الاحتلال يدعو سكان شمالي قطاع غزة إلى إخلائها فورًا    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب سواحل جزر الكوريل الجنوبية في المحيط الهادئ    إمام عاشور يوجه رسالة ل حسام حسن    "قبل ريفيرو".. ماذا قدم المدربين الإسبان مع النادي الأهلي؟    ياسر إبراهيم يسخر من احتفالات بيراميدز بالدوري    إنييستا: إنريكي موهوب.. وإنتر يمتلك لاعبين كبار    «قرار الأهلي».. رد مفاجئ من سيد عبدالحفيظ على مزاعم بيع زيزو    هيشتغل إلى 2.30 صباحا، تعديل تشغيل قطار العاصمة الكهربائي اليوم بسبب حفل ضخم بالنهر الأخضر    نتيجة الصف الثاني الابتدائي 2025 الترم الثاني بالاسم في جميع المحافظات .. الروابط الرسمية للاستعلام الآن    كان نايم.. مصرع شاب دهسًا بسيارة والده في العاشر من رمضان    مدحت العدل يصدر بيانا شديد اللهجة بشأن شكوى جمعية المؤلفين.. ما علاقة حسين الجسمي؟    فرنسا تحظر التدخين في الأماكن المفتوحة المخصصة للأطفال بدءًا من يوليو    البرلمان يوافق نهائيًا على تعديلات قوانين الانتخابات    مصرع تلميذ صعقاً بالكهرباء أثناء تشغيله التليفزيون بمنزله في سوهاج    ترامب: يجب تمكين الرئيس من حماية الاقتصاد الأمريكي    «بنتلي» تشوق لنسخة جديدة من بنتايجا عالية الأداء مع وضع الانجراف    3 تحفظات لحماس على مقترح ويتكوف، ما هي؟    عيار 21 يسجل رقمًا جديدًا.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة بعد الانخفاض    بعد إمام عاشور.. (3) لاعبين ينتظرون عفو حسام حسن    سعر السمك اليوم والجمبري بالأسواق الجمعة 30 مايو 2025    ديوان عام محافظة الجيزة يعلن توفر عدد من الوظائف    رئيس "حماية المستهلك": 550 موظفا بالجهاز لخدمة 110 ملايين مواطن    ترامب: يسعدني ترشيح بول إنجراسيا لرئاسة مكتب المستشار الخاص في الولايات المتحدة    إمام عاشور: زيزو هنأني بعد الفوز بالدوري.. وهذه رسالتي لميسي قبل كأس العالم للأندية    أسامة كمال: 600 يوم من الإجرام الإسرائيلي وغزة لا تزال تتنفس وتكتب التاريخ بالدم    روسيا تتهم حليفتها صربيا بالخيانة لتوريدها الأسلحة إلى أوكرانيا    في 13 نقطة مفصلة، النص الكامل لمقترح ويتكوف بشأن وقف حرب غزة    بالأسماء، وزير البترول يصدر حركة تكليفات وتنقلات لبعض رؤساء شركات القطاع    مصرع شاب في انقلاب سيارة على طريق أسيوط – الوادي الجديد    «الأرصاد» تكشف عن طقس اليوم الجمعة.. والعظمى في القاهرة 32    موعد أذان الفجر اليوم الجمعة ثالث أيام ذي الحجة 1446 هجريًا    20 صورة ومعلومة عن الفنانة هايدي رفعت بعد خطوبتها    العرض الموسيقي «صوت وصورة» يعيد روح أم كلثوم على مسرح قصر النيل    هل يجوز الجمع بين نية صيام العشر من ذي الحجة وأيام قضاء رمضان؟    "الإفتاء توضح" بعد الجدل الدائر.. حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد؟    حزب "الجبهة الوطنية" يطلق مؤتمرًا موسعًا لريادة الأعمال في بورسعيد    ننشر استعدادات محافظ الإسماعيلية لاستقبال عيد الأضحى    "مصر الخير" تطلق جائزة ريادة العطاء 2025 لمحور المياه النظيفة    4 أبراج «بيحبوا السيطرة».. قياديون يتمتعون بالكاريزما لكن ثقتهم الزائدة قد تتحول لغرور    ليلى علوي تحتفل بنجاح نجلها خالد في مشروع التخرج.. ماذا قالت؟    والدة إبراهيم شيكا: "عايزة كل قرش في ورث ابني ومراته بصمته في المستشفى"    ضبط 3431 أسطوانة غاز و1000 لتر سولار قبل بيعها في السوق السوداء بالبحيرة    مصرع شخص وإصابة آخرين فى حادث تصادم بالحوامدية    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الجمعة 30 مايو 2025    الإمساك.. الأسباب الشائعة وطرق العلاج بوصفات طبيعية    تجاهل تنظيف منطقة في الأذن قد يعرض حياتك للخطر.. تحذير خاص لأصحاب «النظّارات»    وكيل أوقاف الفيوم يشهد فعاليات كتاب مسجد على مفتاح.. صور    متحدث الأوقاف: صكوك الأضاحى بدأ فى 2015 ووصلنا إلى 10 ملايين أسرة    عضو مجلس الأهلي: كنت أثق في اللاعبين للتتويج بالدوري    وزير الأشغال العامة الفلسطينى: نشكر مصر على دعمها للقضية الفلسطينية    «الإسعاف»| 123 سنة إنقاذ.. 3200 سيارة حديثة و186 مقعدا لاستقبال البلاغات يوميًا    المنوفية تُطلق جيلًا رقميًا جديدًا في وحدات الرعاية.. وتُنهي 96 دورة تدريبية    "مستقبل وطن" يستقبل وفدًا من السفارة الأمريكية بالقاهرة لتبادل الرؤى حول العلاقات الثنائية والقضايا الدولية    خالد الجندي: لا يصح انتهاء الحياة الزوجية بالفضائح والانهيار    رئيس جامعة بنها يتفقد الامتحانات بكلية الهندسة بشبرا    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كمال غبريال داعش والنقطة صفر
نشر في شباب مصر يوم 25 - 03 - 2015

داعش هي الصديد الذي تفرزه ما نتعاطاه منذ الطفولة من ميكروبات فكرية وسلوكية. تبدو شعوب الشرق الأوسط وكأنها تحقق الآن انتصارات هي الأعظم، على النظم المستبدة شبه الحداثية، وعلى العالم الغربي وأمريكا، وعلى الحضارة المعاصرة، وعلى سائر المفاهيم الإنسانية المتعارف عليها منذ بدء التاريخ البشري. فالدولة الإسلامية هي منتهى أمل هذه الشعوب، وقد تحقق لها أخيراً ما أرادت. وهذه الشعوب هي أيضاً التي ستحدد، إن كانت انتصارات داعش انتصاراً للبدائية الوحشية على الحضارة، أم أنها النيران التي ستحرق جذور التخلف المتغلغلة في حياتنا وعقولنا.
كانت البداية بقصة "يهوه" الإله الذئب، ثم تفاقمت بعدها الكارثة!!. . ليست داعش سوى تجل لعقلياتنا وثقافتنا القائمة على الخرافة، فالخرافة في حياتنا ليست أمراً عارضاً يمكن محاربته. فهي تستند لأساسات راسخة، فيما ننشأ منذ طفولتنا على تقديسه. الأمل ضئيل فيما يمكن أن يحدث من تغيير في الأجيال الحالية، والتي رضعت الخرافة والوحشية واللاإنسانية مع لبن الأم. وإن تبقى بصيص أمل، في الهامش الضئيل من شباب اليوم الرافض المارق، وفي الأجيال الجديدة التي لم تتخلق في الأرحام بعد، والتي ستخرج لترى دنيانا خراباً شاملاً، فربما لا تأخذ عنا إلا كل ما هو مضاد لما عشنا نحن في أدغاله. نقول ربما!!
الإنسان العادي لا يفكر أو يقيم الأمور بناء على أوليات بسيطة منطقية وعقلانية، لكنه في الأغلب يعتمد على مرجعيات مركبة، تشكلت لديه منذ الصغر، وأصبحت بالنسبة له ثوابت وبديهيات، نعد من يشكك فيها ما بين مجنون وخائن وعدو. لذا نجد صاحب العقلية الخرافية، يخلص من الأحداث والظواهر، إلى عكس ما يفترض أن يؤدي إليه الفكر المنطقي السليم والمستقيم. ثوابت ومعتقدات الشعوب المتخلفة وأبوية (بطريركية) الثقافة، أشبه بشبكة من خطوط لقضبان سكك حديدية، تسير عليها هذه الشعوب، ويعد الخارج عليها مارقاً ومداناً من الجميع. قد يمكن بدرجة أو بأخرى إدخال بعض التعديلات على هذه المسارات، تحت ضغط حقائق الواقع المعاصر. لكن حين يتطلب الأمر اقتلاع هذه الخطوط بكاملها والإطاحة بها، لتحرير الإنسان، ومغادرة تلك المسارات الأزلية، إلى آفاق مختلفة تماماً، فإن الفرد والمجتمع هنا يستشعر الضياع، كما لو كان سيلقى به في صحراء شاسعة مترامية الأطراف. بالإضافة إلى حقيقة أنه لم يتدرب على التفكير المستقل، الذي يمكن أن يسترشد به في مجاهل هذا الضياع. هنا يكون رفض مثل هذه الشعوب للجديد المفارق لواقع حياتها له ما يبرره، وتكون محاولات توعيتها أو زحزحتها، مجرد حرث في البحر.
ما تقوم به داعش الآن، ليس تخريباً لبنى حضارية عصرية حقيقية. هي تدمر مظاهر تلفيقية زائفة، تتخذ من مظاهر الحضارة شكلها الخارجي، مع بقاء الثقافة والروح الجمعية للشعوب، تنتمي لعصور بائدة سحيقة القدم. هي أبنية متناقضة متصدعة في ذاتها، وتنتظر أي هزة أو هَبَّة ريح لتتداعى، ليكون ما تفعله داعش هو توحيد مظاهر الحياة، مع الرؤى الفكرية والثقافية المستقرة للشعوب، وبهذا يزول التناقض الذاتي لحياتنا. أيضاً يمكن رؤية ما يحدث، على أن داعش تقوم من حيث لا تدري، بتقديم خدمة جليلة لهذه الشعوب، إذ تتولى هدم هذه الأبنية ذات التناقضات الهيكلية الجوهرية على رؤوس من أقاموها، وهم في حالة أشبه بالغيبوبة وأضغاث الأحلام. أليس هذا أيضاً ما يتمناه رسل الحداثة بالمنطقة، رغم اختلاف الدوافع أو تضادها؟!!
لا نستطيع بالطبع الجزم بما سيحدث، إذا صح ما نفترضه، من تدهور للحالة الراهنة، وشمول الخراب لكل ما هو قائم، فقد تستقر الشعوب في قاع الوحشية البدائية، وقد تهتبل فرصة السقوط، لتبدأ في إقامة حياتها على أسس جديدة، من نقطة الصفر. فسيظل دوماً يطاردنا سؤال يبحث طوال الوقت عن إجابة، لماذا تفشل شعوب منطقة الشرق الأوسط في مسايرة التطور الحضاري المعاصر، رغم أنها أقدم شعوب العالم في تكوين مجتمعات ودول، وبعضها مثل مصر ولبنان والعراق، يعد مهد الحضارة الإنسانية ومعلمها الأول؟!!. . أظن أن إشكالية الإجابة الحاسمة لهذا السؤال، تتأتي من بحث العقل الإنساني عن عنصر أو عامل واحد، أو حتى رئيسي لهذه الظاهرة، في حين أن هناك العديد من العوامل، تعمل بمنهج شبكي ودائري، على تأسيس وتعميق هذه الحالة.
منهج شبكي بمعنى تأثير العوامل العديدة على بعضها البعض، بما يؤدي لتعاظم فاعليتها. ودائري بمعنى أن العامل الواحد يعيد عبر تأثيره إنتاج ذاته، فالجهل مثلاً يولد وحشية بدائية، والوحشية البدائية تعيد تعظيم درجة الجهل. لدينا أيضاً العامل البيولوجي، الذي يحدد قدرات المستوى العام لذكاء الشعوب وقدراتها السيكولوجية والحيوية، كما أن لدينا توطن أفكار ومعتقدات مقدسة مانعة للتحضر، يتم توارثها عبر الأجيال، وهناك المستوى المادي وأساليب الإنتاج البدائية المتدنية في جانب، والثراء الفاحش الناجم عن الاقتصاد الريعي في جانب آخر، وأخيراً وليس الآخر، هناك صدمة الحداثة، التي تسببت فيها العولمة، والتي تأتي لدى هذه الشعوب بنتائج عكسية مضادة، رفضاً لكل ما هو خارجي مفارق لطبيعة وملامح حياتنا. هي عوامل عديدة، تحتاج لدراسات علمية جادة وجريئة لحصرها، وهذا تحديداً ما لا تسمح به البيئة الاجتماعية والثقافية لسائر الشعوب المبتلاة.
كمال غبريال كاتب وباحث مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.