الدكتور ممدوح المعلم جراح قلب مشهور نائب رئيس مجلس إدارة مستشفى الحياة الاستثماري،عضلاته توحي بقوته على الرغم من قصر قامته بين العاملين إلا أن عينية السوداوين المستدرتين يظهران في وجهه القمحي يتجولان في المستشفى لمراقبة طاقم التمريض يجعل الجميع في حالة التأهب والانتباه ،لا أحد يستطيع دخول مكتبه إلا بميعاد سابق ، مستبعدا من ذلك طاقم تمريض قسم العمليات ،لا يتدخل في الكلمات الجانبية التي تخلقها الممرضات ويتحاكى بها الأطباء ، خاصة وأن زوجته الدكتورة وفاء رئيس مجلس إدارة المستشفى ، ورثتها عن والدها جراح القلب المشهور الذى يشبه زوجها في طبعه وهى تتشابه معه في كثير من الطباع ، وأهمها الجدية والنشاط وبعض الأحيان تفوقه في الالتزام بعملها ، وعلى العكس من نفور الدكتور من بعض طباعها التى تصل إلى مرحلة الخطوط الحمراء تبدوا فاصلة دائما بين الأزواج تقف في منتصف ممر المستشفى وتبادر بالنداء : _ممدوح يرد الدكتور في انتباه ويسرع في الخطوات مثلما يسرع القط لالتهام فريسته ، وهل يعقل ذلك أم العكس صحيح ؟! مما جعل العاملين وبصفة خاصة طاقم التمريض يتهامسون ويتغامزون بالإشارة والألفاظ التى توضح مدى حدود شخصية الدكتور أمام الدكتورة وفى تلك الساعة من النهار ميعاد أول عملية يجريها الدكتور دخل غرفة العمليات واستغرقت العملية ست ساعات متواصلة ،وبعدها خرج الدكتور في غاية الإجهاد توجه إلى غرفة مكتبة لاستراحة ، جلس على المقعد وتناول قرص مسكن واسترخى إلى الوراء دخلت وراءه رئيسة الممرضات الأستاذة نهلة تبلغ من العمر خمسة وثلاثون عاماً ‘لم تتزوج بعد بيضاء ملفوفة القوام و رقيقة وحديثها جذاب ، يجذب الدكتور دائماً ويشعر بالارتياح وتخفف عنه أعباء الحياة والعمل بقليل من الكلمات ، وأحيانا يخلق الحديث بينهما نوعا من الانسجام يصل إلى حد يجعلهم طفلان ، مما جعل نهلة تشعر أنه فارس أحلامها الذي تبحث عنه ، ويذكرها بوالدها، و تشعر أنه مصدر الأمان والحنان ، ويملأ لديها كثير من معاني العواطف والإحساس الذي فقدته منذ الطفولة ، وتأكدت نهلة أن الدكتور يشبع نواقص العاطفة لديها ، ويكون أحيانا فارس أحلامها ، على الرغم من أن الشيخوخة بدأت تلوح على صفحات وجهه وتعطى أنظار لكنه يمتلك أهم أنواع الجمال وهو جمال الجوهر ؟! وبدأت الإشاعات تتداول بين العاملين في المستشفى حول هذه العلاقة ويتهامسون ويتغامزون ، خاصة أن نهلة المصرح لها دخول غرفة الاستراحة دون غيرها ، مما دفع الدكتور أن يقرر تغير مسار هذه العلاقة البريئة خارج المستشفى ، تقابلا عدة مرات لا يتعدى المكان كافيه أو نزهة في حديقة أو الأهرامات ، الدكتور رجع به الزمن إلى سن العشرين على الرغم من أنه في الستين ونهلة تراه في عمر الأربعين سن الرجولة الكاملة المليئة بالعاطفة والحنان . والدكتورة وفاء غائبة تعيش في الطموحات وتحقق المكاسب وأعلى الإرادات، وكالمعتاد توجهت الدكتورة في بلهجتها المعروفة كالقرارات تنادى على الدكتور وعلى غير عادة بادر بالاعتذار. اندهشت الدكتورة وبدأت الشكوك تدب في أوصالها للحظات ، الدكتور يمكث في المنزل معزول في غرفة مكتبه وفى المستشفى يتهرب منها ،هل هو معذور؟ أصبح طبع الدكتورة في المستشفى لا يختلف عنه في المنزل ، والدكتور يشعر برجولته تتأرجح في طريق المجهول لم تشعر أنها مخطئه في تصرفاتها على الرغم من وصول بعض التلميحات المباشرة من بعض الزملاء حول العلاقة الكامنة بين الدكتور والممرضة ولم تبدى اهتماماً ،والأولاد يشعرون بوالدهم أصبح في حال أحسن هادئ الطبع ولا ينفر من الحديث معهم فرحت ابنته بهذا التغيير، فهل التغيير يسعدها دوما؟! تغيبت نهلة عن العمل ثلاثة أيام انزعج الدكتور جدا وأصبح لا يستطيع البعد عنها ووجد أن الحل الوحيد هو زيارتها في منزلها ، حدد ميعاد وذهب إليها استقبلته هي ووالدتها في الردهة وبعد لحظة ، توجهت نهلة نحوهم واضح على ملامح وجهها أصابتها بوعكة صحية ، أطمأن على صحتها وفاجاءها بمفاجأة غير متوقعة فاتح والدتها في الزواج وأوضح أن نهلة هي كل أمنياته اندهشت نهلة بادرت مسرعة بالرفض القاطع موضحة الأسباب على الفور فهى لا تريد أن تكون سببا في تفريق أسرة عن بعضها البعض ، شرح الدكتور في عدة كلمات أنها سوف تكون سببا في استكمال حياة أسرة معرضة الانهيار بدأت تفكر وشرطها أن يعرف أولاده وزوجته بهذا الزواج *وافق الدكتور ممدوح وأوضح أنه لا يريد أن يفعل شيء في الخفاء ابتسمت نهلة ابتسامة مشرقة دون أن تلفظ بكلمة فهم الدكتور أنها علامات الموافقة اعتذر بالانصراف وهو في غاية السعادة وذهب إلى المنزل وعزم أن يفاتح ابنه رؤوف وابنته منى في الأمر وقرر البدء بمنى عرض عليها الأمر في هدوء مبررا سبب تفكير ه في الزواج ، أصيبت منى بصدمة فور سماعها هذه الكلمات ، وتملكها الوجد من تصرفات والدتها التي جعلت والدها يفكر في هذا الأمر. استشعر الدكتور بالعجز واليأس ودخل غرفته دون أن يلفظ بكلمة وتوجهت منى إلى والدتها محاولة لفت نظرها ليما يحدث من حولها منوه ضرورة تغيير معاملتها لوالدها موضحة ببعض الكلمات التي تظهر مقصد كلماتها ، للأسف الدكتورة لم تعطى اهتمام ، وأيقنت أن الحل الوحيد لإيقاف هذا الزواج الذهاب للعروس ، وبالفعل ذهبت إلى نهلة استقبلتها بحفاوة وبادرت بالترحاب وهى تعتقد أن منى جاءت لتبارك الزواج . منى مرتبكة لا تعرف من أين تبدأ الحديث ، مهدت نهلة للحديث دون تعمدا وبادرتها : أنا سعيدة أوى أنك وفقتى على الجواز وجاية تبركى كمان ده كتير أوى أنا مش مصدقة نظرت منى إلى الأرض يلوح في وجهها الكثير من الوجد وبادرت في صوت خافت : في الحقيقة يا نهلة كان نفسي أبارك على حاجة أن عرفة كويس أنها هتسعد بابا ، ولكن أنت عرفة جوازك من باب سوف يهدم أسرة ماما لو علمت بهذا الزواج سوف تطلب الطلاق وأنت عرفه ماما شخصية قوية ، ودكتورة مشهورة وليها أسمها وهى ترى نجاحها ليس لذاتها فقط ولكن لنا جميعا وبصفة خاصة بابا ، وأنت عرفة أحنا في مجتمع يهتم بالشكليات والتكافؤ الاجتماعي ، وكون إن بابا زوجته دكتورة وناجحة هذا يرفع من شأنه أمام الآخرين أكثر، ولذلك ماما لا تدرك وجهت النظر في المعاملة الإنسانية ومقصرة مع بابا وأنا يحاول ألفت نظرها بادرت نهلة في وجد: غريبة الدكتور فهمني غير ذلك نهلة : لا فرحت إيه لا يمكن أن أبنى حياتي وسعادتي على حساب إتعاس حياة الآخرين أنا سوف أنهى هذا الزواج و أخرج من حياة والدك بشت الطرق منى : _أنا أسفه مرة ثانية أنت إنسانة رقيقة وتعاملي الآخرين معاملة إنسانية أنا أعجز عن أن أقدم إليك الشكر الذي تستحقينه نهلة : _الشكر الذي تقدميه لي أن تحاولي الإصلاح بين والدك والدتك تصافحا وانصرفت منى وهى مطمئنة ، والدكتور كيف تصل حالة الاطمئنان عنده ؟ خاصة وأن نهلة اتخذت قراراً واستقالت من المستشفى مما أثر على حالة الدكتور النفسية وترك المنزل والمستشفى وسافر إلى الإسكندرية مكث في منزل العائلة القديم وأصبح معتكفا ولا يريد يرى أحداً غير منى ابنته التي استطاعت أن تقابله بعد عدة أيام من هذا الاعتكاف وجدت والدها في أسوء الأحوال وذقنه ممتدة سوف تصبح أمتار بكت منى على حال أبيها . رتب والدها على ظهرها وضمها في حضنه بادرت منى قائلة: سامحني يا باب أنا غلطانة غلطانة . بادرها الدكتور : المهم أنكم تشعرون بالسعادة رفعت منى رأسها عن صدر أبيها وما زالت الدموع تنفطر من عينيها وبادرته هامسة : وهل هذا عدل؟