أنت تفكر إذن أنت متهم، من سرق مالك فقد ظلمك، ولكن من سرق عقلك فقد قتلك، وإذا أصيب القوم في أفكارهم وعقولهم فأقم عليهم مأتما وعويلا، حينما تختلف مع آخر في الفكر أو في السياسة أو في الدين أو في العلم فيتهمك بالكفر والخروج من العقيدة فالطم فأنت في القرون الوسطى ..المال قد يعوض والمصائب قد تهون، لكن سرقة العقول وتجريف العقول هي المصيبة والكارثة الكبرى،إن الأمم تقاس حضارتها بما تركت من علم وما تركت من فكر ينفعها وينفع البشرية، والتخلف الحضاري نتيجة تخلف فكرى على طول التاريخ تعرض المفكرين للاضطهاد والتعذيب والتشريد والقتل، والسبب في ذلك هو الجهل فأخطر ما يصيب أمة هو الجهل، وأي أمة تقدمها مرهون بعقول أبنائها فإذا كانت أفكارهم وعقولهم سليمة، فهنيئًا لهذه الأمة الأمم التي تريد نهضة بلادها أول ما تهتم تهتم ببناء العقول والأفكار، لأن أعظم ثروة لأمة أن تكون أفكار شعوبها وعقولها سليمة من العلل والمرض فكما يمرض الجسد يمرض العقل ومرض العقل هو الأخطر أو لا يقل خطورة عن مرض الجسد، وهى معركة ليست سهلة أو مضمونة، ولكن لأن تنقل جبلا من مكانه أهون من نقل فكر موروث، إنها مسألة تحتاج سنين طويلة، اليابان حينما أرادت أن تبنى نفسها وضعت لنفسها هدف وغاية ولسان حالها يقول الحل هو العلم ثم العلم ثم العلم، فبناء العقول السليمة والأفكار الناضجة هو الذي يجعلك تعيش فى أمن واستقرار ورفاهية، لأنه سوف يجلب لك المال أيضًا دكتور مهاتير محمد صاحب نهضة ماليزيا له تجربة عظيمة في بناء الفكر والعقل، قال حينما أردنا أن نصلى توجهت قبلتنا إلى مكة، وحينما أردنا أن نبنى الدولية توجهت قبلتنا إلى اليابان، حينما يصاب الهارديسك في الكمبيوتر بفيروس فإنه يعطل قدرات الجهاز، ويكون الجهاز بطيئًا كسولا، هنا لابد من التدخل للعلاج حتى لا يصاب الجهاز بالشلل التام فان استطعت أن تزيل الفيروس عاد الجهاز إلى طبيعته وإلى كفاءته، وأحيانًا تضطر للأسوأ وتفرمت الهارد وتنزل نسخة جديدة خالية من الفيروسات هذا المثال نسقطه على الإنسان، فالعقل في الإنسان يصاب بفيروسات الجهل والخرافة والتخلف، ويصبح الإنسان أسير أفكار بائدة وأحيانًا يعطى عقله إجازة مفتوحة أو يسلمه لغيره يفكر له، وهو ينفذ هذا الإنسان في هذه الحالة خطرًا على نفسه وعلى المجتمع بأكمله، ويحتاج للعلاج والتدخل السريع هنا دور المفكرين وأصحاب الرأي والعلم والثقافة والفكر، إنهم أطباء العقول والأفكار الذين لا يقلون شيئًا عن أطباء الجسد بل هم أسباب نهضة الشعوب والحضارات ولنا في التاريخ دروس وعبر في زمن الاستبداد الديني وسيطرة الكهنوت ورجال الدين على مقاليد الأمور، فإن المفكرين وأصحاب الرأي والثقافة هم أعداؤهم، لأنهم يسحبون البساط من تحت أقدامهم ويعرضون السبوبة للتوقف، وهنا تكون المعركة بين العلم والجهل والأمة يتوقف مصيرها ويتوقف الزمن عند هذه المرحلة، فإذا انتصر العلم على الجهل فإن الأمة تكون همتها قوية وعزيزة الجانب ولا يستطيع اختراقها أي شيء، وإذا انتصر الجهل على العلم فإن البيئة تكون خصبة للعنف والجريمة والفقر وكل الموبقات تفرخ وتبيض وتفقس وتنمو مهددة بضياع الأمة، هذه أوروبا انكوت بنار تجريف العقول وسرقتها 5 قرون تتخبط في الجهل والفقر والعنف والجريمة معركة طويلة بين التنويريين والظلاميين انتهت بعد 5 قرون بانتصار العلم والفكر على الجهل والغباء، ومثال لما كان يحدث في أوروبا ( جيرانو بورونو ) مفكر وعالم فلك توصل إلى دوران الأرض حول نفسها، وخالف رأى رجال الكنيسة فكان مصيره هو الإعدام حرقًا في ميدان الزهور وسط روما وسط صيحات المخدرين، وهم يرددون الموت للكفار الموت للكفار وفلت من الإعدام جاليليو مخترع المنظار، لأنه خالف آراء الكنيسة وأجبروه على الاعتراف بأنه كبر وخرف للأسف الشديد انتقلت فيروسات التخلف والجهل إلى بلادنا، وأصبحنا نعانى أكثر منهم استوطنت بلادنا وفرخت وفقست فيه ومصير المفكرين وأصحاب الرأي والفكر هو الاضطهاد والتشويه، وأحيانًا القتل وبدلا من أن نساعدهم ونأخذ بأيديهم يثورون عليهم وياليتهم يثورون معهم، ولكن عليهم وأختتم مقالتي بقصة رمزية وهى إن صديق قال لصديقه زوجتك بتخونك فذهب ليتحرى، فوجد أن الخبر صحيح فبدلا من أن يبحث في مصيبته ومشكلته ذهب وقتل صديقه الذي أخبره، فقال له تقتلني لأني بصرتك بالحقيقة قال له نعم لأني كنت مرتاحًا وسعيدًا هو بجهله مرتاح ولما علم كانت الكارثة أن الحل يكمن في العلم ثم العلم ثم العلم، ومحاربة فيروسات العقل والتصميم في الانتصار على الظلاميين لكي تستنير حياتنا، فاللهم انصرنا على الغباء . بقلم / نشأت عبد السميع زارع إمام وخطيب بوزارة الأوقاف بمصر وحاصل على دورة في الفكر والوسطى ودورة في فقه الأسرة من رابطي خريجي الأزهر