامل مُحبِط مُهدِر لكرامة الشخص الذى يريد أن يُقدِّم أفضل ما لديه من قدرات ويستنكر ما يرى من فساد.. على سبيل الايضاح: فعندما يحدث خطأٍ ما أو تجاوزمن قِّبل شخصية إدارية بعينها يلجأ المرؤوس للإدارة الأعلى منها مباشرة بحكم "التدرج الوظيفى" فيجد رد الفعل مجرد جبر خاطر وإن وُجِد، لكن أن يتم إتخاذ إجراء قانونى حاسم من قبل الإدارة العليا ضد الإدارة التى تليها أو تأتى بعدها مُباشرةً فى السُلَم الوظيفى فهذا لا ولم ولن يحدث أبداً!. فهل توقف بنا التفكير عند حدود التجربة والخطأ؟ وهل تجمد التفكير الإداري عند المدى القصير للنظر، واستقر بنا مستوى الفهم عند حدود العلم والخبرة؟ أم أن الآوان قد آن لنحلق مروحياً بفكر الطائرة دون أن يصر بعضهم على التحليق عالياً من موقع قائد الطائرة فقط، ولكن بفكر سائق القطار الذي يسير على قضبان.. أي برؤية من وراء حجاب نفسي، وعقلي، وذاتي. وعندئذ قد نقع جميعاً في وهم كبير وخطأ شائع هو أن المستقبل هو تكرار للحاضر أو إعادة للماضي، وعندئذ تتكرر مشكلات الماضي في الحاضر لأننا نعالجها بفكر الماضي وليس بفكر وقيم المستقبل. عزيزي القارئ.. الخطأ ليس عيب ولكن العيب بعينه هو مساندة المُخطأ والوقوف إلى جانبه وحمايته بشكل يجعله يرتكب من الأخطاء ما يشاء لأنه يعلم عُلم اليقين أنه لن يُعاقَب على ما يفعل أياً كان خطئه، وكذلك الإستهتاروالإستهانه فى مُتابعة الإدارات من قِّبَل القيادات والتراخى فى مُعاقبة كل من يَثبُبت عليه الفساد بالتزامن مع الإتقان فى عقاب ذوى الضمائر الحيّه هذا ما يجعلنا مُجتمع غير قابل للتقدم خطوة واحدة إلى الأمام مما يجعل مصر فى مهب الريح، طالما أننا نحمى الكبير ونُحافظ عليه من الوقوع تحت طائلة القانون ونبرر أخطائه وفى نفس الوقت نُحاسب الصِغار على أخطائهم بردود أفعال قد تكون أشد وأعظم من الخطأ الذى تم إرتكابه. وأخيراً.. فلنتذكر أن أولئك الذين يحلمون بالليل وعقولهم نائمة، يستيقظون في الصباح ليجدوا أن كل ما رأوه كان مجرد أضغاث احلام، أما من تنتابهم أحلام اليقظة أو آمالها خلال النهار فهم يمهدون لهبوط العظمة عليهم، ويستعدون لأن يجعلوا حلمهم ممكناً، فإن كان بامكانهم أن يحلموا فبإمكانهم أيضاً أن يجعلوا حلمهم واقعاً..بعدما اقلعوا عن إدمان التفسير وصاروا يعشقون الإبحار في المستحيل.. الدكتور / رمضان حسين الشيخ باحث وكاتب في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة الخبير الدولي في التطوير المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي مصمم منهج فرسان التميز لتغيير فكر قادة المؤسسات [email protected]