أكد الدكتور محمد مختار جمعة ، وزير الأوقاف ، على أهمية إحياء المناهج العقلية في التعليم وإحلال مناهج التفكير محل مناهج الحفظ والتلقين ؛ لأن الجماعات المتطرفة بدأت بالتلقين والحفظ في مسائل الأحكام الجزئية ، وعدم إعمال العقل والمناقشة ؛ لأن العقلية التي تفكر وتناقش لا تنقاد وراء هؤلاء ، ضاربًا بعض الأمثلة والنماذج التي تبين عظمة الفهم المقاصدي للنصوص الشرعية ، وذلك من خلال فهم حديث النبي "صلى الله عليه وسلم" : ” إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ” . وقال وزير الأوقاف ، خلال كلمته أمس بالصالون الثقافي الذي نظمته كلية الغات والترجمة بجامعة الأزهر بمشاركة حشدًا غفير من الطلاب والأساتذة تحت عنوان"تجديد الخطاب الديني" : أنه لو وقفنا عند ظاهر النص ، فماذا يصنع من يلبس ثوبًا يصعب الأخذ بطرفه ، كأن يرتدي لباسًا عصريًّا لا يمكنه من ذلك ؟ ، ولكن لو أخذنا بالمقصد الأسمى وهو تنظيف مكان النوم والتأكد من خلوه مما يمكن أن يسبب للإنسان أي أذى من حشرة أو نحوها ، لتأكدنا أن الإنسان يمكن أن يفعل ذلك بأية آلة تحقق المقصد وتفي بالغرض ، فالعبرة ليست بإمساك طرف الثوب ، وإنما بما يتحقق به نظافة المكان والتأكد من خلوه مما يمكن أن يسبب الأذى ، ومنها قوله "صلى الله عليه وسلم" : ” من أحيا أرضًا ميتة فهي له” ، فيقول الإمام أبو حنيفة (رحمه الله) : هذا منه "صلى الله عليه وسلم" تصرف بالإمامة – أي بصفته حاكمًا- فلا يجوز لأحد أن يحيي أرضًا إلا بإذن الإمام ؛ لأن فيه تمليكًا ، فأشبه بالإقطاعات ، والإقطاع يتوقف على إذن الإمام فكذلك الإحياء” . وتابع وزير الأوقاف : وعليه فلا يجوز لأحد أن يضع يده على قطعة من الأرض ويقول أحييتها فهي لي وبيني وبينكم حديث رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ، نقول له إن النبي "صلى الله عليه وسلم" تصرف في ذلك بصفته حاكمًا ، فلا يجوز لغير الحاكم إصدار مثل هذا القرار المتعلق بالحق العام ، أو المال العام أو الملك العام ، وإلا صارت الأمور إلى الفوضى ، إنما يجب أن يلتزم في ذلك بما تنظمه الدساتير والقوانين التي تنظم شئون البلاد والعباد ، ومنها قول النبي "صلى الله عليه وسلم" : ”لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ ”
والقصد من السواك طهارة الفم والحفاظ على رائحته الطيبة ، وإزالة أي آثار لأي رائحة كريهة مع حماية الأسنان وتقوية اللثة ، وهذا المقصد كما يتحقق بعود السواك المأخوذ من شجر الأراك يتحقق بكل ما يحقق هذه الغاية ، فلا حرج من فعل ذلك بعود الأراك أو غيره كالمعجون وفرشاة الأسنان ، أما أن نتمسك بظاهر النص ونحصر الأمر حصرًا ونقصره قصرًا على عود السواك ، ونجعل من هذا العود علامة للتقى والصلاح ، ونظن أننا بذلك فقط دون سواه إنما نصيب عين السنة , ومن يقوم بغير ذلك غير مستنٍّ بها , فهذا عين الجمود والتحجر لمن يجمد عند ظاهر النص دون فهم أبعاده ومقاصده . وأضاف وزير الأوقاف : فنحن في حاجة إلى قراءة مقاصدية وعصرية للسنة النبوية ، تتواكب مع روح العصر ومستجداته ، وتقرب السنة النبوية العظيمة إلى الناس بدلاً من الأفهام السقيمة التي تنفر الناس من السنة ولا تقربهم منها ، كاشفًا عن بدأ وزارة الأوقاف بالعمل على عدة محاور : منها الفقه المقاصدي ، وقواعد الفقه الكلية ، وفقه الألويات ، والمناهج العقلية ، حتى يمكن تفكيك هذا الجمود والوقوف عند ظواهر النصوص . لافتا في ختام كلمته إلى أن المحاضرات العامة والتثقيفية ، والأنشطة العلمية ، من أهم العمليات التعليمية ؛ لأنها تبني الشخصية ونحن في حاجة إلى بناء الإنسان حتى يسهم بحق في بناء الأوطان .