امرأة عارية جردت من جميع ملابسها ما عدا ملاءة لفتها حول جسدها في محاولة مستميتة لاخفاء عوراتها عن اعين الجيران الذين تجمعوا لرؤية ما يحدث ... يجرها من شعرها خلفه ليرميها خارج باب العمارة قبل ان يعود ادراجه الي شقته غالقا عليه بابه متمتما بأشنع الالفاظ لاعنا اليوم الذي عرفها فيه .. تركها في حالة يرثي لها ملقاة في الشارع لا تسترها الا تلك الملاءة ,, تغطي جسمها الكدمات ,, وتتفحصها اعين المارة والجيران في شفقة ملحوظة .. افاقت لتجد نفسها مستلقية علي سرير في غرفة جدرانها بيضاء ,تأملت المكان وهي تشعر بالالم والارهاق يغزو جسدها ,, التفتت لتجد والدها وقد انكب عليها يتفقدها وهو في غاية القلق.. تمتمت بضعف -انا كويسة يا بابا متقلقش عليا .. -حمد الله علي سلامتك يا حبيبتي ,, متتعبيش نفسك انا واخوكي هنتصرف مع الحيوان ده وهنجيبلك حقك و قاطعته قائلة - انا مش عاوزة حاجة يا بابا انا عاوزاك بس تطلقني منه في اسرع وقت .. -هيحصل ان شاء الله ارتاحي دلوقتي ومتفكريش واحنا هنتصرف .. اغمضت عينيها باحثة عن الراحة التي ضاعت منها منذ فترة لا تعلمها , ودت لو انها استطاعت الرجوع بالزمن للخلف قليلا ربما لم تكن لتتزوج من هذا الوغد ,, او تتخلي عن حبيبها او لرحلت خلف امها تاركة كل شئ لاعنة الدنيا وما فيها ... بقيت في وضعها فترة تسبح في الذكريات .. التفتت لتجد والدها مستلقي علي كنبة بآخر الغرفة نهضت من سريرها واتكئت علي الحائط لتذهب الي الحمام .. في الداخل اغلقت علي نفسها الباب وراحت تنظر لنفسها في المرآة , وجدت امامها شبحا باهتا لم تري فيه ملامح توحي بارتباطه يوما ما بالانثي التي كانت عليها .. تذكرت كيف كانت .. فيوما ما كانت تلك الفتاة التي تسلبك عقلك وروحك وتزهق انفاسك وكانت محط انظار الجميع ..فكم سمعت غزلا في عيونها العسلية الواسعة , وقوامها الممشوق , وانفها الدقيق , وشفتاها المليئة المكتنزة ... بدأت تتساقط دموعها في صمت حتي ارتفع صوتها بالبكاء ووصل الي ابيها الذي استيقظ مذعورا -دعاء انتي كويسة -ايوه يا بابا متقلقش ارجع كمل نوم مفيش حاجة .. عاد ابراهيم الي مكانه وعيناه معلقتان علي الباب في انتظار خروجها ... لكم يؤلمه الان شعوره بالذنب تجاهها فهو من اجبرها علي ذلك لكنها لم تترك له خيارا اخر هي ايضا مسئولة بعض الشىء عما وصلت اليه وكذلك هو ... في الداخل كانت هي الاخري غارقة في افكار لكن من نوع اخر , تذكرت خالد حبيبها وكيف تخلت عنه , وتذكرت والدتها وكيف رحلت هي الاخري عنهم ,, زواجها من محمود وعذابها معه اعتصرها الالم حينما رأت كيف كانت وكيف امست ... كانوا عائلة سعيدة يغبطها عليها الحميع لكن هدم كل هذا في لمح البصر حينما قررت امها بدون اي اسباب الرحيل وتركهم لتوسمهم الي الابد بالبؤس والهم ... لا تدري كيف اصبحت ايامهم من بعدها فاصبح والدها عصبي متقلب المزاج وكذلك اخوها هي ايضا لم تبق علي حالها ,, ذبلت سريعا وانكسرت روحها ,, باتت تكره الجواز وتلعن الحب وترفض كل من يحاول فقط الاقتراب منها .. اما في جامعتها فقد عزلت نفسها عن الجميع عدا صديقة واحدة لها منذ ايام طفولتها تعرفها جيدا ,, لكن ها هو يأتي ليقتحم عليها حياتها دون استذان او اعلان مسبق .. كان يلاحقها يوميا في كل مكان حتي سنحت له الفرصة يوما ان يتحدث معها حينما كانت تتظر صديقتها .. -علي فكرة انا عارف عنك حاجات كتير وعارف انتي بتعملي كده ليه وبتهربي ليه -وعرفت منين ؟! -مش مهم , المهم اني عرفت وعاوزك تعرفي اني مستحمل كل ده عشان عاوز اعرفك بجد ومش عاوزك تفضلي كده كتير . -كده ازاى ؟! - لوحدك .. -عيش في سلام مع نفسك ترتاح -عارفة انتي الخوف من الوجع ممكن هو نفسه يوجعك قد ايه ؟! لم تلتفت كثيرا لجملته الاخيرة ,, جمعت اشيائها وحملت نفسها بعيدا عنه ... اللعنة ..!!! قالتها لنفسها وهي تنظر في المرآة ,, لماذا تجتاحها كل تلك الذكريات الآن ؟! تمر عليك اوقات تحتاج فيها لكل تفاصيلك القديمة وذكرياتك , ربما يذكرك شيئا منها بما كنت عليه , بنفسك القديمة او ليحثك ان تكون افضل. تركت نفسها مرة اخري لذكرياتها .. استمرت مطاردته لها ,, كم كانت تتصارع بداخلها المشاعر المتناقضة كانهما بلدتين اعلنتا الحرب علي بعضهما البعض داخل قلبها . احاهما تريد رفع الراية البيضاء وتسليم قلبها له والاخري تقسم بأن جينات والدتها موجودة بها هي الاخري وربما به هو ... طال هروبها منه ومن لهيب عينيه الذي يطوف ارجائها لا تتذكر كيف سمحت له بتجاوز كل تلك الخطوط التي وضعتها لنفسها طوال سنوات , وكيف استطاع تخطي ذلك الستار الذي طالما حجبها عن الناس واسقط حصونها واحدا تلو الاخر .. لم تتذكر الا كيف انتشلها من ظلمات حياتها وظروف اهلها وكيف جعلتها كلماته تستشيط كالبركان .. حينما تمت خطبتهما بدات تستعيد معه روحها قليلا ولكنها بالرغم من ذلك ظللمته كثيرا وكانت كثيرة الغياب عنه قليلة الكلام .. مازحها مرة قائلا -عارفة انتي بتفكريني بايه ؟ -ايه ؟! -انتي عاملة زي الوان الطيف بشوفها في السما كل فترة وبفرح بيها اوي بس عمري ما عرفت امسكها .. وعمرها ما بتفضل دايما موجودة مع انها عارفة انها بتبسطني وبتلون حياتي وهي موجودة بس بتمشي .. كانت تؤلمها كلماته كثيرا ودت لو استطاعت الآن الابتعاد عنه فلم تتحمل مسئولية حبه لها ومشاعره تجاهه ليست بنفس قوة مشاعره .. تيقنت ان جينات والدتها سرت اليها وطغت عليها و اتخذت ذات ليلة قرار الابتعاد اكتفت من شعورها بالذنب تجاهه ,, واكتفت من تأنيب الضمير وتخلصت منه سريعا قبل ان يجمعهما قفص واحد .. ساءت علاقتها بابيها الذي لم يجد مبررا واحد لما فعلته , ولم يعرف كيف يرد علي هذا المسكين الذي لم يتوقف عن الاتصال به باحثا عن سبب لما يحدث ربما يستطيع اصلاحه حتي يأس فرحل ... انقطعت عنها اخباره بعد ذلك وافاقت لتجد نفسها في بيت رجل غريب اجبرها ابوها واخوها علي الزواج منه بعد فترة متعللين بكلام الناس وحتي لا يفوتها القطر .. ولم يعلما ان ذلك القطار يسحقها كل يوم تحت قضبانه وتتسرب منها بواقي روحها ... لم ترد استعادة ذكرياتها مع ذلك الاحمق الذي تزوجته فمنذ تم ذلك لم تجد منه الا الضرب والاهانة .. يا الله ...!!! كانها تعاقب علي هذا الذي ظلمته يوما ما لكن ما اشد عقابها ,, شعرت بالدوار فاستندت الي الحائط تشعر بسحر كلماته العفوية التي حفظتها عن ظهر قلب يعاودها ,, فكم كان يمتلك كنز من الاحاسيس والكلمات خرجت اخيرا من الحمام لتجد ابيها واخيها في انتظارها -ايه يا بنتي كل ده قلقتينا عليكي .. -معلش يا بابا انا كويسة ,, كلمتوه ؟!! -اخوكي اتكلم معاه وفيه شوية مشاكل متشغليش انتي بس بالك شدي حيلك واخرجي من هنا وانا هتصرف ... - اخرج ! انا حاسة انى هموت يا بابا -بعد الشر عليكي يا حبيبتي متقوليش كده ان شاء الله تطلعي واحسن من الاول ... لم تعد تملك الآن الا نفسها حتي تلك كانت تمل منها احيانا كثيرة ,, واستوطن الحزن روحها ليتها تجد عينيه الآن لتهتدي بها في تلك العتمة التي ملئت روحها او ليرتب الفوضي التي حلت بقلبها ... وضعت رأسها علي وسادتها وهي تتمتم -الموت عمره ما كان شر يا بابا اغلقت عينيها باحثة عن طيفه بخيالها فلم تجد الا طيف امها تبتسم لها .................