المستقبل هو حلم الإنسان الدائم الذي يسعى إلى تحقيقه بكل أمانة، ويتكون من مجموعة من الأحلام ما أن يتحقق أحدها حتى يسعى الإنسان إلى تحقيق الحلم الذي يليه، وهو حلم اليقظة الذي يؤرقه خلال يومه ويطل عليه أيضا خلال نومه بكل تفاصيله الهادئة والمزعجة، وفي أوقات كثيرة ينجح في تحقيق بعض الأحلام وفى أحيان أخرى يخفق وفى أحيان ثالثة يأتى المستقبل أفضل من الحلم، لكن هناك أمورا قد يظن الإنسان أنه قادر على التحكم فيها بمستقبله..فهل ينجح؟. بعض الناس يعاندون القدر -دون قصد- ويظنون أن بمقدورهم التحكم في مصائرهم لكنهم مخطئون، وهناك حكايات كثيرة تؤكد ذلك منها ذلك الرجل الذى كان يعمل مدرسا وتزوج بإحدى زميلاته التي كانت ذات جمال فائق وعلى خلق عال ومن عائلة كريمة فتشابكت أحلامهما وتحددت أهدافهما في الحياة، وبعد زواجهما بأربع سنوات رزقهما الله ببنت وولد، فعاشا حياة هنيئة وسارا في طريق تحقيق باقي أحلامهما. وفكرا في السفر للعمل بإحدى الدول العربية طلبا لزيادة الرزق، وكانت حياتهما هادئة ومستقرة وسعيدة، وتم قبول الزوج للعمل فى دولة عربية، وعلى الفور سافر تاركا حمل الطفلين الثقيل على أمهما لكنه كان قد اتفق معها على استقدامها مع الطفلين للعيش معه بمجرد إنهاء الترتيبات والإجراءات، وبعد ستة أشهر استقدم أسرته الصغيرة، وكانت الحياة في الغربة بالرغم من قسوتها هادئة واستطاع الرجل وزوجته فى فترة قصيرة التعرف على عدد من الجيران ومصادقتهم حتى قل شعورهما بقسوة الغربة، وعاشت الأسرة التى زاد عددها إلى أربعة من الأبناء -ولدان وبنتان- سنوات طويلة فى الغربة وحصلت الزوجة على فرصة عمل بعد أن تجاوز أصغر أبنائها عامه الرابع، وكانت الأسرة تأتي إلى مصر كل عامين لقضاء شهر من الإجازة الصيفية مع أقاربهم. ومرت سنوات وقد أصبح حال الرجل وأسرته أفضل من الناحية المادية، وكبر الأبناء واضطر الأب إلى إرسال أسرته كلها للعيش فى مصر لأن ابنه الأكبر التحق بكلية الطب، وواصل الأب حياته فى الغربة لسنتين حتى التحقت ابنته الثانية بكلية الطب أيضا ولم يتبق من أبنائه غير ولد وبنت فى المرحلتين الإعدادية والثانوية فقرر الرجل العودة إلى مصر للم شمل الأسرة ومواصلة الحياة التي تحقق فيها معظم أحلامه. ومرضت زوجته وساءت حالتها وتوفاها الله فعكف على تربية أبنائه ولم يشعر بعناء لأن أبناءه الكبار ساعدوه في تربية الصغار لكن الرجل كان في بداية الخمسينيات وفكر في الزواج بامرأة أخرى ليواصل السير في درب الحياة قبل أن يبلغ الطريق آخره. وكان شرطه في الزوجة الجديدة أن تكون عاقرا حتى يضمن عدم وجود خلافات بين زوجته وبين أبنائه إذا صارت أما، ووفقه الله في طلبه وتزوج بامرأة جميلة من الريف وعلى خلق وعاش معها سنة لم تنجب فيها بطبيعة الحال لكنه لم يشعر بالارتياح معها لأن طباعهما لم تتوافق فطلقها. وواصل الرجل رحلة البحث عن امرأة عاقر فوجدها وتأكد من تحقق شرطه الوحيد فيها لأنها كانت قد تزوجت قبله ثلاث مرات ولم تنجب بسبب عيب خلقي لا يمكنها من الإنجاب، وسارت الحياة هادئة مع زوجته التي كانت أُما حانية على أبنائه الذين كانوا قد التحقوا جميعا بكلية الطب وتخرج اثنان منهم في الجامعة. وفي أحد الأيام شعرت الزوجة ببعض الإجهاد الواضح فذهبت إلى أخيها الطبيب ليجري لها بعض الفحوصات والتحاليل، وبعد يوم هرع أخوها إليها وصدمها بمفاجأة العُمر وأخبرها أنها حامل فلم تصدق الخبر وصفعته من المفاجأة قائلة: هل هذا وقت مزاح؟ فأكد لها أن حملها حقيقي فلم تصدق وذهبت بمفردها إلى طبيب متخصص أكد حدوث الحمل. وعلى الفور عادت الزوجة إلى المنزل كالمجنونة وأخبرت زوجها بالحادث السعيد فلم يتمالك الرجل نفسه وأصابته حالة من الذهول والصمت استمرت لعدة ساعات ظل خلالها يفكر فيما حدث وقد انتابه خليط من مشاعر الصدمة من أمر كان مستحيلا حدوثه ومشاعر الفرحة بابنه القادم الذي سيعيد إليه مشاعر الأبوة لطفل صغير بعد أن تجاوزها الرجل بسنوات طويلة، وخلال حالة الصمت كان الرجل يردد في سره الآية القرآنية "وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ". واعتاد الرجل حالة انتظار المولود الذي جاء إلى الدنيا وأبوه في منتصف الخمسينيات، وسعدت الأسرة كلها بالضيف الجديد الذي لم يكن قدومه إلى الدنيا في حسبان أحد منهم.