بعد أن حطت الطائرة التي تحمل الجسد الطاهر في ساحات المقاطعة حيث بكى كل شيء, وكنت على يقين بأننا مقدمين على سبع من السنوات العجاف التي سيكون واقعها علينا شديد المرارة, كنت أشارك في العزاء الكبير وأنا استمع لكل الأحاديث والأصوات التي أشعرتني باليتم وهزت من عزيمتي وهنا بدأت استعرض الشريط الذي يكتسيه السواد وأنا ابكي على سنواتنا القادمة تلك السنوات التي لم يتنبأ بها احد حيث لا يوجد يوسف الصديق بيننا ليقول لنا أن نستعد لمواجهتها أو ندخر لها من سنواتنا السابقة رغم معرفتي بان سنوات الاحتلال لم يفارقها السواد ولكن كنا لا نشعر باليتم بوجود القائد بيننا ولكن بعد أن غاب القائد جسدا وجدنا أنفسنا أننا جميعا نصلح لنكون قادة من اصغر شبل كان قد ألقى حجرا على دورية للاحتلال إلى اكبر قائد كان لا يفارق الشهيد على مدى سنوات المسيرة الطويلة وكان شريكه في صنع القرار, ومن هنا بدأت ألازمة ومن هنا شعر من وضع السم في أحشاء القائد انه انتصر وتيقن انه وضع السم في أحشاء هذا الشعب بشكل كامل. من قال إننا يجب أن نساوي بين من أفنى عمره في العمل النضالي والسياسي في سبيل القضية وبين من التحق مجبرا في هذه المسيرة بعد عشرات السنين, ومن قال انه يجب المساواة بين حركة نضالية بدأت العمل في أوائل الستينيات واستطاعت أن تحافظ على القضية الفلسطينية وان تضعها على سلم الاولويات وبين حركة التحقت بالنضال في أواخر الثمانينات وكانت تعمل بشكل منفرد وكانت تأبى أن تركب في القطار الذي يحمل الجميع. لقد كانت هذه النتيجة هي الاسوا في تاريخ الشعب الفلسطيني حيث خلفت الجدار والحصار والانقسام والانقلاب وتقسيم الوطن والخسائر البشرية التي لا تطاق ودربت خدودنا على اللطم الدائم حتى أصبحنا لا نحس بخسائرنا رغم فداحتها وركب كل فصيل عدادا ليحصي شهدائه وجرحاه وأسراه لتكون له الغذاء الذي سيكبر من خلاله وأصبحنا نتباها باذدياء خسائرنا وهو الأمر الذي يتنافى مع كل التجارب التاريخية وحولنا هزائمنا لانتصارات ونسي البعض أن باستطاعة الرسول الأعظم أن يقول أننا انتصرنا في غزوة احد وهو بذلك كان يعلمنا أننا لا يجب أن نزيف الحقائق ونحول هزائمنا لانتصارات وقد كان في ذلك الوقت المعيار الأول للهزيمة أو النصر هو الخسائر البشرية. اليوم هل لنا أن ننصف الشهيد القائد ونثق بموروثه القيادي المتمثل بالسيد الرئيس محمود عباس الذي أعلن انه عرفاني بامتياز وحافظ على الحقوق والثوابت التي قضى في سبيلها الشهيد أبو عمار, إلا يجب أن نتعلم من سنواتنا العجاف ولا نستمر بالمكابرة ككهنة المعبد في زمن سيدنا يوسف الصديق, إلا يجب أن نعود لمقولة الإنسان أغلى ما نملك ونتوقف مرة وللأبد عن المتاجرة بإعداد الشهداء والجرحى من اجل مصالح حزبية ضيقة بدل أن نتباها بقلة الخسائر وكثرة الإنجازات حيث قال الشاعر بوصفه قائد إسلامي ببيت شعر يقول جواد على العلات بالمال كله ولكنه بالدارعين بخيل وهو يقصد بالدارعين الجند, آما آن لنا نتوقف ونفكر في مصيرنا وقضيتنا وان نحمل التركة الثقيلة التي خلفها القائد بشكل جماعي ومدروس بعيد عن الحزبية والشعارات الواهية والفارغة والتي أوصلت شعبنا للحضيض. وخيرا رحمك الله سيدي القائد رحلت عنا جسدا وبقيت فينا فكرا وعملا وجعلت من جسدك الطاهر وقودا لتنير طريقنا, علمتنا أننا يجب أن نكرم الشهداء ولا نتباها بإعدادهم علمتنا أن نداوي جراحاتنا بدل أن نجعلهم في أجندة دعاياتنا الحزبية, علمتنا أن نهتم بأسرانا بدل أن يكونوا وقودا لاستعادة شعبيتنا المتهاوية ويا رضا الله ورضا الوالدين.