* علياء نور: حققنا حلمنا ونحل مشاكل بيئية واجتماعية.. ووفرنا دخلا لأهالى القرية الفقراء مصر ثالث أكبر مالك لثروة النخيل في الوطن العربي.. وتتصدر الدول المنتجة للتمور في العالم
تمسكهم بطموحهم وحلمهم لا يقل صلابة عن جريد النخيل المقام عليه فكرتهم ومشروعهم.. والذي من أجله ضحوا بالوظائف ومرتباتها الثابتة الكبيرة في الشركات الكبرى.. وتركوا الحياة في العاصمة، بحثا عن تحقيق حلمهم.. ليبدأوا أولى خطواتهم من محافظة المنيا، وبالتحديد من قرية القايات التابعة لمركز العدوة.. ويستغلون ثروة مهدرة لم تجد من يستغلها في مصر قد تحقق الملايين.. وتدر دخلا لأهالي منطقة فقيرة وجدوا ملاذهم في هذا المشروع.. وأصبح الحلم حقيقة.. واستطاع هؤلاء الشباب الوصول إلى الأسواق العالمية.. ونتعرف على قصة النجاح في السطور التالية..
بداية الحكاية ترويها علياء نور- الطالبة بكلية الهندسة بجامعة عين شمس- وتقول: في عام 2011 كان هناك أحد أعضاء هيئة التدريس في "هندسة عين شمس" اسمه الدكتور حامد الموصلي، كان له نشاط خارج الكلية أشبه بالعمل البحثي الموظّف لخدمة المجتمع، فكان عمله قريبا من أعمال مؤسسات المجتمع المدني، وكانت جميع أبحاثه قائمة علي المناطق الفقيرة، بمعنى أنه يحاول أن يستخرج من تلك المنطقة أفضل ما بها من إمكانيات وثروات غير مستغلّة، ويحاول توظيفها بشكل يحل مشكلة بيئية، وفي نفس الوقت تدر دخلا لأهل المنطقة التي يعمل عليها.
فمن ضمن الأشياء التي كانت تشغل الدكتور الموصلي- كما أوضحت علياء- هي ثروة مصر من النخيل، فمصر طبقا للإحصائيات العربية والدولية تعد ثالث أكبر مالك لثروة النخيل في الوطن العربي بعد السعودية والإمارات، فالعالم مزروع به 100 مليون نخلة منهم 80 مليون نخلة في المنطقة العربية فقط، طبقا لأبحاث أجراها العديد من المؤسسات المهتمة بالأبحاث الزراعية، بالإضافة إلى الأبحاث التي أجراها الدكتور الموصلي والتي أظهرت أن الخصائص الفيزيقية لجريد النخل تتشابه إلى حد كبير مع خصائص الخشب، وبالتالي جريد النخل يصلح لأن يكون مصدرا رائعا لتصنيع الأخشاب، هذا بجانب الأبحاث الأخرى التي أوضحت أن أشجار النخل كله فوائد بدءا من ثمره الذي هو عبارة عن بلح وتمور يتم تصديرها لدول أوروبا، فمصر تتصدر الآن الدول المنتجة للتمور في العالم، فإنتاجها سنويا بلغ مليون و330 ألف طن، مرورا بالجريد والسعف والجذوع، ووصولا إلى مخلفات النخيل التي يمكن استخراج الوقود الحيوي منها. وانضمت طالبة الهندسة إلى الفريق البحثي الذي يعمل علي تحويل جريد النخل إلى أخشاب، موضحة أن الفريق يتكون من ثلاثة مهندسين غيرها هم صاحب الفكرة الدكتور حامد الموصلي والمهندس عمرو عبد المنعم والمهندس محمد درويش.
وتقول علياء: أفضل ما في الموضوع هو اعتماده علي الشباب وعملية تواصل الأجيال التي تتم به، فالدكتور الموصلي من جيل مختلف وزملائي عمرو ودرويش من جيلين مختلفين تماما عني فهما تخرجا فى الكلية، كما أني استفدت من الاحتكاك بالناس من مختلف الطبقات والأفكار والبيئات، فأتعامل مع المزارع بثقافته البسيطة الواعية، وأتعامل مع العملاء الذين يشترون منتجنا، بجانب التعامل مع العمال في المصنع، كما أننا حققنا حلمنا.
واختار شباب شركة" جريد" قرية القايات لإقامة مشروعهم فيها لأكثر من سبب؛ فتعداد سكان القرية بتوابعه كبير جدا، وبالتالي هناك أياد عاملة كثيرة جدا، والقرية تابعة لمركز العدوة، وهذا المركز وحده به 43 ألف شجرة نخيل، بالرغم من أن "العدوة" من أفقر قرى مصر طبقا للتقارير الحكومية، وبها أعلى نسبة بطالة، فجزء من أهداف"شباب جريد" كما أكدت علياء نور هو حل مشاكل بيئية واجتماعية بجانب المشروع، وتقول: هذه هي المسئولية الاجتماعية التي حلت الكثير من المشاكل في أوروبا، هذا بجانب أن عملية التصنيع وتحويل جريد النخل إلى ألواح خشبية، عملية هندسية معقدة تتطلب آلات معينة ومواد كيميائية مخصصة، وبالتالي نحن من نضع تصميمها ونصممها هنا في مصر، وهذا مثبت في الشهر العقاري ولدينا براءة اختراع بذلك.
وتضيف علياء قائلة: يعمل معنا بالمشروع 50 أسرة، والمشروع بدأ يكبر والطلبات على منتجنا تزيد، فتحولنا من ورشتين صغيرتين إلى مصنع كبير به عمال وإدارات مختلفة، ومسئولى تسويق، وأصبحنا نشارك في معارض محلية ودولية، فمنتجاتنا الآن عليها طلب من اليابان والسويد وسويسرا والسعودية، أما السوق المصرية فمازال حتى الآن الفكرة تعتبر جديدة عليه، وليس لديه ثقة كاملة، لكن السوق الأجنبية متقبل الفكرة بشكل رائع، فلدينا عملاء في ألمانيا طلبوا عينات من منتجاتنا وقاموا بتجربتها طبقا لمعايير جودتهم ونالت إعجابهم، لأنها منتجات صديقة للبيئة ومحفزة للطاقة الإيجابية، وسوف نفتح سوقا في ألمانيا خلال الفترة المقبلة، هذا بجانب المسابقات الدولية التي شاركنا فيها وحصلنا على جوائز ودعم مالي، فقد فزنا بجائزة خليفة، وحصلنا على دعم من مؤسسات تدعم المشروعات الصغيرة ورواد الأعمال مثل مؤسسة إنجاز، ومؤسسة سويدية، وسفارة اليابان.
ووصفت علياء أهل" العدوة" بالناس الطيبة المتعطشة للعمل في أي شيء يدر دخلا ثابتا لهم، وتقول: عندما بدأنا المشروع وذهبنا إليهم وشرحنا لهم الفكرة شجعونا جدا وقالوا لنا نحن معكم طالما أن الموضوع حلال وفيه خير للكل، وما شجع أهل القرية على التعاون معنا أننا قبل ذلك كان لنا مشروع خاص بالتين وتجفيفه وشرائه منهم وبيعه لمحلات الحلوى الكبرى في القاهرة، وبالفعل بدأ المشروع بورشتين صغيرتين واحدة لاستخراج الألواح الخشبية من جريد النخل ومعالجته كيميائيا حتى لا يتعرض للتسوّس، والورشة الأخرى للنجارة وتصميم المنتجات النهائية للألواح الخشبية التي نستخرجها من جريد النخل، والتعامل مع أهل القرية يتم عن طريق شراء جريد النخل منهم بمبلغ مالي، أو عن قيام بعض الأهالي بإعطائنا الجريد مقابل قيام أصحاب الفكرة بما يسمى بعملية التقليم للنخلة.
وأكدت علياء نور أن قوة وصلابة الخشب المستخرج من جريد النخل في مثل قوة وصلابة الخشب "الزان" و"الأرو"، مشيرة إلى أن خطوط الإنتاج لديهم أصبحت 4 خطوط هي"الأثاث، والألواح الخشبية، والباركيه وتجليد الحوائط، والإكسسوارات والتحف الخشبية الصغيرة".
أصحاب الفكرة الذين رحلوا عن العاصمة بمشاكلها وزحامها وبيروقراطيتها، وتركوا الوظائف بالمرتبات الثابتة الكبيرة شهريا، وسافروا وراء حلمهم إلى أقصي الصعيد.. حلمهم الآن هو التوسع في مشروعهم، وافتتاح مصنعا جديدا في محافظة الوادي الجديد، لما به من ثروة هائلة وكبيرة من أشجار النخيل، وغزو منتجاتهم الأسواق المصرية قبل الأوروبية والأمريكية، ووضع تصميمات جديدة وعصرية، ووضع علامة تجارية تكون واحدة من أكبر العلامات التجارية عالميا.