كتب: شريف بديع النور ما بين ثورتي يناير ويونيو كان العصر الذهبي لما يمكن تسميته بالعك الديني، فتاوى من كل الألوان ومشايخ ما أنزل الله بهم من سلطان، بعد ثورة 30 يونيو مباشرة اقترحت على الأستاذ طوني خليفة أن نستضيف الدكتور سعد الدين الهلالي في حلقة نمر فيها على كل العك السابق ونبينه، كان هذا ضمن برنامج "أجرأ الكلام" والذي كنت أشرف برئاسة تحريره وقتها، وبالفعل استضفنا الدكتور سعد في حوار امتد لساعتين ونصف في حلقة نالت الكثير من ردود الأفعال حتى إن الرئيس عدلي منصور اتصل بالدكتور الهلالي وقتها ليعبر عن اعجابه بالحلقة، كان هذا منذ ثلاثة أعوام. كنا قبلها وضمن نفس البرنامج أول من استضاف الباحث اسلام بحيري، كان وقتها يعمل في دولة الكويت وحضر خصيصا ليظهر معنا في حلقة شهيرة خلع فيها دكتور محمود شعبان الشهير ب "هاتولي راجل" حذائه وحاول ضرب اسلام لتبدأ شهرة البحيري في هذه اللحظة ويستقر في مصر من جديد ليقدم برنامجه ويثير ما أثار من حالة من الجدل معه. تابعت المناظرة التي جمعتهما في "كل يوم مع عمرو أديب"، الحقيقة أن الانطباع الشخصي الغالب عندي عن كل منهما تأصل أكثر في المناظرة، لم يكن أيا منهما مناسبا ليجلس أمام الآخر. نبدأ مع الدكتور سعد الدين الهلالي، لديه من الأفكار الجريئة أكثر مما يعلنه، يحب الاحتماء دائما بين الآراء المتناقضة المختلفة ليخرج نفسه من خلالها وكأنه بلا رأي خاص، هو مجرد ناقل وليس عالم، وهذه درجة لا أحسبه عليها بدليل حصوله على درجة الدكتوراه ووصولة لرئاسة قسم الفقه المقارن في جامعة الأزهر، ولكنه يصر أن لا يبدي رأيه، فقط يغوص في الكتب والمراجع الفقهية ليخرج لك بما يثير دهشتك ويقول "ليس من عندي"، وهو منهج مرهق للغاية لمن يتابعه، لأنه يخرج في النهاية وهو لا يستطيع أن يستقر على رأي. في المناظرة ذهب الدكتور سعد الدين الهلالي لما هو أبعد، ودون أن يضطر لذلك أوضح رأيه في الأحاديث النبوية ليقول أن ما روي منها غير ملزم في الاستشهاد به، ثم لم يستطع أن يسير في الطريق حتى النهاية فوقف في المنتصف ليقول ولكن الاستشهاد به وسع الفقه وكان بسبب احتياج الناس لأحكام جديدة وبالتالي فبالناء على ما فات مهم حتى لا نخترع العجلة من جديد، ثم قرر اتخاذ خطوة أكبر ليقول أن القرآن الكريم "هدي" وليس كتاب قانون وأو دستور وبالتالي فما يحتويه من أحكام لا يجب الالتزام بها دائما وإنما يجب اخضاعها للعصر وتكييفها عليه، وهي وجهة نظر لم يجروء حتى اسلام بحيري على الذهاب لها لينقلب الحوار لاعتراض من بحيري على ما قاله الهلالي وتأكيد منه أن القرآن يحوي أحكام يجب الالتزام بها.. الهلالي كان يريد أن يهرول في طريق لا يتسطيع المشي فيه، فما بالكم بالهرولة أما البحيري فعيبه الأول أنه لا يستطيع أن يتمالك أعصابه، عصبي ومندفع وصاحب صوت عالي، للحظات شعرت وكأنه سيقوم ويشتبك مع الهلالي، عيب خطير في شخصيته، العيب الثاني أنه مصر على التعامل بشل يراه الأزهرية غير لائق مع الأئمة الكبار، يصر بحيري على أن ينتزع مع الهلالي مقولة أن الأئمة أخطأوا، الهلالي لا يعترض على المبدأ فهم بشر يصيبوا ويخطئوا، ولكن يعترض على الطريقة قد يتحدث الهلالي لنفسه ويقول من أنا ومن اسلام البحيري لينقد إمام من الطبقة الأولى أكثر مني علما وله أتباع ومريدون بمئات الملايين عبر مرور السنين، أتفق مع الهلالي أيضا، هذا النقاش لم يكن محله ستديو "اون تي في" ولكن محله في مجمع البحوث الاسلامية حيث الدراسات المستفيضة التي تفرز بحث فقهي يمكنه الصمود أمام الآراء الثانية، لو استمعنا لكلام بحيري وقام الأزهر بقرار أحادي بحذف العبارات من الكتب التي تدرس به، من يقول لك أن الإرهابيين والمتأسلمين سيحذفوها من كتبهم وعقولهم، ما حاول أن يوضحه الهلالي أن الفكر لا يقاوم إلا بفكر، لأنك لو قمت بمصادرة الفكر الآخر سيصل رغما عنك وسيعتقد الجهلة من العامة أنه الأصوب. ماذا لو قال الهلالي على الملأ أن الأئمة الأربعة مخطئين؟ ببساطة سيراه قطاع كبير من الناس مخطئا وأن ما قاله عنه خطأ هو الأصوب، حتى طلبة العلم لن يصدقوه، من هو ليقارن بالأئمة.. لكن الأزهر كمؤسسة وليس افراد يمكنه أن يوضح ويشرح ويعدل. نعود لشخصيات المتناظرين، مشكلة بحيري أن هناك ألف استفهام على مؤهلاته العلمية، لماذا لا يتقدم البحيري ليدرس علم الفقه ضمن كلية الشريعة؟ لماذا بعد الحكم عليه بتهمة ازدراء الأديان، والحكم عنوان الحقيقة كما تقول القاعدة، نستضيفه ليتحدث من جديد عن الجديد؟؟ أم يزدري هو نفس الدين من قبل؟ أنا لا أؤيد الحكم بالمناسبة وقد لا أتفق معه ولكن ما أفهمه أن ظهوره محل استغراب حتى تظهر براءته. أما دكتور سعد الدين الهلالي فهو أيضا غير مناسب للجلوس أمام بحيري، الهلالي يمكن أن يكون محاضرا جيدا في قاعات الجامعة، ولكن المناظرة تحتاج لصاحب رأي، لا تحتاج لمن يصر على أنه مجرد مستعرض للآراء المختلفة، النوعية الأخيرة لن تحصل منه على موقف، والمناظرة موقف. وما النتيجة بعد ساعتين ونصف ؟؟ لم يخرج من يريد الفهم بشيء، ازداد المتطرفون تمسكا بمواقفهم لأنها مذكورة على لسان الفقهاء، وازداد من يريدون الاصطياد في الماء العكر اصطيادا لأن الطرفين قدموا لهما مزيدا من الفرص، وإزداد المحتارون حيرة لأنهم لم يجدوا من يمسك بأيديهم، أما من يرون في بحيري والهلالي مفرطين في الدين فقد ازدادوا يقينا، تسألني عن رأيي؟؟ لم أخرج بأيا مما سبق! أما إذا أردنا التحدث عن تجديد الخطاب الديني.. فلهذا مقال أخر..