مستشار/ أحمد عبده ماهر وردت بالقرءان أربع كلمات تبدو متشابهات وهن [الموتى والأموات والميْت والميّت]..لذا وجب التفرقة بينهن في المعني حين ورود إحداهن. قد يتصور أحدنا بأن كلمة الميْت (بسكون حرف الياء)، تعني ذات أمر لفظة الميّت (بتشديد حرف الياء)، لكن حقيقة الأمر على خلاف ما يظن أهل عدم التعمق والتدبر، وعبر سياحة بكتاب الله سنتدبر ونقف على حقيقة المعنى المراد. فعن كلمة [ميت] بسكون حرف الياء يقول تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } الأنعام122. ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } الحجرات12. لكن تجد الأمر مختلفا حين ترد كلمة ميّت بتشديد حرف الياء فإنها تكون بمعنى الموت، حيث يقول تعالى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } آل عمران27. ويقول تعالى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } إبراهيم17. ويقول سبحانه وتعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ } المؤمنون15. فمن البيان السابق تجد أن الميت بتشديد حرف الياء تعني انتهاء الحياة فعلا، لكن الميت بسكون الياء يعني موت القلوب. ولقد ذكر الله كلمة الميت بتشديد حرف الياء أيضا للدلالة على موتى الطيور والحيوانات، وما ذلك إلا لأنه لا نفس لها، إنما هي أرواح فقط بلا إرادة، فيقول تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ..... } المائدة3. وهكذا يتم إطلاق كلمة ميْت على موتى الطيور والأنعام، ولأن الكافر قد طمسته نفسه الشيطانية عن رؤية الحق فهو ميْت، وإن كان به نفس كان لابد لها أن تعي وتحيا حياةً حقيقية، لذلك لا تعجب أن شبه الله الكافرين بالأنعام بل أضل، حيث يقول تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } الأعراف179. أما الفرق بين كلمتي الموتى والأموات ...فإن كلمة الموتى إنما تعبر عن كل من فارق الدنيا سواء أكان مؤمنا أم كافرا،.... لكن كلمة أموات وردت لتعبر عن موت القلوب أو موت القوالب على الكفر. ، وسوف ندلل على ذلك بإيراد بعض الأمثلة فيما يلي: 1. {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } البقرة154. 2. {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } آل عمران169. 3. {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } النحل21. 4. {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ } فاطر22. 5. { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً{25} أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً{26} المرسلات. فالشهداء لهم حياة القلوب وليس لهم حياة الأبدان والقوالب، وهم موتى على الإيمان، لذلك فلا يطلق عليهم لفظ أموات، وإن كانوا موتى، وتلاحظ بآية سورة فاطر تلك المقارنة التي عقدها الله بين الأحياء والأموات، فإنهم لم يكونوا من أموات الأبدان والقوالب، لكنهم موتى قلوب لكفرهم، لذلك تمت المقارنة بين الأحياء والأموات، وسمى الله كفر قلوبهم بأنها قلوب مقبورة في داخل قبور كفرها. أما الموتى فهم من غادروا الدنيا، سواء أغادروها على الإيمان أو الكفر. ------------- مستشار/أحمد عبده ماهر محام بالنقض ومحكم دولي وباحث إسلامي