انسحب الرجلان ، ظلا يمشيان حتى وصلا إلى حدود النيل الشرقية ، كان المكان هادئا ، ركن يلوح من بعيد لعمل بعض الأطعمة الشعبية ، هناك بائع شاى متجول ، صغار متناثرون هنا وهناك مستغرقون فى اللعب ، مقاعد تجمع الأحبة ، بائع ترمس صغير تكسو ملامحه سمرة خفيفة الظل اختار شهريار أحد المقاعد ، أعطى وجهه لصفحة الموج المترقرق استغرقه تأمل المشهد ، بينما كان مسرور قد تركه ليلعب الكرة مع بعض الأطفال ، ناداه فى تهكم ثم زجره وهدده بألا يعود لطفولته ذات لحظة حتى لا تطير رقبته والسلام ختام أومأ برأسه فى بعض من الكبت شهريار : أترى ذلك المشهد يا مسرور؟ -نعم مولاى أسمع وأرى كل شاب يجالس فتاة - وكيف يترك الآباء بناتهم هكذا لساعات متأخرة من الليل مع شبان غرباء؟ - لست أدرى يا مولاى لكن بديهى أن عاداتهم وتقاليدهم تسمح لهم الآن بفعل ذلك - لكننى أعلم أن النساء هنا فى بلادنا كانت تلتزم بنقاب أو برقع تخبىء من خلفه عينيها - لكل زمن أحواله يا سيدى - نعم أعرف يا غبى ، لكنه يمسك يدها - نعم يا مولاى ويعطيها زهرة أيضا ، ثم خفض صوته مغمغما :هكذا تعامل النساء - بماذا تثرثر أيها الغبى؟ - لا شىء يا مولاى - هيا بنا فقد بدأت نيران غضبى تتقد - هيا يامولاى - أنا تعبت ألا نعود الآن؟؟ - بلى يمكننا العودة كانت شهرزاد حين عاد مليكها منشغلة كالعادة فى مداعبة قطتها السيامية ، تسرح بيدها شعرها الكثيف ، ومرة أخرى تجذبها من ذيلها الذى لا يكف لحظة عن اللعب بدوائر الفراغ تنحنح معلنا وصوله ، تهتز أركان القصر الملكى ، شهرزاد لا تعبأ بوصوله كثيرا فقد تغيرت طباعه يقف بجوارها محدثا ضجيجا متعمدا - لقد جئت يا حبيبتى - أعلم سيدى - تعلمين وتظلين جالسة دون أن تؤدى التحية ؟ - زمن الانحناءة قد ذهب - من قال ذلك؟؟ - قاسم - قاسم؟؟ - نعم ، قاسم أمين - صرخ بملء صوته : اقبضوا على هذا الشرير الذى يريدها انقلابا - أى انقلاب تتحدث عنه سيدى ؟ - امرأة لا تنحنى لزوجها ومليكها؟ عجبا لما يقول هذا الأعمى - ليس أعمى سيدى إنه ينادى بالتحرر ، ثم ......ثم إنه مات من سنين ... - أطرق مفكرا ..... أكان يقبل تطبيق آرائه على أهله وذويه؟؟ وخاصته؟ - سمعت أنه تراجع عن ذلك فى أخريات عمره - كيف كان ذلك؟؟ - ألف كتابا فى تحرير المرأة ثم انتشر وذاع واشتهر لكن قام أحدهم بزيارته يوما ولما طرق الباب خرج قاسم و قال له: من أنت وماذا تريد ؟ قال الرجل : أنا ضيف ، صديق امرأتك وأريد أن أخلو بها لأحدثها بمسألة ما ،، طبعا وجه قاسم أتى بألوان الطيف جميعا ، واشتد جنونه وعلا صوته وقال : اخرج من هنا أيها الحقير ،، ليس بيتى مرتعا للمجون ، رد الرجل فى برود زائد ، أليس هذا كلامك أنت؟؟ أجابه أأنا قلت ذلك؟؟ قال : نعم فى صفحة كذا وكذا وكذا وما مضى الرجل حتى جعل قاسما يندم أنه كتب ذلك ويعتذر أمام نفسه لكل حرف سجله فى هذا الشأن .... هذه الفترات كانت تواكب ثورة صفية زغلول حين قادت ثورة تحرير المرأة وخلعت نقابها وأحرقته ...وطالبت للمرأة بالبرلمان والتعليم والخروج سافرة ومشاركة الرجل مجالات الحياة ..... - كفى عن هذا يا شهرزاد ، أشعر ببعض الضجر من سوء الحال والمآل ....رأيت اليوم ما يكفى لأن أحزن طوال العمر - وماذا رأيت ؟؟ - رأيت قتالا على الطعام ، سوء حكم فى البلاد ، فقر ساد وحزن وفساد ...غيمة يأس تنثر قطرها هنا فى قلوب أهل البلاد .... - انفجرت شهرزاد ضاحكة ، متسائلة : وما الذى ترتديه يا مولاى ؟ ألبست من ملابسهم؟؟ - نعم نعم فقد صرت مسخرة بينهم يا رقيقة القلب ، مثلما تعلمنا منهم كل مخترعاتهم علينا أن نجرب ملابسهم ولهجاتهم وأطعمتهم - لن نخسر بالتجربة شيئا يا مولاى لنجرب وننظر ماذا سيكون الأمر