الدكتور رمضان حسين الشيخ في أوقاتٍ كثيرة؛ تأتي ملائكة السماء لتنتقي من أهل الأرض من أتمّوا مهماتهم في الحياة التي خُلقوا لأجلها، لذا سيظل الموت هو الحقيقة المُطلقة التي لا يصح النقاش ولا الجدال فيها؛ لكنه لم يكن أبدًا نهاية الرحلة، وإنما هو بدايات جديدة متعددة؛ بدايات لأرواح صعدت لخالقها في عالمهم، وأرواح أخرى لا تزال في أجسادها على الأرض؛ ليقدم لهم الموت العظة والدروس التي لربما غفلوا عنها، ولكي تبقى روحك بين أجساد الأرض؛ لابد أن تترك أثرًا طيبًا وراءك يظل لأجيال متعاقبة، وهذا ما فعله العالِم الجليل والفذ الدكتور أحمد زويل قبل رحيله عنّا. وداعا ًيا دكتور أحمد زويل كبير العلماء العرب، فالعلماء يعيشون بيننا بعد وفاتهم بعلمهم وأفكارهم، فالدكتور أحمد زويل بالنسبة لشريحة كبيرة من شباب الباحثين والعلماء يمثل مصدر طموح وفخر. إنه اسم يعني لي على المستوى الشخصي الأمل والنجاح، ويبقى رمزاً من رموز الأمة المصرية يحبه الشعب المصري والعربي، فقد أسعدنا ومنحنا الشعور بالفخر، وأتمنى أن يستيقظ ساسة مصر الحبيبة يوماً ليستفيدوا من ثروة مصر البشرية وعلمائها في الخارج، وأن يكون هناك البيئة المناسبة والعلمية للعلماء لتحقيق النجاح في مصر، فمصر غنية بالعلماء المخلصين، وستبقى كذلك. وداعاً يا دكتور زويل، الذي انطلق من أبحاثه فى مجال كيمياء الفيمتو ليبدأ فى ابتكار ميكروسكوب رباعى الأبعاد يعتمد على تصوير الخلايا بأشعة الليزر فى نطاق زمنى يقدر بالفيمتو ثانية، ما يمكّن العلماء من رؤية الجزيئات أثناء التفاعلات الكيميائية. مكّنت براءة الاختراع المتعلقة بالميكروسكوب رباعى الأبعاد، ليصبح بذلك أول عالم مصري وعربي يفوز بجائزة نوبل في الكيمياء، وليدخل العالم كله في زمن جديد، لم تكن البشرية تتوقع أن تدركه لتمكنه من مراقبة حركة الذرات داخل الجزيئات أثناء التفاعل الكيميائي عن طريق هذه التقنية. لم ينس يوما الدكتور أحمد زويل – رحمه الله - أنه مصري تربى وترعرع على أرض مصر وتعلم في مدارس وجامعات مصر المجانية، فكان دائما شغوف برد الجميل لبلاده بكل ما أُتيح له من سُبل.. ولكن أغلب الظن أن الباب كان شبه مغلق في وجهه طيلة سنوات وسنوات حتى ظهر زويل في آخر 5 سنوات على الساحة المصرية العلمية والسياسية، فوجدناه ضمن المجلس الاستشاري للرئيس يقدم خبراته وأفكاره ورؤيته في عصر التقدم الذي بدأ في مصر محاولاً أن يقدم أي شئ من أجل المصريين ومن أجل مصر وأسس جامعة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمدينة 6 أكتوبر لتكون منارة للعلم ومصنعاً لتخريج علماء على أعلى مستوى علمي وتقني. لقد كان زويل - رحمه الله - سفيراً من سفراء مصر بالخارج يمثلها خير تمثيل ويرفع راية بلاده، فقد تم اختياره ضمن مجلس مستشاري الرئيس الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا، والذي يضم 20 عالماً مرموقاً في عدد من المجالات، وحصل على عدة جوائز عالمية، ولن ينسى المصريون كلمته الشهيرة التي باتت محفورة في الأذهان، والتي لخصت الواقع المرير لكل العرب قائلا (إن الغرب ليسوا عباقرة ونحن أغبياء.. هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل).. ولعل الدولة تنتبه لهذه المقولة الخطيرة لهذا العالم الجليل وتهتم بالتعليم وتدعم الشباب لينجحوا ويقودوا البلاد إلى مستقبل أفضل ونخلق جيلاً جديداً من العلماء المصريين الذي يعملون من أجل رفعة ونهضة بلادهم. وداعاً يا دكتور زويل، اتذكر دوما مقولتك الشهيرة في كتاب عصر العلم والتي وصفت بها مستقبل مصر من خلال رؤية حاضرها المؤلم "وأنت في طريقك لمطار اليابان سوف تجد لوحة إعلانية مدون عليها عبارة "فكر لتبدع"، أما وأنت في طريقك لمطار القاهرة سوف تجد لوحة إعلانية كتب عليها: "تايجر أكبر وسيطر" وفي الناحية الثانية لوحة إعلانية أخرى تقول: "استرجل وأشرب بريل". اللهم يارب العالمين ارحم عبدك الفقير إليك أحمد زويل رحمة واسعة وأدخله فسيح جناتك واجعل قبره روضة من رياض الجنة وشفِع فيه العلم الذي أضافه إلى البشرية بإذنك يالله. الدكتور / رمضان حسين الشيخ باحث وكاتب في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة الخبير الدولي في التطوير المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي مصمم منهج فرسان التميز لتغيير فكر قادة المؤسسات [email protected]