عندما كنّا طلاب في الجامعات وعند التحاقنا بالجيش كان لنا زملاء من كل محافظاتالعراق ولم نكن نعرف أية صفة أو طائفة أو عرق لأي من زملائنا إلا من كان يصرح هو بذلك فكان الأرمن فقط من يُعلن عن قوميته بسبب مبادرة الدولة آنذاك بإصدار شهادة الجنسية العراقية لهم واعتبارهم عرباً رأيت حينها علامات الغضب على وجه زميلاتي (سلفيا )و(كلادس)وغيرها من الأرمينيات والأرمن.... وكان من بين زملائنا وزميلاتنا طلبة من نينوى وكان هؤلاء الطلبة الأكثر تكتلا حيث يشكلون مجموعات فيما بينهم ولكنهم منفتحون على الآخرين أيضا وكانت تربطني بهم علاقات ودية وعميقة وكنت أطلّع على خلافاتهم والتي كانت غالباً ما تستعر إذا ما خلوا لوحدهم وسرعان ما تصلني هذه الخلافات عبر أحدهم عندما يأتي ليبوح بشكواه لصديقه المقرب والبعيد عن أجواء أهل الموصل ، وكنت أعرف كيف أصلح الأمور بينهم حيث كنت أتعمد أن أعمم حالة الخلاف على بقية الزملاء من غير الموصليين فعندها تثار عندهم النعرة المصلاوية ويتناسون خلافاتهم ويعودون كما كانوا بدون أي زعل بينهم ويتعاتبون بهمس وتنتهي القضية ... ولكن كانت هذه الحالة لا تنطبق لا على ((مخلص)) ولا(( تحسين))ولا ((مرعي)) بالمناسبة هذه الأسماء في مراحل متعددة ليس فقط أيام الدراسة بل بالجيش والوظيفة أيضا ولكن الحالة نفسها تتكرر في كل مرة ومع كل مجموعة.....نعود إلى حكاية هؤلاء الثلاثة كان الأصدقاء من أهل الموصل حين ينشب خلاف مع هؤلاء يمعنون في حالتهم العدائية ضدهم ويتكلمون عنهم بأبشع الكلام بل لا يأبهون لزعلهم وكنت ارقب هذه الحالة باستغراب وحاولت مرة أن اكتشف هذه المفارقة وسببها ، فكان الكل يسكت عن هذه الحالة فقررت أن أذهب إلى الشيخ وهو زميل لنا وبنفس السن ولكنه كان متنفذا بينهم فسألته عدة أسئلة غير مباشرة عن مناطق سكنهم وهل تربط بينهم علاقة قرابة فكان ((فوزي)) من وادي حجر صديق عزيز على قلبي وعندما وصلت للسؤال عن أحد هؤلاء وثب ((نشوان)) قائلاً وبصوت عال سمعه كل من في القاعة (( الشبك ليس من البشر ومن شك في قولي هذا فقد كفر))........... شنهي؟؟؟؟؟ كانت المرة الأولى التي اسمع بها عن هذه التسمية في العام 1985 أي قبل ثلاثين عاماً والحقيقة كانت الصدمة كبيرة لما سمعته من كلام ينم عن حقدٍ عجيب غير مبرر فأنا أعرف هؤلاء الأشخاص معرفة وثيقة حيث كنّا نتشارك في الطعام والسكن وفيهم من الصلاح والإيمان ما يجعلني أثق بهم ثقةً عمياء بل وائتمنهم على أسراري ، ولم أكن أعرف ما تعني كلمة الشبك هل هي صفة ينعت بها السيئون أو الغير متحضرون أو مذهب أو ديانة مثل ألايزيدية أو الصابئة وبقيت ساكتاً برهة أحاول أن أتغلب على الصدمة ومن ثم استطردت بكلامي متسائلاً عن ماهية الكلمة فنظرت إلى وجه صديقي ((فوزي)) وقد احمرَّ خجلاً وقد أتعبه الموقف حقا لما يحمله من قلب نبيل وروح شفافة فصار مضطراً أن يجيبني على تساؤلاتي...فقال لي معتذراً عن وجهة النظر الموصلية عن هؤلاء القوم والذين لم يكن لهم حظ كبير في كسب ود شركائهم بالمدينة والوطن وراح يصف القوم على لسان أهل الموصل فعرفت من خلال حديثة الذي غلفه بأكثر من غطاء بأن هناك اختلاف مذهبي وعرقي بينهم وكانت المرة الثانية التي أطلّع فيها على موقف متجاهر بالطائقية والعرقية في بلادي ....وبعد مرور ثلاثون عاماً جسد الموصلّيون رغبتهم بالتخلص من هؤلاء القوم فقاموا في أول فرصة سنحت لهم بتهجيرهم وإفراغ المحافظة من هذا المكوّن الرئيسي في نينوى حيث تعتبر تلعفر أكبر قضاء في العراق وفيه ما يؤهله أن يصبح محافظة مستقلة ونسبة سكانية تجاوزت المليون نسمة......