بعيدا عن التعقيدات المفتعلة للدبلوماسيين والتحليلات المتحايلة للسياسيين وتزويقات وتنميقات الصحفيين يظل حس الشارع الأصدق في استقراء صراع الحكم الدائر اليوم في العراق، وتصبح السذاجة بعينها القول بأن تصوير ذلك الصراع على أنه مجرد صراع نفوذ بين عميلين هو تحليل ساذج. ومع أن عبارة العميل عبارة غير محايدة في أكثر استعمالاتها إلا أنها تغدو عبارة عقلانية لا تنقصها الأدلة في الحالة العراقية التي يصبح فيها على المتهم إثبات براءته بدل أن يكون على المدعي عليه إثبات التهمة. أما اللبس الحاصل فما هو إلا نتيجة للتلاعب بالمشاعر والمكونات الدينية والمذهبية والوطنية والعرقية وتلك المرتبطة بقيم التعايش الإنساني، تلاعب يستخدمها لتبرير الاختراقات السياسية وتحويل الخيانة إلى مجرد وجهة نظر. فالسياسة إذا كانت مبنية على ميزان القوى فإنه ليس من بين سياسيي العراق الصانعين لقراره في السابق أو الحاضر منذ احتلال العراق واحد يمكنه أن يزعم أنه يستمد قوته من الشعب سواء بالأساليب السلمية أو المسلحة. فالأحزاب المشكلة للمشهد السياسي جميعا إنما وصلت إلى الحكومة أو البرلمان تحت المظلة القانونية والسياسية لبول بريمر الذي تكرم بمنحها هامشا من سلطة القرار اتسع تدريجيا برغبة أمريكية في نقل الصراع من كونه بين احتلال ومحتلين إلى كونه بين مواطنين عراقيين يقتتلون على الأرض والمصالح والنفوذ؛ سلطة تحصل عليها أحزاب مجبرة على التعامل ومن ثم الاعتراف بالاحتلال الأمريكي من خلال انتخابات شكلية غير تمثيلية تصنعها الطائفية والتعصب المذهبي والعرقي. والانتخابات العراقية في النهاية ليست سوى مباراة سياسية محسومة النتائج سلفا بالتوافق الطائفي والمناطقي يتقدم إليها من يعلمون أنها لا تقدم ولا تؤخر بالنسبة لنتائجهم؛ لأن لا أحد منهم سيغامر باعتماد الشعب مصدرا لشرعية وصوله إلى الحكومة أو البرلمان وإن زعم ذلك، في وجود مصدري الشرعية الأكبرين والأوحدين وهما السفارتان الأمريكيةوالإيرانية. لذلك عندما أبدت الولاياتالمتحدة رغبتها في التخلي عن دعم عميلين مثل موفق الربيعي ومحمد الشهواني رئيسي أكبر جهازين أمنيين في البلاد فإن الإطاحة بهما من حكومة المالكي أصبحت سهلة وتمت في وقت قياسي. وعليه فلم أتفاجأ لسماع الربيعي منذ سنوات وهو في عز مجده وتوليه ملف الأمن القومي يتهم السعودية صراحة بدعم "الجماعات التكفيرية" التي تقف وراء التفجير في مواكب الشيعة في مجلس شيعي في لندن لم يكن فيه من السنة إلا أنا وشخص آخر ولم يكن للربيعي أن يتحدث بهذه الصراحة لولا أنه كان يظن أن كل من في المجلس من أصحابه وأصحاب أصحابه. وقد وجه الشهواني بدوره بعد إقالته من جهاز المخابرات اتهامات مماثلة لفيلق القدسالإيراني مؤكدا أنه سلم تقارير للمالكي عن ضلوع الفيلق في عمليات قتل المدنيين تجاهلها هذا الأخير. ويروي أحد السياسيين العراقيين المقيمين في جنوب العراق أنه يكفي لكي تحصل على الاحترام والحصانة في المناطق الشيعية من البلاد أن تشاهد مرتين أو ثلاثا رفقة دبلوماسيين إيرانيين تخفي حصانتهم الدبلوماسية حقيقة كونهم ضباطا في الاستخبارات أو الحرس الثوري الإيراني. أما أحد الإسلاميين الأكراد وهو مقيم في شمال العراق فيرى في وجود القوات الأمريكية في هذه المنطقة منذ عشرين سنة المصدر الأول لاستقواء جماعات البرزاني والطالباني على الإسلاميين وحتى على علمانيي قائمة نوشيروان مصطفى، مضيفا أنه لولا وجود دولة كتركيا مثلا لتم مسح التركمان العراقيين من الخريطة بطريقة أو بأخرى. أما في وسط العراق فليس سرا أن الجماعات المسماة بالصحوات والتي أصبحت تسيطر على مناطق انسحب منها تنظيم القاعدة ليست سوى استنساخ لفيالق الموت في أمريكا الجنوبية والكونتراس في نيكاراغوا والحركة في الجزائر والتنظيمات البروتستانتية في ايرلندا والخمير الحمر في كمبوديا وهي الجماعات التي أنشأها أحد طرفي الصراع لنقل الإرهاب إلى الطرف الآخر. مأ أما الإدارات الحكومية فللعراقي فيها حصة ليست حصة الأسد على كل حال، فإذا كان العراقي مديرا فإن لمستشاره الغربي الكلمة الفصل في أي قرار يتخذه سواء استوعب ذلك أم لم يستوعبه مع نفوذ إيراني لا يظهر ولا ينفع إلا للمحسوبية والعصبية والطائفية والمناطقية فلا يخدم الصالح العام ولا يساهم في تغيير الصورة النمطية الواقعية لإيران لدى المواطن العراقي غير المتحزب سنيا كان أم شيعيا. وأما الجماعات المسلحة فجميعها إما مسيطر عليها سيطرة تامة أو مخترقة من أمريكا وبريطانيا ودول الجوار. فلا سر في علاقة التبعية أو التمويل بين جيش المهدي وفيلق بدر بإيران وبين الجيش الإسلامي وكثير من التنظيمات السنية الأخرى بالسعودية والكويت والأردن، ولا شك في أن القاعدة وهي أكثر التنظيمات استقلالا نسبيا مخترقة حتى العظم من طرف مخابرات كل الدول المذكورة سابقا. ولذلك فإن الفرق بين المالكي وبين لعاوي ومن يدور في فلكيهما ليس سوى الضعف والقوة؛ فلا أحد منهما وضع خلال فترة حكمه موضوع تخليص العراق من الاحتلال في قائمة أولوياته، ولا أحد منهما سعى إلى القضاء على الطائفية ذلك الفيروس الذي سيدمر وحدة العراق إذا لم يتم استئصاله، ولكن أحدهما لين إلى درجة الضعف والثاني قاس إلى درجة الإجرام وهو ما يجعل علاوي أكثر قبولا من المالكي. والظروف الدولية هي التي أصبحت تصنع القرار الداخلي للعراق، فإيران تريده أسيرا لها تساوم به الغرب على أمن قواته واستقرار مصالحه في الشرق الأوسط من خلال دعم الجماعات السياسية والمسلحة الموالية لفكر الولي الفقيه والمستعدة للموت فداء له أما أمريكا وبريطانيا وأحلافهما فترغب في التخلص من هذا النفوذ لإضعاف إيران وعزلها، ليس حبا في العراق بل رغبة في السيطرة التامة عليه وإبقائه ضعيفا لكي لا تتكرر تجربة صدام بعد الحرب العراقية الإيرانية. ورغم أنها "جمهورية إسلامية" فإن إيران لم تبد يوما استعدادا حقيقيا لاستغلال الفرصة التي أتيحت لها للتأثير على صنع القرار في العراق من أجل تطبيق جزء بسيط من شعارات الثورة الإيرانية الداعية إلى وحدة الأمة الإسلامية، كما لم تبد من الولي الفقيه علي خامنائي أية مساهمة فعلية بعيدة عن التصريحات الجوفاء لتقريب الشيعة والسنة في العراق بعد ستة سنوات من تغير النظام. أما أمريكا فقد شغلها نهب الثروات العراقية عن أي تفكير في تحسين صورتها في هذا البلد فلم تفكر يوما مثلا في حل أزمة الكهرباء بمساعدة العراق على تطوير تكنولوجيا الطاقة البديلة وبمنحه محطات توليد للكهرباء على سبيل الهدية أو القرض معدوم الفائدة، كما لم تسع إلى توفير حماية لمحطات الكهرباء الموروثة من المسلحين تضاهي الحماية التي تحظى بها المنطقة الخضراء أو أصغر القواعد العسكرية. ولقد لمست استخفافا من مارغاريت بيكيت وزيرة الخارجية البريطانية السابقة حين سألتها عن أسباب استحالة دعم العراق بالتكنولوجيا النووية السلمية أو بتكنولوجيا الطاقة البديلة المتجددة (الشمسية) لحل أزمة الكهرباء. ومن بين حكومات دول الجوار فإن أنظمة السعودية وإيران وحتى سوريا والأردن هي الغابة التي تخفي شجرة الزقوم، فالمركزون على أدوار الدول المذكورة يتجاهلون دور جار آخر صغير بعدد سكانه ومساحته كبير بحجم ثروته المهولة؛ جار يتهم العراقيون حكومته بالتآمر عليهم خفية منذ ربع قرن تقريبا وربما منذ أطلق عبد الكريم قاسم صيحته الشهيرة قبل خمسين سنة بأن الكويت جزء من العراق. وموضوع هذا المقال ليس إثارة التهم المجانية ضد هذه الدولة من غير دليل بقدر ما هو فرصة لإثارة موضوع لا تحب الصحافة التقليدية إثارته لأسباب كثيرة بعضها له علاقة بالطمع والرغبة. ورغم أنه لا شك في أن للنظام الكويتي الحق الكامل في حماية نفسه من أطماع جيرانه فيه فإن إضعاف هؤلاء الجيران والاستقواء عليهم بالغرب ومطاردتهم وهم في شغل عنه بمشاكلهم ليس هو الطريق الأصلح استراتيجيا لحماية كيان الكويت، فنتائج مثل هذا المنهج طويلة الأمد شديدة الخطر وإن كانت ثماره المسمومة سهلة القطف على المدى القصير. إن استقراء محايدا لتاريخ الدبلوماسية الكويتية منذ وصول البعث إلى الحكم على الأقل يخلص إلى أن هذه الدبلوماسية كانت دائما تعاني من مشكلة التطرف في المواقف خصوصا تجاه العراق الذي تحابيه باستماتة حين قوته وتسعى إلى إهانته بنفس الاستماتة حين ضعفه. فتاريخ التعاون المطلق غير المشروط بين الحكومتين العراقية والكويتية ضد المعارضة في البلدين يكشف إن تمت دراسته بروح من التجرد تجاوزات كثيرة ذهب ضحيتها رموز المعارضة من الطرفين. وكما يقول ضابط سابق في المخابرات العراقية يعيش في أوروبا فإن الكويت قامت باعتقال العديد من العراقيين المقيمين فيها وسجنهم مددا طويلة أو طردهم وتبادل المعلومات عنهم مع مخابرات صدام وكانت أجهزتها هي التي تلفق التهم لهم أحيانا إرضاء لنظام البعث، ولعل أشهر مثال على ذلك مثال الكاتب والشاعر العراقي أحمد مطر الذي تم إبعاده من الكويت إلى أوروبا إرضاء للرئيس الراحل. وخلال الحرب العراقية الإيرانية أنفقت الكويت على تسليح الجيش العراقي أموالا كبيرة لم تكن لتنفقها لولا أنها كانت تفعل ذلك بالوكالة عن الولاياتالمتحدة لدرء ما يسمى بالخطر الإيراني في عز قوة المعارضة الشيعية في الكويت والتي ليس سرا أنها نجحت في استهداف موكب الأمير السابق وضرب المصالح الاقتصادية لحكومته عدة مرات محاولة ربما إجبار الكويت على وقف تمويل الحرب على الجانب العراقي. وفي تلك المرحلة وصل هيام الطبقة الحاكمة في الكويت بالنظام العراقي إلى درجة كانت فيها صحف الدولة مسخرة للدفاع الأعمى عن سياسات البعث غير الموفقة بل وأطلقت الشيخة سعاد آل صباح قولتها المشهورة: "أنا امرأة من جنوب العراق". ولم تكن المشكلة في دعم الكويت لنظام صدام حتى في أخطائه القاتلة بقدر ما كانت في حجم ذلك الدعم ومدى تطرفه، فتجربة الكويت مع المد الناصري وحركة القوميين العرب وانفتاحها أيام حكم عبد الله السالم مع تأثر مجتمعها بكل الأطياف الفكرية والإيديولوجية في العالم جعلت حكومتها تعتقد بأن البراغماتية المطلقة واللعب على كل الحبال هي أسهل وأضمن الطرق للسباحة في كل الأمواج فكان مقياس الولاء هو قوة الطرف الموالى ومقياس الجفاء ضعف ذلك الطرف. فكانت الحكومة تدعم الناصريين وتقربهم أيام عبد الناصر ثم فعلت نفس الشيء مع البعثيين أيام مجد صدام ثم انقلبت أمريكية الهوى منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية والحرب البادرة بين الأمريكان والسوفييت، وما كانت تلك كلها إلا شعارات وسياسات زائفة كانت تخفي رغبة النظام السياسي في البقاء مع تقلب مفاجئ يسيء لصورة النظام وكذلك للشعب. وكانت السياسة الكويتية ولا زالت قائمة على رشوة قادة الدول والجماعات التي تخشى على نفسها منها، وكان من بين سلبيتها أن الحكومة الكويتية حين كانت تغير موقفها من طرف كان قويا فضعف لم تكن تفرق بين القادة الذين كانت تنفق عليهم المال بسخاء ثم تنقلب عليهم أو ينقلبون عليها وبين الشعوب التي ينتمي إليها هؤلاء القادة. ولذلك صدرت تعليمات للسفارات الكويتية في الخارج بمقاطعة الفلسطينيين نهائيا ومطاردتهم إن أمكن بعد ما سمي بتحرير الكويت (واستخدام عبارة التحفظ سببه هو أن الكويت للأسف الشديد لم تتحرر على أيدي أهلها بل على يد محتل أكبر)، وقد أخذ الفلسطينيون بجريرة الراحل ياسر عرفات رغم أن أكثرهم لم يكونوا يدينون بولاء مطلق لحركة فتح التي استخدمت منظمة التحرير غطاء لمساندة احتلال الكويت. والعجيب أنه لا حديث اليوم عن الوثيقة السرية التي ادعى النظام العراقي أنه وجدها في إحدى القصور الكويتية والتي تتضمن محضرا لاجتماع سري بين وليام وبستر وفهد أحمد الفهد وهما رئيسا جهازي المخابرات في أمريكا والكويت والتي تضمنت تفاصيل خطة لإضعاف العراق بعد خروجه من الحرب مع إيران. كما أن من العجيب أيضا عدم مناقشة المؤرخين بجدية لدعاوى العراق بأن الكويت كانت تمتص مخزونه البترولي على الحدود ولا التساؤل عن المبرر الذي كانت الكويت تقدم وفقه الأموال الطائلة للعراق أيام حربه ومناقشة الحجتين الكويتية بأنها كانت ديونا والعراقية بأنها كانت مساهمة في الحرب ضد الخطر الإيراني، مناقشتها بتجرد وإنصاف وبعيدا عن نفوذ البترودولار. وتبدو مبررات الكويت واهية خصوصا وأنها استخدمت الحجج الشريفة وغير الشريفة للدفاع عن قضيتها بعد الغزو، وكانت من تلك الحجج التي لا يمكن القول إنها شريفة استخدام سفير الكويت في واشنطن ووزير الإعلام بعدها سعود ناصر الصباح لابنته نيرة للتمثيل على أعضاء مجلس الأمن وإيهامهم بأنها طفلة كويتية قتل العراقيون أهلها وتمكنت المقاومة من تهريبها. كما أن من الحجج التي استخدمتها الكويت بعد خروج القوات الأمريكية منها قضية الأسرى التي ملأت بها سماء الدبلوماسية والإعلام ليل نهار ثم توقفت عن الحديث عنها فجأة وكأن هؤلاء الأسرى تبخروا في صحراء العراق. وقد سألت أحد الدبلوماسيين الكويتيين عن هذا الأمر قبل مدة فقال إن الصحف الكويتية لا زالت تتحدث عن هذه القضية وعجز عن تفسير سبب سكوت حكومة بلده عن الحديث عنهم بعد احتلال العراق. وليس تمويل طلعات الطيران الأمريكي نحو العراق وتزويدها بالكيروسين المجاني ولا بناء قواعد أمريكية يضرب منها البلد الجار الوسيلة الوحيدة التي استخدمها نظام الكويت لاستهداف العراق حكومة ومدنيين، بل إن حكومة الكويت فتحت مراكز إعلامية في كل دول العالم لتمويل الحرب الدعائية ضد العراقيين وكانت تنفق أموالا طائلة وبلا حدود على نشر كتب دعائية ليس لها أية قيمة أكاديمية أو صحفية لترويج الأكاذيب ضد العدو المفترض أنه أصبح منهكا. وكانت هذه الكتب التي لا تجدها عادة إلا في السفارات الكويتية أو المهرجانات المؤيدة للكويت توزع مجانا، كما كان كتابها في العادة يتلقون مبالغ كبيرة عليها. وليس هنالك دليل أقوى على أن المراكز الإعلامية المذكورة إنما أنشأت للتآمر على نظام العراق من أنها أقفلت جميعها بعد احتلال البلد الجار القوي بعد الفساد الكبير الذي عرفته نتيجة تواطؤ مديريها واختلاس بعضهم للميزانيات الضخمة المرصودة. وقد كرست هذه السياسة للأسف الشديد تلك العزلة التي يعيشها الشعب الكويتي الذي بدأ ينظر لجيرانه وأبناء ملته على أنهم حاقدون متآمرون عليه متأثرا بوسوسات إعلامه المحلي، كما فتحت تلك السياسة الباب واسعا أمام أحاديث صالونات غير مؤكدة المصدر مثل ما قيل من أن أمير البلاد السابق هدد نائب رئيس الجمهورية العراقية السابق عزت الدوري بجعل ماجدات العراق عاهرات. وفي دول الغرب عملت الآلة الكويتية على استعداء الغرب على العراق كل الوقت فصرح سفيرها في لندن خالد عبد العزيز الدويسان للبي بي سي سنة 2001 بأن لديه معلومات دقيقة لا غبار عليها بامتلاك العراق لأسلحة نووية. وتشبه تصريحاته تلك والتي كانت موضوع عدة اجتماعات بينه وبين موظفين كبار في الخارجية البريطانية ما نسبه له أحد سفراء الدول النفطية المعينين حديثا في رتبته، والذي أخبرني بأن الدويسان نفى أخيرا في اجتماع مع دبلوماسيين بريطانيين وبحضور نظراء عرب أي خطر لإسرائيل على بلاده مؤكدا أن الخطر الحقيقي يأتيها من إيران. وإذا كان المنقول عن السفير الدويسان صحيحا فإن ذلك يفسر استضافته ودعمه المالي لمنظمات بريطانية تنشط بالشراكة مع جهات إسرائيلية ويعطي ذلك الدعم معنى خطيرا. وبالرغم من أن سفير الكويت صرح عدة مرات لجرائد غربية بأنه لا بد من منح الفرصة للعراقيين لحل مشاكلهم فإنه لم يتورع في إحدى الاجتماعات التي تزامنت مع الانتخابات العراقية الأخيرة والتي أشرف عليها صلاح الشيخلي سفير العراق السابق في بريطانيا ومستشار مسعود برزاني حاكم إقليم العراق حتى وقت قريب، لم يتورع الدويسان عن التدخل السافر في شؤون العراق بأن اقترح أن تكون لهذا البلد حكومة سنية تحكم مدة ثم تعقبها حكومة شيعية وهكذا دواليك وما أسخفه من تدخل سافر في شؤون دولة من المفروض أنها دولة سيدة. والواضح أن العراق اليوم ضحية للمدد الطويلة التي قضتها معارضته خارجه مستفيدة من دعم الدول التي أصبحت اليوم تتدخل في شؤونه وشؤونها، ولذلك ترى أن بعض العراقيين يستميتون اليوم في الدفاع عن الفصل السابع المجحف في حق العراق والمحمل إياه تبعات أخطاء نظامه السابق. ومن قبيل هذه المهازل أن يدافع علي البياتي أخو حامد البياتي السفير في نيويورك وهو كأخيه دبلوماسي في الخارجية العراقية وعضو في المجلس الإسلامي الأعلى على إبقاء الفصل السابع لأن العراق حسبه عجز عن استيفاء شروط رفعه عنه خصوصا فيما تعلق بالكويت. ولا أدري أية حكومة دولة هذه التي يدافع دبلوماسيوها وقياديو أحزابها الكبيرة عن العقوبات المسلطة ضد بلادهم. وربما يأتي البياتي بتفسير لسبب موقفه هذا ويخبرنا هل له علاقة بإيواء الكويت لأعضاء حزبه بعد انتفاضة البصرة بداية التسعينيات وهل أن الحزب يدفع سيادة العراق ثمنا للدعم الذي حصل عليه كما يفعل هو وغيره مع بريطانيا وأمريكا وإيران والسعودية، أم أن للأمر علاقة بما قيل عن تدخل دول نفطية لتمويل الحملات الانتخابية لبعض القوائم ومنها قائمة حزبه. وشخصيا لدي معلومات مؤكدة أن سياسيين عراقيين كاتبوا موظفين دبلوماسيين كويتيين لطلب الدعم المالي لحملاتهم الإنتخابية. إن الفصل السابع كما قلت لمايكل آرون السفير السابق في الكويت ونائب الرئيس الحالي لادارة الشرق الأوسط بالخارجية البريطانية إنما يظل سيفا معلقا على رأس العراق ليس لأن الكويت لها تأثير على صناعة القرار الدبلوماسي في العالم بل لأن أمريكا وبريطانيا عضوا مجلس الأمن يريدانه أن يستمر كذلك إبقاء للعراق تحت السيطرة، ولو أرادت أمريكا وبريطانيا أن ترفع عن العراق عقوبات الفصل السابع لفعلتا بترضية شكلية تتنازل الكويت فيها عن أموالها دون قدرة على الاعتراض. وإن توهم الدبلوماسيين الكويتيين وصانعي القرار هنالك بأن المجتمع الدولي يقع تحت النفوذ المالي لبلادهم هو ضحك على أنفسهم قبل أن يكون ضحكا على الآخرين سببه الإصابة بالغرور النفطي الذي يتسبب غالبا في اتخاذ قرارات حمقاء تؤدي إلى تراكم الأحقاد التي يدفع ثمنها في الأخير الشعب الكويتي الطيب الشقيق. وآخر هذه الحماقات الحجز على ممتلكات الشركة الجوية العراقية بما دفعها إلى الشروع في إجراءات إعلان الإفلاس. إن الدفاع عن حقوق أو مصالح دولة في دولة أخرى لا يتم برشوة كوادر تلك الدولة وإغراقهم بالهدايا وتوظيف أبنائهم في مؤسسات كبيرة وتجاهل رأي الشرائح الواسعة من المجتمع التي تعتبر قنبلة موقوتة في بلد كالعراق متقلب مرشح للانفجار وإن الأنباء الواردة عن قرب نبوض أحد أهم آبار البترول في الكويت يجب أن تكون الدافع لحكومة هذا البلد لمراجعة سياستها الخارجية لكي لا يدفع شعبها ثمن أخطائها. أذكر أنه قبل سنوات تحدث نائب رئيس جمعية الهلال الأحمر الكويتي عن حجم المساعدات المقدمة للعرب بنبرة كلها من وأذى عليهم وحين سألته عن مبلغ المليار دولار الذي دفع نقدا للحكومة الأمريكية بعد إعصار كاترينا كان رده هو وزوجته الأمريكية أكثر سوءا فاتهم العرب اتهامات خطيرة ودافع عن الحكومة الأمريكية بحماس؛ أرجو ألا يكون رد الفعل الكويتي على مقالي بنفس سوء رد المذكور وزوجته.