Haseeb Shehadeh فيما يلي ترجمة عربية لما حكاه الكاهن يوسف بن صدقة بن إسحق بن عمران النابلسي، شقيق الكاهن الأكبر رقم 135، المرحوم عبد المعين صدقة إسحق عمران (1927-2010)، في مجرى تطرقّه لموضوع ”التعامل الصائب مع المبدعين في صفوفنا“، كما نُشر في الدورية السامرية أ. ب.-أخبار السامرة، عدد 1207-1208، 1 آذار 2016، ص. 8-10. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني. بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام 1969 وما زالت تصدر بانتظام، توزّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري فقط، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة ترزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة الشقيقين بنياميم (الأمين، لقّبه جدّه أبو أمّه المعروف بسيدو ب: بنديط) ويفت (حسني، ولقّبه سيدو ب: أبو جلدة)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (22 شباط 192220 كانون الثاني 1990). راضي أبو الأمين بن صالح صدقة الصباحي، ولد في نابلس، تعلّم خمس- ستّ سنوات في مدرسة الخالدية الابتدائية في المدينة، أمّا العبرية فدرسها لدى دافيد ميلر وأبراهام روزين. عمل خيّاطًا، مارس باجتهاد لافت للنظر ومثير للتقدير الكتابة والنسخ بحماس كبير، ذو أياد بيضاء في مجال الدراسات السامرية. امتاز بذاكرة خارقة حقًّا، وقد التقيت به للمرّة الأولى في خلال المؤتمر العالمي الأوّل للدراسات السامرية في تل أبيب والقدس في ربيع العام 1988 (عن أبي الأمين أنظر مثلًا: أ.ب.- أخبار السامرة ، أعداد 503-505). ”في الذكرى الرابعة والتسعين لميلاد راضي صدقة، رحمه الله، بودّي أن أعرّج على حادثة جرت لي معه في سبعينات القرن المنصرم. سافرت إلى تل أبيب، إلى شارع سلامة، كي اقتني نسخة من كتاب ''أناشيد ليلة يوم الغفران‘‘، الذي نسخه هو بنفسه. سافرت إليه، ورأيت راضي صدقة جالسًا خلف ماكنة خياطة. تقدّمتُ إليه قائلًا: السلام عليك يا سيّدي الفاضل. دُهشت منه، إذ أنّني بجيل ولديه، ومع ذلك نهض واقفًا خلف الماكنة وقال: أهلًا يا سيّدي الكاهن. كبُر الرجل في عينيّ، وقلت له خجّلتني، من أنا؟ جئتك لأشتري نسخة من ''كتاب أناشيد ليلة يوم الغفران‘‘، الذي نسختَ. أجابني بتواضع كبير: أمْرَك! ودُهشتُ حين سألنى: ما رأيك في الحصول على نسخة مجّانًا؟ أجبته: على الرحب والسعة! ردّ قائلًا لي، أمنحك إيّاها إذا تمكنّت من تخطئتي في جزئية ما. أجبته على الفور: خجّلتني يا سيّدي، حاشا وكلّا! توجّه إليّ بقوله: باختصار، افتح الكتاب عشوائيًا، على أيّ صفحة كانت، واتلُ لي جملة واحدة فيها، وأنا بدوري أجيبك على الفور: من هو الناظم، وأُكمل لك ما بدأت به، كما وأذكر لك رقم الصفحة التي تضمّ هذا النشيد. فتحتُ الكتاب وبدأت في قراءة نشيد ''بنات يترو‘‘. عندها، وفورًا ضحك أبو الأمين، ذكر اسم النشيد واسم ناظمه ورقم الصفحة بدون أيّ خطأ. حاولت مرارًا وتكرارًا، نشيد إثر نشيد إثر نشيد، وجاءت الإجابة على كلّها، صائبة دقيقة. لذلك، من أنا ومن نحن لنجرؤ أصلًا، لفتح فينا على راضي وحكمته؟ إنّي، منذ ذلك اليوم، أنحني أمامه احترامًا وإجلالًا، عند كلّ مرّة يذكر اسمه. قدّرته كثيرًا، بالرغم من أنّه كان أحيانًا يعارض رأي والدي المرحوم، كما وقد سمعت أبي يمدح، على الدوام حكمة راضي وفطنته. يا راضي، نفتقدك! “ لا ريب في أن القارىء قد يسأل نفسه: هل اشترى الكاهن نسخته أم حصل عليها مجّانًا في آخر المطاف؟ ولکن هذا الأمر ليس جوهر الحکاية.