أكد الدكتور شوقي علام ، مفتي الجمهورية ، في رحلته الإيمانية التي تستهدف إزالة الخلل الناتج عن الفهم الخاطئ للسنة النبوية المطهرة ، أن أصحاب الفكر المتطرف يوجهون سهامهم دائمًا نحو الأمة في جرأة وسطحية ومجازفة ، متخذين من اختزال بعض الأدلة الشرعية وانتقاء مسائل محددة من التراث بفهم مغلوط ستارًا لدعم اتجاهاتهم الفكرية العقيمة . وأوضح مفتي الجمهورية خلال حواره اليومي الرمضاني في برنامج "مع المفتي" المُذاع على "قناة الناس" ، أنه لا يجوز بحال أن يتخذ حديث النبي صلى الله عليه وسلم :"مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" متكئًا يستند إليه في إطلاق مقولة الكفر على عموم الأمة أو أن يكون أصلًا لترسيخ الجمود لديهم ، وانفصالهم عن الواقع ، ومعاداة وبغض شركاء المجتمع وأخوة الإنسانية ؛ لأن المسلمين أبناء وقتهم ، وهم مأمورون بأخذ النافع من العلم والطيب من العمل وبذل البر والإحسان إلى الناس كافة ، وهي مقاصد جليلة ومعانٍ سامية لا يختلف عليها العقلاء . ولفت فضيلة المفتي : إلى أن مسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ترد على هذه المفاهيم المغلوطة والمجافية للواقع والخارجة عن عمل المسلمين سلفًا وخلفًا ، فقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم وصلى في جبة شامية ، بل أقر غيره من اليهود على صيام يوم عاشوراء بقوله صلى الله عليه وسلم: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَىَ بِمُوسَىَ مِنْكُمْ" ، فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، وصار على نهجه صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام ، ونجد مثلًا سيدنا عمر رضي الله عنه عندما فتحت البلدان في عهده لم يأنف من الاستفادة مما هو موجود من نظم عند الأمم الأخرى لأن الحكمة ضالة المؤمن ، فحاكى رضي الله عنه الأعاجم في عمل الدواوين من أجل بناء الدولة وتقوية أركانها . وأضاف فضيلة المفتي قائلًا : "إن هؤلاء المتطرفين يتوهمون أن الإسلام جاء ليضيق على الإنسان ويعزله عن العالم ، فقد غفل هؤلاء عن احترام الدين للعرف كما في قوله عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] ، وتناسوا مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لبيئة وثقافة وعادات الآخرين ، كما يظهر في امتناعه عن أكل لحم الضب ولم يحرمه ولكن قال صلى الله عليه وسلم: «لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه»، وفى المقابل نجد المتطرف يترك عادات مجتمعه ويخرج إلى ثقافات أخرى ويحاول التمسك بها وكأنها شرع ، وفى الحقيقة ليس عليها دليل في التمسك بها بذاتها دون غيرها ، ولا معيار لهذا إلا الهوى ؛ فنجده يرفض لبس "الدبلة" مثلًا بحجة أنها بدعة وتشبهٌ بغير المسلمين ، ويسعى لفرض ثقافات لشعوب أخرى كشكل جلباب معين أو شكل عمامة محددة . وحدد فضيلة المفتي : ضوابط الشرع الشريف الحاكمة في هذه القضية حتى لا يشوبها إفراط ولا يتخللها تفريط ؛ وهي تتجلى في أن التشبه المذموم شرعًا لا يقع إلا إذا كان محل التشبه حرامًا في نفسه ، كارتكاب المحرمات والمنهيات وترك المأمورات والواجبات . وأضاف فضيلته: "إن ما نراه من مظاهر يشترك في فعلها المسلمون وغيرهم من الأمور المباحة وشئون العادات والأعراف هي أمور مشروعة لا ممنوعة ؛ لأن مجرد وقوع المشابهة في أمر مباح في نفسه - كالعادات التي لا تتعارض مع الشرع الشريف - لا تستلزم وقوع التشبه المنهي عنه شرعًا". وشدد فضيلة المفتي : على أن الحكم بتكفير أي إنسان لا يكون إلا عن طريق القضاء ولا يتم إلا بعد التحقق الدقيق من الأمر وليس عن طريق التشبه غير المحرم . مختتمًا حواره بأن الإسلام يأمر المسلمين بالتميز بالأخلاق الحسنة والصفات الجميلة والشمائل الكريمة ، ومراعاة كرامة الإنسان ، والوفاء بالمواثيق والعهود ، وحب الخلق ورحمتهم ، واحترام عادات الناس وأعرافهم وتقاليدهم المباحة ، ورغم ذلك فإن الإسلام لا يرضى من المسلمين التبعية الانهزامية ، وكما أنها مذمومة شرعًا فهي مذمومة أيضًا بالفطرة لدى كل إنسان شريف النفس سليم الطبع .