«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الميكانيكا الكمية – أول الغيث قطرة
نشر في شباب مصر يوم 18 - 11 - 2014

في ليالي الشتاء قارسة البرد، نجلس حول المدفأة نراقب لهبها ونستمتع بدفئها ودفئ اللمة والصحبة. لكن هل فكرنا كيف ينتقل إلينا هذا الدفئ، ونحن بعيدون عن لهب المدفأة؟
هذا الدفئ عبارة عن أشعة غير مرئية تعطينا الشعور بالراحة من ألم البرد. نسميها الأشعة تحت الحمراء. لماذا هذا الاسم؟ لأنها تأتي أسفل الضوء الأحمر في التحليل الضوئي
لو كان نيوتن قد وضع المنشور الزجاجي في مسار الضوء بالمقلوب، لجاءت الأشعة أعلى الضوء الأحمر وصار اسمها في هذه الحالة، فوق الحمراء. مجرد اسم
مع شئ من الملاحظة المتأنية، سنكتشف أن الإشعاع الحراري هذا شئ عام في الطبيعة. الشمعة تعطينا الضياء والحرارة. شمسنا العظيمة تعطينا أيضا الضياء والحرارة. حتى النجوم البعيدة جدا والتي يقاس بعدها بالسنين الضوئية، هي الأخرى ترسل ضوءها مصحوبا بأشعة حرارية،يمكن قياسها، إلى الأرض
في القرن التاسع عشر، تم اكتشاف قوانين الإشعاع الحراري الأساسية. دعنا نذكر بعضها:
أولا، كلما قمنا بتسخين جسم ما، كلما زاد توهجا وتألقا. كذلك كمية الإشعاع المنبعثة من الجسم تزداد مع التغير في درجة حرارته. إذا زادت درجة حرارة الجسم ثلاثة أضعاف، مثلا، فإن كمية الإشعاع المنبعثة منه تزداد مئة ضعف. (غريبة دي)
ثانيا، لون الأشعة المنبعثة من الجسم تتغير مع ازدياد درجة حرارته. راقب قطعة من الحديد توضع على شعلة البوتاجاز. في البداية تكون قطعة الحديد داكنة اللون. ثم يصبح لونها قرمزي خفيف، يتحول إلى اللون الأحمر. مع استمرار التسخين، يصبح اللون برتقالي ثم أصفر. بعد ذلك تصبح قطعة الحديد والإشعاع المنبعث منها أبيض اللون.
الحداد يستطيع معرفة درجة حرارة قطعة الحديد المصنعة بدقة من لونها عند التسخين. عندما يكون اللون قرمزي، تكون درجة الحرارة 500 درجة مئوية، وعندما نصل إلى اللون الأبيض، تكون درجة الحرارة 1000 درجة مئوية
علماء الفيزياء لا يكتفون بذلك. إنهم يريدون دراسة علاقة الأجسام بالإشعاع الحراري بغض النظر عن نوع الجسم ومعدنه. إنهم يريدون جسما يستخدم كقياس لهذه الظاهرة بدقة، تقارن به باقي الأجسام.
الجسم الذي نبحث عنه، لا يجب أن يرسل قبل التسخين أي ضوء خاص به، حتى لا يؤثر في لون الإشعاع الناتج من التسخين. المعادن اللامعة تعكس تقريب معظم الضوء الساقط عليها. أما القطيفة السوداء، فهي تمتص معظم أشعة الضوء الساقطة عليها، لذلك تظهر سوداء حالكة.
السحرة في عروضهم يستخدمون خاصية القطيفة السوداء، لأنها لا تعكس الضوء . فالصندوق المغطى بالقطيفة السوداء، لا تستطيع ملاحظته. الساحر يستطيع أن يستخدمه لإخفاء المنديل أو الحمام أو حتى نفسه
وجد علماء الفيزياء أن الجسم الأسود هو ما نبحث عنه. الجسم الأسود يمتص كل الضوء الساقط عليه. إذن أي أشعة يقوم بإرسالها سيكون سببها التسخين فقط
لكن هذا يتوقف على مقدار السواد في الجسم الأسود. حتى الفحم النباتي، قد يكون به شوائب تجعله ليس أسود تماما. قد يكون أسود أو أفتح من القطيفة السوداء. إذن كلاهما لا يصلحان لهذا الغرض
العلماء لا تيأس. جاءوا بصندوق خاص. مطلي من الداخل بالسخام أو الهباب الأسود. شعاع الضوء الداخل من فتحة صغيرة، لا يستطيع الخروج منها ويمتص بالطلاء الداخلي. بذلك يكون الشعاع الخارج من الفتحة، عند تسخين الصندوق، هو ناتج التسخين فقط، وليس بسبب الإنعكاسات الضوئية. هذا الصندوق نسميه الجسم الأسود
دعنا نكتب قوانين الإشعاع الحراري بلغة الفيزياء. القانون الأول يقول بأن كمية الإشعاع الحراري للجسم الأسود، أي الطاقة المنبعثة في صورة إشعاع وحرارة من الصندوق في الثانية، تتناسب طرديا مع درجة الحرارة المطلقة مرفوعة للأس الرابع
الأس الرابع تعني مضروبة في نفسها أربع مرات. درجة الحرارة المطلقة من اكتشاف العالمين الألمانيين، ستيفان وبولتزمان في القرن التاسع عشر، وهي تعادل 273 درجة تحت الصفر المئوي
القانون الثاني للإشعاع يقول: مع زيادة درجة حرارة الجسم الأسود، يقصر طول موجة الإشعاع المنبعث منها، وتقترب من المنطقة البنفسجية في التحليل الطيفي. هذا القانون يسمي قانون وينز للإزاحة، نسبة إلى العالم النمساوي وينز
الآن لدينا قانونين للإشعاع يمكن تعميمها على كل الأجسام بدون استثناء. التجارب أيدت القانون الأول، ووجدنا أن الأجسام تزداد توهجا بالحرارة. لكن المشكلة في القانون الثاني.
مع ازدياد الحرارة، يظل الجسم يشع موجات ضوئية، لونها في البداية قرمزي ثم أحمر ثم برتقالي ثم أصفر، ويتوقف عند اللون الأبيض ولا يقترب أبدا من اللون البنفسجي. أو كما نقول بالبلدي، قانون الإزاحة يعصلج عند اللون الأبيض.
للتغلب على هذه المشكلة، حاول عالمان إنجليزيان هما رايلي وجينز دمج قانوني الإشعاع في قانون واحد يقول: شدة الإشعاع الحراري المنبعث من الجسم الساخن، تتناسب طرديا مع درجة الحرارة المطلقة، وتتناسب عكسيا مع مربع طول موجة الإشعاع
يبدو في البداية أن هذا القانون ينطبق مع النتائج العملية. لكن ثبت أنه صالح عندما يكون الإشعاع لونه أحمر أو أصفر أو أخضر أو أبيض، لكنه يفشل عند اللون الأزرق والبنفسجي وفوق البنفسجي. سبحان الله، أليست كلها ألوان؟
هذا القانون يعني أنه كلما صغر طول موجة الإشعاع، كلما زادت حدته وكثافته. لكن التجربة لم تثبت صحة ذلك. كما أن القانون يسمح لشدة الإشعاع أن تزداد بدون حدود، وهذا لا يحدث في الطبيعة
هذا الوضع الذي لا يحسد عليه، سمي ب"كارثة الأشعة الفوق بنفسجية". حدث هذا في نهاية القرن التاسع عشر. لم يكن أحد يتخيل أن كارثة قانون واحد من قوانين الفيزياء، تصبح كارثة بالنسبة لعالم الفيزياء الكلاسيكية برمته وسبب انهياره بالكامل.
لقد وجد العلماء أنفسهم في بيت يحترق. أخذوا يجرون من ركن إلى ركن. لم يفكروا في القفذ من النافذة إلى النهر. فالنهر لم يعتادوا السباحة فيه. كما أن البيت عزيز عليهم، عاشوا فيه طيلة حياتهم. حاولوا إخماد النار، ولم يتصورا تركها والجري بعيدا عنها
مع كارثة الإشعاع الحراري، جاءت كوارث أخرى مثل كارثة عدم وجود الأثير وازدواجية الضوء وثبوت سرعته. هنا تنبه بعض العلماء لحاجتهم إلى علم فيزياء جديد، لكي يحل محل القديم الذي لم يعد صالحا لتفسير هذه الظواهر.
إذا لم تؤيد الحقائق الجديدة النظرية، علينا أن نقوم بتعديلها، أو لتذهب النظرية إلى الجحيم غير مأسوفا عليها. يخبرنا التاريخ، أن الحاجة هي أم الاختراع. وعظماء الرجال يظهرون عند المصائب والأزمات
الخروج من مدلهمة الفيزياء الكلاسيكية، جاء على يدي ماكس بلانك، الذي أتى عام 1900م بمفهوم الكم، وألبرت أينشتاين الذي أتى عام 1905م بنظرية النسبية، وفسر لنا تأثير الضوء على أسطح المعادن. فما فعله كلاهما يستحق عليه كل هذه الضجة؟
ما جاء به بلانك لا يعتبر اكتشافا بالمعنى الدقيق. كان لدينا قانونان يتعاملان مع الإشعاع الحراري للأجسام الساخنة. عندما دمجا في قانون واحد، واجه كارثة الأشعة فوق البنفسجية.
بلانك كان في الأبعينات من العمر. ظل لسنوات عديدة يدرس الإشعاع الحراري. لكن نظرية الإشعاع الحراري وصلت إلى طريق مسدود رآه أمام عينيه. وكان مثل أقرانه يبحث عن طريقة للخروج من هذه الورطة.
قام بفحص كل الخطوات المنطقية وكل التجارب والأجهزة المستخدمة وتأكد أنها كلها سليمة تخلوا من العيب. هنا سلك بلانك مسلكا آخر، شبيه بالقفذ من النافذة هربا من النار التي تشتعل في صرح البناء بدلا من محاولة إطفائها
في وقت لاحق، أخبرنا بلانك أنه كان يعمل بهمة ونشاط غير عادي لم يعهده من قبل لحل هذه المشكلة في نهاية القرن التاسع عشر. وإذا بأفكار هامة بدأت تظهر له، وبدأت تبدو ممكنة بالرغم من غرابتها. أخذ بلانك يفحص كلا منها على حدة
أولا، فحص الأفكار البسيط. رالي وجينز قاما بدمج قانونين الإشعاع في قانون واحد. هذا القانون أعطانا نتائج كارثية بالنسبة للإشعاع قصير الموجة. ما الضرر في دمج هذين القانونين مع قانون وينز السابق ذكره والخاص بالإزاحة، ولكن بطريقة مختلفة. العلماء لا تيأس من البحث عن الحقيقة.
قام بلانك بعدة تجارب للبحث عن قانون عام لا يتعارض مع النتائج. بعد عدة محاولات، وجد هذا القانون. القانون به رموز ليس لها معنى في عالم الواقع. مجرد توليفة عشوائية لكميات لا يربها رابط. لكن الغريب، أن هذه التوليفة قد آتت أكلها، وطابقت تماما نتائج التجربة.
من قانون بلانك الجديد، استطاع اشتقاق قانون ستيفان-بولتزمان وقانون وينز. كما أن القانون الجديد لا يؤدي إلى نتائج غير محدودة وغير عملية مثل القوانين السابقة. قانون صحيح يتفق مع التجارب كما يقول العلماء.
نصر مبين، وخروج من الأزمة؟ ليس بالضبط. بلانك عالم بحق وحقيق. لم يكن مقتنعا. التخبيط على مفاتيح البيانو عشوائيا قد ينتج عنها نغمة موسيقية. ولكن هل هناك برهان على أن هذا التخبيط لابد أن ينتج عنه نغمة موسيقية؟ القانون يجب أن يكون مشتقا من شئ ما. وليس هابط علينا من السماء عن طريق الوحي هكذا.
لكن قانون بلانك لا يمكن اشتقاقه من قوانين الفيزياء الكلاسيكية. ومع هذا، يعطينا نتائج مبهرة. لقد وجد بلانك نفسه في موقف درامي مثير. لديه قانون أو صيغة قابلة للاستخدام وتأتي بنتائج عظيمة، لكنه لا يستطيع القسم بصحتها طول الوقت وفي كل الأحوال
لأنه ليس لديه برهان لها وفقا للفيزياء الكلاسيكية. فأي الطرق يسلك؟ طريق الحقائق الجديدة أم طريق الفيزياء الكلاسيكية المتعارف عليها. لقد اختار بلانك طريق الحقائق الجديدة
ماذا يوجد في الفيزياء الكلاسيكية منع بلانك من اشتقاق قانونه؟ شئ بسيط لم نلتفت إليه من قبل، وهو اعتبارنا أن الطاقة مستمرة كالماء في الأنهار الجارية. لكن عالم الذرة وجسيماتها متناهية الصغير يقول عكس ذلك.
في نهاية القرن التاسع عشر، اكتشفت جسيمات الذرة والفراغ بينها. الجسيمات لها حدود، أي أنها جزر منعزلة وغير مستمرة، لكن الفراغ بينها هو فقط المستمر. حركة الجزيئات وتصادمها مع بعضها يمكن أن نطبق عليها قوانين التصادم من الفيزياء الكلاسيكية بدون مشكلة.
لكن ماذا نفعل بطاقة الإشعاع وهو موجات وليس جزيئات؟ لقد أثبت ماكسويل أن الضوء عبارة عن موجات كهرومغناطيسية، أي يتولد من تذبذب وتداخل المجالين الكهربي والمغناطيسي. إذن طاقة الضوء يجب أن تتبع قوانين الموجات وهي مستمرة تنساب مثل الماء في النهر.
بالنسبة للطاقة، لا نعرف شيئا اسمه الطاقة المتقطعة. أي التي تتدفق مثل نقط المطر أو رصاص المدفع الرشاش. تركيبة الذرة لا تتطلب أن تكون الطاقة مجزأة إلى قطع صغيرة. ضوء الشمعة يملأ الغرفة بالإشعاع المتصل، والشمس ترسل لنا ضوءها الغير متقطع. وكذلك طاقة حركة الأجسام تبدو لنا طاقات متصلة ومستمرة.
لكن أخينا العزيز بلانك، يفاجئنا بأن الطاقة ليست متصلة ومنسابة كالماء في الأنهار، بل هي متقطعة تنتقل فيما يشبه فلاشات وومضات متعاقبة، مثل نقط المطر ورصاصات المدفع الرشاش. الطاقة مقسمة إلى أجزاء أو فتافيت صغيرة، الفتفوته
منها اسمها "كوانتا"، جمعها "كوانتم"، وتعني "كمية"
ومن هنا جاء الاسم "الميكانيكا الكمية.
وجود "الكوانتا" في قانون بلانك هام جدا، ولا يستقيم القانون بدونها. كوانتم الضوء، أو فتافيت الضوء، هي أجزاء صغيرة جدا من الطاقة. هنا يتحفنا بلانك بمعلومة أخرى هامة. كوانتم الطاقة هذه، تختلف وفقا لنوع الإشعاع. كلما قصر طول موجة الإشعاع، أي كلما زاد تردده واقترب نحو اللون البنفسجي، كلما زادت طاقته
هذا يمكن التعبير عنه بمعادلة رياضية، وأرجو أن لا أخيف القارئ العزيز إن كان غير ملما بأسرار علم الرياضيات. يمكنه في هذه الحالة المرور على مثل هذه المعادلات مرور الكرام بدون أن يفقد الموضوع أهميته وفائدته.
E=hv
معادلة بلانك هذه بسيطة وجميلة، تقول إن طاقة الكوانتا (فتفوتة الطاقة) تتناسب تناسبا طرديا مع تردده (v). أما المقدار (h) فهو ثابت التناسب الطردي. تم إيجاده عن طريق التجربة، ويسمى ثابت بلانك تكريما لجهد الرجل في هذا المجال.
كان يمكن تسميته بأي اسم آخر، المهم هنا ليس الاسم وإنما المقدار، وهو ثابت بالنسبة لكل الأشعة، مقداره صغير جدا، 6.6 مقسومة على 1 أمامه 27 صفر، إيرج في الثانية (وحدة الطاقة)))
ما علينا سوى ضرب هذا الرقم في تردد الأشعة لمعرفة طاقتها بالإيرج في الثانية. من هنا كانت الأشعة السينية، التي لها تردد كبير، طاقتها كبيرة تجعلها تستطيع اختراق جسم الإنسان وتصويره من الداخل
هذه الطاقة لا تأتينا متصلة، ولكن متقطعة كالمطر. مصباح كهربائي صغير قوة 25 وات، يرسل كمية كوانتا (فتافيت الطاقة) في الثانية الواحدة مقدارها 6.6 مليون مليون مليون كوانتا في الثانية
بالطبع عين الإنسان لا تستطيع أن ترى هذه الكوانتا المتقطعة. وهذه فكرة عرض الفيلم السينمائي، الذي تبدو أحداثه متصلة، بينما هي في الواقع صور منفصلة متتالية
ليس المهم هنا هو كمية الكوانتا المتدفقة في الثانية، وإنما المهم هو معدل تدفقها، الواحدة بعد الأخرى.
بلانك كان يعي مدى جسارته في مهاجمة الفيزياء الكلاسيكية. لكنه لم يكن يتخيل مدي تأثير أفكاره في تطور علم الفيزياء في السنوات التي تلت اكتشافه
السنوات الأولى، 1901، 1902، 1903، و1904م، مرت بدون أن يتنبه أحد لمدى خطورة اكتشاف بلانك. اللهم بعض الأبحاث في الموضوع نفسه تعد على الأصابع. لكن في عام 1905م، نشر موظف صغير في مكتب توثيق الاختراعات السويسري، البرت أينشتاين، رسالة خاصة بتأثير الضوء على أسطح المعادن، نال بسببها جائزة نوبل في الفيزياء.
لقد كان معروفا في ذلك الوقت أن الإلكترونات تقفز من سطح المعادن عند تسليط الضوء عليها. هذه فكرة توليد الكهرباء من الشمس. لكن لم يكن أحد يعرف
لماذا يحدث هذا.
الضوء عبارة عن موجات كهرومغناطيسية. من الصعب تخيل أنها قادرة على إخراج الإلكترونات من سطح المعادن. ليس هناك تصادم بين جزيئات، مثل التصادم الذي يحدث بين كرات البلياردو.
هناك أمر عجيب آخر تم اكتشافه. وهو أن بعض موجات الضوء مختلفة الطول (أي مختلفة الألوان)، هي القادرة على هذه الخاصية. الإلكترونات تبدأ في الهرب من السطح عند طول موجة ضوء معينة. لكن إذا قمنا بزيادة طول الموجة، أي تغيير لون الضوء، تتوقف الإلكترونات عن الهرب، مهما قمنا بزيادة شدة الضوء
شعاع الضوء يحمل طاقة، هي التي تنزع الإلكترون من السطح المعدني. زيادة شدة الضوء تؤدي إلى زيادة عدد الإلكترونات التي تهرب من السطح. لكن في حالة تغير طول الموجة، يتوقف كل شئ. لماذا؟
لماذا الإلكترونات صعبة المراس في تخير نوع طعامها؟ هذا شئ لا يفهمه علماء الفيزياء بالمرة. هنا يأتي المنقذ. ألبرت أينشتاين.
البرت أينشتاين عالج المشكلة من زاوية أخرى. في الحالات العادية، الإلكترون مرتبط بذرات السطح المعدني. لكي نطرد الإلكترون من السطح، نحتاج قليلا من الطاقة. لكن الضوء له طول موجة. موجة الضوء هذه تتصرف كجسيم صغير، يحمل الطاقة وينقلها إلى الإلكترون فيجعله قادرا على الهرب من الأسر.
سبحان الله، لقد رجعنا إلى نظرية نيوتن التي تقول بأن الضوء عبارة عن جسيمات دقيقة. لكن ما مقدار طاقة هذه الجسيمات الضوئية؟ الحسابات أثبتت أنها صغيرة جدا. إذن لماذا لا تكون مساوية ل"كوانتا" بلانك التي ذكرها بلانك منذ 5 سنوات ماضية. تخمين ذكي جدا.
لهذا، قال أينشتاين أن الضوء عبارة عن تدفق طاقة من الكوانتا. عند كل طول موجة ضوئية، تكون الكوانتا التي يحملها الضوء متساوية في المقدار تماما. هذه الكوانتا، فتافيت الطاقة، أسماها أينشتاين "فوتونات الفوتونات تحمل طاقة صغيرة. تصدم بها الإلكترون بقوة مناسبة، فتنزعه من السطح المعدني. إذا لم تكن هذه الطاقة كافية، فلن يهرب الإلكترون. حسب معادلة بلانك، الطاقة يحددها تردد الموجة. وكلما زاد طول الموجة، قل ترددها، وبالتالي قلت طاقتها. وتفشل في مهمتها.
شدة الضوء لا تهمنا هنا بقدر طول الموجة. إلكترون واحد لا يحتاج أكثر من فوتون واحد بطاقة مناسبة لكي ينزعه من السطح المعدني. هذا يفسر لنا تأثير الضوء على أسطح المعادن. لكنه تفسير، مثل أبحاث بلانك، قوضت أساسيات الفيزياء الكلاسيكية
وللحديث بقية، فإلى اللقاءإن شاء الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.