50إلي 70 ألف جنيه متوسط تكلفة الأجهزة الكهربائية للعرسان بعد أن كانت 20 ألفا قبل 4 أشهر فقط أحمد صلاح وآية محمود شابان في النصف الثاني من العشرينيات، يبدو من مظهرهما أنهما ينتميان إلي الطبقة المتوسطة، التي أصبح يطلق عليها "ناس فقيرة ترتدي ملابس شيك"، بطلان لمشهد أصبح معتادا ويحدث يوميا في شارع عبد العزيز، فالشاب والفتاة يقفان داخل أحد أكبر محلات الأجهزة المنزلية بالشارع، ينظران إلي جميع الأجهزة المعروضة من تليفزيونات وثلاجات وغسالات لاستكشاف إمكانيات كل جهاز، لكن كان الأهم بالنسبة لهما قبل البحث عن إمكانيات الأجهزة هو السؤال عن أسعارها، ويبدو أن الأسئلة الكثيرة حول الأسعار أصبحت شيئا مملا بالنسبة للبائعين، خاصة أن السؤال لا يعقبه حركة بيع وشراء، هذا ما أكدته تعبيرات وجه البائع محمود علي العنصر الثالث في المشهد والذي كان واقفا مع أحمد وآية وتعليقه الذي قال فيه: "طبعا بعد كل الأسئلة دي مفيش شراء".. هذا باختصار هو الحال فى شارع عبد العزيز، أما التفاصيل فننقلها لكم عبر سطور التحقيق التالى: كلام البائع ونظرته كانت في محلها، فلم يشتر أحمد بعد كل هذه الأسئلة والوقت الذي قضاه داخل المحل أي شيء، موضحا أن جميع الأجهزة التي سأل عنها إمكانياتها جيدة لكن أسعارها مبالغ فيها جدا، مشيرا إلي أنه يمكن أن يؤجل زواجه من خطيبته آية لمدة عام ويكون بهذا قد أتم 4 سنوات خطبة بسبب جنون أسعار الأجهزة الكهربائية، فمنذ 4 أشهر كان سعر الأجهزة التي خطط أحمد لشرائها 20 ألف جنيه، أما الآن فنفس الأجهزة سعرها أصبح يتراوح ما بين 50 و70 ألف جنيه. مشكلة أي شخصين مخطوبين بعد الشقة هي الأجهزة الكهربائية، بهذا الرأي شاركت آية في الحديث، موضحة أن أهلها كانوا يستعدون لإتمام حفل زفافها في شهر أغسطس القادم، وأنها قررت النزول مع خطيبها لشارع عبد العزيز لمعرفة أسعار الأجهزة الكهربائية والتي صدمتها، فعلي حد قولها إنها لم تتخيل أن الأسعار قد وصلت إلي هذه الدرجة من الغلاء، هذا ما سوف يضطرها إلي أن تدخل مع أهلها في جولة شد وجذب لكي تقنعهم أن يوافقوا علي تأجيل موعد الزفاف 6 أشهر أخرى علي الأقل إن لم تكن سنة حتى يستطيع خطيبها أن يشارك في جمعية توفر له فرق السعر الذي حدث بعد تعويم الجنيه. أما البائع محمود علي، 46 سنة، العنصر الثالث بالمشهد فيلتمس العذر لأحمد وآية وكل الشباب المقبل علي الزواج، ويقول:" صحيح الشباب هيجيب منين" الأسعار زادت والمرتبات كما هي بل إن قيمة الجنيه انخفضت، فعلي سبيل المثال وليس الحصر الثلاجة التي كان سعرها 3 آلاف جنيه أصبح ثمنها الآن يتراوح ما بين 8 و 9 آلاف جنيه، أما لقمة العيش في شارع عبد العزيز فقد أصبحت صعبة ومرة، فالبائع أو العامل مثلي في أي محل كان يحصل علي إكرامية يومية من الزبائن تصل إلي 100 جنيه هذا بخلاف المرتب، الآن العامل يحصل علي 100 جنيه إكرامية في 6 أيام, السوق نائم وحركة البيع والشراء "لا تسر عدوا ولا حبيبا"، الزبائن تدخل المحل ليكون هدفها إما للتسلية أو لأخذ فكرة عن الأسعار. "شر البلية ما يضحك" هذه المقولة القديمة أفضل وصف وتعبير عن القصة التي رواها لنا شكري عبد الصمد، الشاب الذي ترك محافظة قنا منذ 10 سنوات ليعمل كبائع في محل بيع الأجهزة الكهربائية الذي يمتلكه ابن عمه بشارع عبد العزيز، فذات يوم دخل المحل شاب وفتاة ومعهما رجلين وسيدتين كبار في السن، ظلوا ما يقرب من الساعة يتفحصون ويسألون عن سعر كل جهاز وإمكانياته في النهاية استقروا علي الأجهزة التي يريدون شراءها فكان ثمنها 30 ألف جنيه تقريبا، فصمتوا قليلا وبدأوا ينظرون لبعضهم، ثم بدأ النقاش بينهم همسا، ليفاجأ كل من فى المحل بصوت عالي وشجار كاد يصل إلي التشابك بالأيدي بين والد العريس ووالد العروس وهذا الطرف يقول للآخر إن اتفاقنا كان شراء هذا وذاك والآخر يقول له "أنا كنت عامل حسابي علي مبلغ محدد لا أعلم أن الأسعار وصلت إلي هذه الدرجة من الارتفاع"، المهم في النهاية بعد تدخل من البائعين لفض الشجار وجدنا والد الفتاة يقول لوالد الشاب نحن لا نريد ابنك وهذا الزواج لم نكن موافقين عليه من الأول والحمد الله أن كل شيء ظهر قبل الزواج، وطلب والد الفتاة من ابنته خلع دبلة الخطبة من يدها وإعطائها لوالد الشاب. وأوضح شكري أنه عندما ترك بلدته الصغيرة بمحافظة قنا وانتقل للعمل في القاهرة كان هربا من الفقر وضيق اليد وقلة الرزق هناك، وأن عمله بشارع عبد العزيز في 2007 وحتى العام الماضي كان يوفر له حياة كريمة تغنيه عن الدين والسؤال، أما الآن فالحياة أصبحت صعبة والوضع يزداد سوءا، لدرجة أنه يفكر في ترك العاصمة والعودة مرة أخرى للصعيد فالحياة هناك علي حد وصفه أقل جحودا من القاهرة فإيجار السكن بسيط والطعام والشراب غير مبالغ في أسعارهما مثل العاصمة. يبدو أن رائحة الموت ترفض مغادرة هذا الشارع العريق الذي كان عبارة عن مقابر كبيرة للمصريين في القرن ال 19، حتى بدأ يتحول تدريجيا إلي شارع تجاري بعد أن تم نقل رفات الموتى ودفنها بميدان قريب من الشارع وبني عليها مسجد شيد داخله مقاما لأحد الأولياء اسمه"عبد القادر الدسوقي" شقيق الشيخ إبراهيم الدسوقي الموجود مقامه في مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، ثم شيدت سينما "أوليمبيا" أقدم سينما في مصر، ثم افتتح متجر عمر أفندي أقدم متجر بالشارع ليتحول بعد ذلك إلي شارع مشهور بصناعة الأثاث الخاص بالطبقة الأرستقراطية، وظل علي وضعه هذا حتى بداية التسعينيات من القرن الماضي لتبدأ محلات الأثاث في التحول إلي محلات بيع أجهزة كهربائية. لكن رائحة الموت هذه المرة ليست خاصة بالبشر إنما بحركة التجارة التي كسدت والمحلات التي بدأت في تغيير نشاطها، أو أصبح أصحابها علي وشك إعلان إفلاسهم، هذا ما أكده حديث المهندس أحمد هلال صاحب أحد المحلات التجارية بشارع عبد العزيز وعضو الغرفة التجارية وعضو مجلس إدارة شعبة الأجهزة الكهربائية والأجهزة المنزلية حيث قال: "إن سعر الدولار إذا انخفض فالأسعار بالتالي سوف تنخفض، وهناك مبادرة أطلقتها الغرفة التجارية قائمة علي خفض التجار لهامش أرباحهم حتى تنتقل حركة البيع والشراء من مرحلة التجمد إلي السيولة"، فجميع التجار بشارع عبد العزيز عبارة عن موزعين يحصلون علي بضاعتهم من المصانع مع شيء اسمه "قائمة أسعار"، هذه القائمة تلزم التاجر بالبيع بها، فمثلا المصنع يقول ثمن هذه الثلاجة ألف جنيه وأنا كتاجر حصلت علي 10 ثلاجات آخر العام وملتزم أن أسدد للمصنع 10 آلاف جنيه وبعدها أحصل علي نسبة عمولتي المتفق عليها. وأوضح هلال أنه طوال الشهر الماضي لم تخفض أي شركة أو مصنع من ثمن بضاعتها، غير شركة واحدة شهيرة وكانت مدة الخصم التي بدأت أول مارس وانتهت يوم 21 مارس بمناسبة عيد الأم محددة، ونسبة التخفيض لم تتجاوز ال 5%. وأعاد عضو الغرفة التجارية سر عدم انخفاض ثمن الأجهزة المنزلية رغم انخفاض سعر الدولار وتصنيع معظم الأجهزة المنزلية في مصر إلي ارتفاع أسعار مكونات تصنيع هذه الأجهزة والتي يستورد معظمها من الخارج، بالإضافة إلي وجود مخزون سلعي بالأسواق تم استيراده بسعر الدولار وهو مرتفع، أضف أيضا التعريفة الجمركية والتسعيرة الاسترشادية. وأكد صاحب محل الأجهزة الكهربائية أن حركة البيع والشراء تكاد تكون معدومة، فالقوة الشرائية للناس انخفضت، وحركة البيع التي تتم في شارع عبد العزيز الآن 80 % منها معاملات بين التجار، بمعني أنه إذا كان هناك تاجر مدين لشركة أو مصنع وجاء ميعاد تسديد ما عليه من التزامات وليس معه سيولة، فيذهب إلي أي تاجر بالشارع ويعرض عليه شراء البضاعة التي يملكها لكي يحصل علي المال ويسدد ديونه، فى حين بلغت نسبة حركة البيع بالنسبة للمستهلك أقل من 20 %. ونفي هلال ما هو شائع حول قيام التجار بتخزين البضاعة بالأسعار القديمة وبيعها بالأسعار الغالية الجديدة، مشيرا إلي أن جميع المخزون من البضاعة لدي التجار انتهي فيما بين شهرى سبتمبر ونوفمبر 2016، بعد ذلك المصانع والشركات كان لديها معلومة بارتفاع سعر الدولار، فكانت كل طلبات البضاعة من التجار تقابل بالتأجيل من المصانع والشركات حتى بدأت تنفيذ الطلبات بالأسعار الجديدة التي نعاني منها الآن، وللأسف من يريد الزواج هذه الأيام يجب أن يحسبها جيدا، فالأجهزة ذات أقل الإمكانيات والتي يطلق عليها التجار"الأجهزة الشعبية" أصبح ثمنها 20 ألف جنيه. لم تكن كل هذه العوامل هي فقط وراء ارتفاع أسعار الأجهزة الكهربائية، حسبما أكد عضو الغرفة التجارية، بل هناك أشياء أخري مثل قرارات وقف الاستيراد، وصعوبة الحصول علي الدولار بشكل شرعي ورسمي من البنوك مما يضطر التجار والشركات والمصانع اللجوء إلي السوق السوداء لتوفير حاجتهم من النقد الأجنبي، وعدم السماح بتحويل أكثر من 10 آلاف دولار في الشهر، مما يدفع التجار أيضا للجوء إلي شركات الصرافة لكي تتم عملية التحويل من الخارج إلي الخارج. أما عن شكل سوق الأجهزة الكهربائية مستقبلا فيقول هلال:" السوق متقلب" فمحلات كثيرة بشارع عبد العزيز بدأت تحول نشاطها من أجهزة كهربائية إلي محلات موبيلات لكي يهرب أصحابها من الضغط النفسي والعصبي الذي يعاني منه تجار الأجهزة المنزلية، لكن إذا استمر هذا الوضع علي ما هو عليه حتى نهاية العام فإن نصف تجار شارع عبد العزيز سيشهرون إفلاسهم بلا مبالغة. مضمون الحديث مع مجدي عزب، مدير أحد متاجر الأجهزة المنزلية الكبرى في شارع عبد العزيز لم يختلف كثيرا عن سابقه، لكن الجديد والمحزن فى كلامه أن مدير المحل وعماله كانوا يقفون خارج المتجر "يتشمسون" علي حد قوله للتسلية بدلا من الجلوس داخل المتجر التي أصبحت حركة البيع والشراء فيه معدومة كما وصفها. وأوضح عزب أن جميع تجار شارع عبد العزيز الآن يصرفون من أموالهم الخاصة، فهناك التزامات شهرية من إيجار محلات تبدأ من 20 ألف جنيه وتصل إلي 70 ألف جنيه شهريا، بجانب أجور العمال، مشيرا إلي أن المتضررين من تلك الأزمة هم المستهلكون والتجار، أما المستثمرون والموزعون وتجار الجملة فمن مصلحتهم أن تظل الأسعار هكذا، وأضاف أنه لا أمل من انخفاض الأسعار فلن يحدث هذا، فالمستثمرون علي حد قوله ثبتوها علي هذا الوضع، وستظل هكذا حتى شهر يوليو المقبل ربما تزيد قليلا مع قائمة الأسعار الجديدة التي تصدر في يوليو من المصانع والشركات. وبعد جولة استمرت لساعتين فى شارع عبد العزيز الذي يبدأ من ميدان العتبة وينتهي بميدان عابدين سابقا الجمهورية حاليا، كان المشهد واحدا، محلات خاوية من الناس إلا من البائعين الواقفين أمام أبواب متاجرهم ينظرون إلي المارة في محاولة عادة ما تنتهى بالفشل للحصول علي "زبون واحد يستفتحون به يومهم". كان المشهد الأخير مع عبد الرحمن أحمد، سائق، والذي قال لنا إن لقمة العيش لم تعد كالسابق، مؤكدا أن أصحاب سيارات نقل البضائع انتهت رخص سياراتهم ولم يجددوها لعدم توافر الأموال، موضحا أن السائق كان يقوم بثلاث نقلات يوميا، أما الآن "الجدع" من يكون له نصيب في نقلة أو نقلتين في الأسبوع علي الأكثر. وأضاف السائق: أن شارع عبد العزيز ضاق بناسه، فهنا تجار وعمال وموظفون وسائقون علي وشك الإفلاس، حتى العرسان كنت تجدهم يخرجون من المحلات سعداء بشراء أجهزتهم، وتسمع "الزغاريد" من الأمهات، الآن تجد وجوه العرسان بها شيء من الحزن بسبب ما تم دفعه من أموال كثيرة، فلم نعد نسمع في شارع عبد العزيز "زغاريد الفرحة" أو نشاهد "بسمة العرسان".