كان فى منتصف الطريق إلى عامه الأربعين، حين جلس يفكر لماذا رغم كل ما بذل من جهد فى حياته.. فشل، لم يحقق يوما النجاح الذي يجعله فخورا بعمره، هل هو الحظ؟ هل لابد من حظ لكي يحقق الإنسان المعادلة الصعبة من النجاح؟ هل هناك شيء في الحقيقة اسمه الحظ؟ هو طبيب نجح فى دراسته بالحصول على درجات نهائية فى كثير من المواد، وبدأ مشوارا طويلا بعدها يبحث عن عمل في مكان يليق بتفوقه، في النهاية استقر به البحث فى مستشفى حكومي متعثر فى مدينة بعيدة. وافق على الوظيفة.. لكى لا ينسى الطب الذي درسه، مكتب صفيح رمادي ضئيل في زاوية غرفة كشف رطبة وبالطو مليء بالبقع والثقوب وسماعة لا تعمل. وهكذا مضى به العمر.. لماذا يبحث عن أسباب فشله؟ هل يمكن أن نبحث عن أسباب الفشل بعد منتصف العمر؟ البحث عن أسباب الفشل.. أول خطوة صحيحة لمعرفة أسرار النجاح. لن تستطيع أن تجرى بسرعة لمسافات طويلة دون أن تتخلص من الأثقال التى تحملها .. لاعبو المارثون تصنع لهم ملابس أخف من الواقع وتتجاوز أى احتكاك بالهواء حتى لا يعطلهم عن خط النهاية ولو بجزء من الثانية. هل يمكن أن نبدأ حياتنا من أى وقت فى العمر؟ هناك آلاف القصص عن بدايات للعمر فى منتصفه وبعد ذلك حتى عمر الستين والسبعين ! البدايات الجيدة للحياة تحدث بين لحظتين.. أبطال هذه القصص لم يصبهم اليأس أو الإحباط أو الانكسار أو الإهمال .. يتشابهون دائما فى البحث عن بداية كل يوم، لم يمر يوم دون الاستيقاظ على أمل .. بمجرد فقدان الأمل والسقوط فى إهمال النفس تأتى عتبات النهاية مبكرة .
اجلس واكتب لماذا فشلت ؟ كن حقيقيا.. كن أنت.. كن واقعيا .. كن محايدا.. لا تقتل نفسك بالقلم الذى تكتب به أسباب فشلك .. بالعكس، كل نقطة تكتبها عن سبب من أسباب فشلك هى درجة سلم إلى النجاح.. نحن نتخلص من الكراكيب التى تملأ بيوتنا من أجل أن نرى الأشياء الجميلة التى نملكها.. زحام الأشياء يساوى بين ما هو جميل وما هو قبيح .. بين ما هو جيد وما هو سيئ.
أنت الأقوى طالما استطعت أن تفرز ما هو مهم وما هو فارغ .. ما هو مفيد وما هو ضار.. قليل من الناس يستطيع أن يفعل ذلك بأعصاب هادئة.. التخلص من أسباب الفشل أكثر الأشياء التى يتشابه فيها الناس.. الفشل هو عدم معرفتهم بقيمة الوقت.. وقت مهدر فى العمر كله.. التعامل مع الوقت على أنه مجرد أيام تمضى بسرعة دون أن ننجز أو نملأ الوقت بأعمال حقيقية تضيف لحياتنا أو تغيرها، الأيام حين تتشابه .. اعلم أن هناك خطأ كبير فى حياتك.
من الفترات التى يمكن أن تحدد تفاصيل العمر بعد ذلك هى فترة سنوات ما قبل العشرينات.. عباقرة كثيرون فى الحياة صنعوا مجدهم فى عمر الثانية عشرة حتى العشرين.. وآخرون صنعوه بعد عامهم الخمسين.
مرة أخرى .. ماذا كتبت فى الورقة التى حصلت عليها لتحكى أسباب فشلك ؟ أو الأسباب التى جعلتك لا تنجز كل ما تمنيته أو حلمت به ؟ الفقر وصعوبة الحياة وعدم وجود أشخاص يدعمونك فى الطريق إلى كتابة قصتك وصناعتها، الإحباط.. الخوف.. الظروف.. وأشياء أخرى، كلها خيوط قوية لتعلق عليها فشلك، ملايين الناس حول العالم يعددون أسبابا متشابهة عن " الظروف " التى أدت إلى حياة بائسة. إنها الأسباب اللذيذة التى تجعلنا نرى الفشل شيئا مريحا، فشلنا لأمور خارجة عن إرادتنا.. فشلنا لأن حظنا كان غائبا وظروف حياتنا الصعبة كانت حاضرة. ماذا نقول- إذن- عن الذين صنعوا قصص نجاح من تحت خط الستر وتحت خط العجز؟ .. ماذا نقول عن بشر بنصف جسد استطاعوا أن يكسبوا سباقا طويلا بنصف جسد صناعى؟ وتجار كبار بدأوا بقروش قليلة وصبر. الإرادة .. هى الحياة . تقف الحياة فى وجه أحلامنا كثيرا، وتغلق ألف باب فى وجوهنا لعلنا نيأس ونتراجع ونعود إلى حيث كنا .. لكنها تترك بابا- فى آخر الطريق- مواربًا على طريق جديد. ماذا تريد ؟ هى مفتاح السر إلى حياة أكثر رحابة. المضى فى الحياة دون ورقتين، الأولى أسباب الفشل والثانية أهداف الحياة.. لن تكون هناك أى ومضة أمل فى تحسين ظروف حياتك. بدأت بقصة الطبيب الذى توقف ذات صباح لكى يراجع دفاتره، وجلس- بكل همة وتواضع- يكتب لماذا فشل؟ أصبح اليوم هو الدكتور مصطفى طاهر طبيب القلب المعروف.. عيادته الوحيدة محجوزة مسبقا لشهور قادمة.. يخصص ثلاثة أيام فى الشهر لمقابلة مرضاه من الذين لا يملكون أجر الكشف والعلاج والجراحة.. أطفأت معه شمعة عيد ميلاده الستين، كان سعيدا كطفل مبتهج بنجاحه.. عشرون عاما قضاها منذ كتب ورقة فشله.. غيّر حياته تماما.. كانت السنوات كافية ليبدأ من جديد ..
لكنه دائما يقول: إن أسباب فشله الأولى هى أسباب نجاحه، لقد تعلم من أخطائه، ويبدو أننا- بالفعل- لا نتعلم إلا من أخطائنا، مهما حاول آخرون أن يصححوا لنا الطريق بالتعلم من أخطائهم.
كلما وجدت إنسانا فاشلا يجلس فى الشمس كسولا ليحكى كيف وقفت الحياة كلها ضده حتى مات من الفشل، عرفت أن الفشل هو الطريق إلى السعادة لملايين البشر، ما أجمل أن تكون فاشلا! لأنك لاتبحث إلا عن نهاية تلعن فيها الحياة والحظ والنجاح، الأسهل أن تلعن الأصعب.. أن تغيّر.