سيمنح التونسيون نصيبا من السلطة لحزب "إسلامي" حين يدلون بأصواتهم الأحد في انتخابات ديمقراطية تاريخية، والتي قد تحدد النموذج لدول عربية أخرى هزتها انتفاضات "الربيع العربي". وأجبرت تونس- مهد الثورات التي أعادت تشكيل المشهد السياسي بالشرق الأوسط- الرئيس زين العابدين بن علي في يناير/كانون الثاني على الفرار إلى المملكة العربية السعودية، وبدأت مسيرة التحول إلى الديمقراطية. وأتاحت الحريات الجديدة لحزب النهضة الإسلامي المعتدل- الذي حظره بن علي- أن يبرز كصاحب أفضل الفرص في الانتخابات، لكن هذا يثير القلق بين النخبة العلمانية في البلاد التي تعتقد أن قيمها الليبرالية مهددة. وفي ظل الأهمية الكبيرة للانتخابات، تثور مخاوف من أن أدنى تشكيك في شرعيتها قد يدفع أنصار الأحزاب المتنافسة للنزول إلى الشوارع للاحتجاج. وتقول الحكومة انه سيتم نشر 40 ألفا من الشرطة والجيش للحيلولة دون تحول أي احتجاجات إلى أعمال عنف. ويقول أصحاب المتاجر أن المواطنين يخزنون الحليب والمياه المعبأة تحسبا لان تتسبب أي اضطرابات في تعطيل الإمدادات. وقال كامل جندوبي المدافع عن حقوق الإنسان والذي نفاه بن علي لمدة 17 عاما ويتولى الان مسؤولية إدارة انتخابات الأحد "الانتخابات هي حفلة كبيرة سيحتفل بها الجميع أيا كانت النتائج." لكنه قال أن أي إخفاق في العملية الانتخابية "سيكون بمثابة الكارثة لشمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط." وأضاف "يجب على التونسيين ان ينهضوا بهذه المسئولية المهمة لإنارة طريق الديمقراطية لشعوب المنطقة." وقبل عشرة اشهر، كان راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي يعيش في المنفى في لندن وكان المئات من إتباعه في السجن. ومنذ ذلك الحين استغل حزبه وجود رغبة بين كثير من التونسيين لوجود زعماء يعبرون عن عقيدتهم الإسلامية بعد سنوات من العلمانية التي فرضها بن علي بقوة. وقال موظف حكومة بالمعاش يدعى مختار بحريني (56 عاما) "اخترت التصويت لحزب النهضة لأنهم الأقرب إلى الإسلام." وعبر الحزب عن تسامحه بأن اختار امرأة تخلت عن الحجاب لترتدي نظارة سوداء وقبعة بيضاء رياضية عصرية لتكون إحدى مرشحاته. لكن العلمانيين في تونس- التي وصف أول رئيس لها بعد الاستقلال الحجاب بأنه "خرقة بغيضة"، وحيث ابقي الدين دائما بعيدا عن السياسة- لا يثقون في تأكيدات حزب النهضة. ويتوقع البعض تضاؤل حقوق المرأة وشن حملة على الحانات ودور السينما رغم أن حزب النهضة ينفي وجود مثل هذه الخطط. وأدت احتجاجات عنيفة الأسبوع الماضي على بث فيلم اعتبره "الإسلاميون" تجديفا إلى تعميق قلق العلمانيين. وقال سائق سيارة أجرة يدعى سمير إياد (30 عاما) "أنا شخصيا لا أؤيد الحزب الذي يتحدث باسم الإسلام.. أريد حزبا من اليسار يضمن الحريات التي اكتسبناها بعد سنوات عديدة من القمع." ويدلي الناخبون التونسيون بأصواتهم لانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد واختيار هيئات تنفيذية مؤقتة جديدة وتحديد موعد لجولة جديدة من الانتخابات. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب النهضة سيحصل على ما بين 15 و25 في المائة من الأصوات، وان اقرب منافسيه سيتخلف عنه بنسبة كبيرة. وقال دبلوماسي غربي طلب عدم الكشف عن هويته "اعتقد انه يمكن القول بأن من المؤكد أن يكون (حزب) النهضة اكبر حزب دون الحصول على الأغلبية." ومن المرجح أن تعقب الانتخابات أيام أو أسابيع من المساومات. وسيحاول النهضة إبرام اتفاقات مع أحزاب أخرى لتشكيل أغلبية في حين سيحاول منافسوه العلمانيون تهميشه من خلال بناء تحالفات خاصة بهم. ومع احتمال أن يكون الحزب الأكبر، فمن المرجح أن يشكل حزب النهضة ائتلاف أغلبية. ولكي يفعل ذلك فقد يحتاج إلى ضم بعض الأحزاب العلمانية وهو ما سيؤدي إلى تخفيف النفوذ الإسلامي. وقال كريسبين هوس مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة اوراسيا البحثية "عدم وجود تفويض انتخابي واضح سيؤدي على الأرجح إلى الاعتدال وليس لتغيير راديكالي." وإذا وصل حزب النهضة إلى السلطة، فسيكون ذلك أول فوز للإسلاميين في العالم العربي منذ فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في انتخابات عام 2006 في الأراضي الفلسطينية. وقبل ذلك فاز الإسلاميون في الانتخابات التشريعية بالجزائر عام 1991، لكن الجيش ألغى نتائج الانتخابات وأعقب ذلك اندلاع صراع مرير. ويفتخر التونسيون بحقيقة أنهم يجرون أول انتخابات حرة وسيفتحون طريقا جديدا للعالم العربي، لكن البهجة غائبة عن الشوارع. فالمشكلات التي كانت السبب في اندلاع الثورة والمتمثلة في البطالة والفقر لا تزال قائمة بل إنها تفاقمت لان الثورة جعلت عددا كبيرا من السائحين يحجم عن الذهاب إلى تونس. وأيا كان الفائز في انتخابات الأحد فسوف يتعين عليه أن يعالج تلك القضايا إذا كان للثورة التونسية أن تنجح.