في البدء كانت عزة وبعدها تغيرت ملامح الأشياء عزة هي صديقتي التي تعرفني كما لا أعرف نفسي...هي هديتي من الله التي جاءتني على غير تخطيط أو ترتيب مني. لكنها ما إن دخلت حياتي حتى غيرت ملامح أشياء كثيرة أولها أنا. نعم غيرتني عزة في وقت كنت قد وصلت فيه لقناعة أني قد تم تكويني وتشكلت ملامح شخصيتي وميولي غير أن صديقتي أثبتت العكس تماما وغيرتني وصنعت بعضا مني بحبها وبساطتها وشدة صدقها. لا أدرى متى توثقت علاقتي بصديقة عمري ولكني مع الوقت صرت أتأنق لها وأتزين للقائها الذي أتحين موعده على نار وجمر وبفرحة وشوق فكنا حين نلتقي نتجاذب أطراف الحديث بسرعة ولهفة وكأننا نسرق من الزمن لحظات فرحة وجنون. علمتني عزة أن أبتهج لما معي ولو كان بسيطا وألا أندب حظي وألعن ظروفي مهما كانت قاسية إلى حد المرارة. كان يكفيني ان أبوح لها بما يتعبني ويعكر صفوي وما ألبث بعدها أن أعود لصفوي وعاداتي. علمتني صديقتي الرضا والبحث عن البهجة والسعادة في كل شيء وكل اتجاه. فكان يسعدنا أن نسير معا في شوارع القاهرة الصاخبة ونتحدث بإنصات وتركيز رغم الزخم وتداخل الأصوات والأتربة والروائح وأشكال البشر. مع صديقتي أنا لا أخجل من نفسي من اعتقاداتي وأفكاري علمتني بصدق أن أعبر عن نفسي وأحتضنها وأفكر بجموح وجنون وصدق دون خجل أو مواربة... معها ارتدت دور السينما وقاعات البحث وأروقة المؤتمرات والندوات ومعها قرأت الكتب والروايات وتبادلناها. في كل الأحداث والظروف والمناسبات أجدها معي في الصورة بل في المقدمة وإن لم تكن حاضرة فعلى الدوام أنا أحملها بداخلي وهي تحملني بقلبها أينما ذهبت ومع من كانت لا تفارق إحدانا الأخرى ودوما نحن في حالة تساؤل: ترى ماذا كانت لتفعل صديقتي لو كانت هنا وماذا يمون رأيها لو كانت حاضرة؟؟ حين أحدثك عن صديقتي أحدثك عمن علمتني ان أصنع بهجتي وأمتلك مفاتيح فرحتي وحياتي فهي من علمتني ان أصنع ملابسي وأرتقي بذوقي وأنتقي أشيائي وأتخير عطري وأرتشف قهوتي وأتجول في أعرق الأماكن وأحدثها واتسوق معها من هذه وتلك على السواء. هي من علمتني أن أنقب عن احتياجاتي حتى أجدها، وأن أدافع عن حلمي حتى يتحقق وعن وجهة نظري وأفكاري لأنها جزءا مني وانا مسؤولة عنها. حين أحدثك عن صديقتي أحدثك عن شخص لا يفرض وصاية على من يحب، لا يتصيد له خطأ ولا يمسك له بعصا محاسبا إياه على ما بدر منه سهوا او عن قصد. صديقتي تلتمس لي العذر إذا ما غبت او تأخرت عنها وإن كانت في أشد حالاتها احتياجا لي ورغبة في سماع صوتي هي دائما تعذرني تتبناني وتحتضنني حتى في غيابي فترد عني غيبتي وتدافع عن موقفي ليس فقط لأنها تحبني ولكن لأنها تعرفني أكثر مما اعرف نفسي. أنا لا أحدثك عن صديقتي وولهي بها وعشقها لي ولكني احدثك عن الحب كيف يغير طباع البشر كيف يرتقي بهم ويسمو بعيدا عن ظلال الفشل والكراهية والأنانية والسلبية والتواكل. وحده الحب هو الذي يغير ملامح الأشياء ومذاقها وليس شرطا ان ينحصر الحب في شخص حبيب وشريك حياة...ليس الحب حكرا على أحد بعينه بل عن أروع أنواع الحب وأجملها هو حب تجده في قلب صديق يحملك معه أينما كان وحيثما ذهب وإن تباعدت بينكما المسافات ووقفت بينكما آلاف الأميال. حين أحدثك عن الحب أحدثك عن عزة.