بقلم:سليمان الحكيم بعد أن انتهت الحاجة فاطمة عبد الكريم من مكالمتها مع شقيقها الرائد حمدى عبد الكريم، طلبت منى أن أذهب إليه بناء على طلبه مع وعد منه بإنهاء المشكلة مع سمير رجب وإعادتي إلى العمل بجريدة المساء. كان على أن أشكرها في كل الأحوال معتذرا عما حدث بينها وبين شقيقها وكنت سببا فيه، وبعد أن خلوت لنفسى وفكرت فيما حدث. شعرت بالندم لما سببته من حرج للرائد حمدى عبد الكريم نتيجة للهجة الحادة التى تحدثت بها شقيقته الكبرى معه وكأنه أحد تلاميذها فى فصل دراسي، فكرت فى الأمر ماليا فقررت ألا أذهب لمقابلة الرائد عبد الكريم. لأنه لو توسط لى لدى سمير رجب وعدت بعدها إلى العمل، فأن ذلك يعنى بالنسبة لى أنني عينت بقرار من أمن الدولة وليس بقرار من إدارة جريدتي، وهذا ما لن أغفره لنفسي. لأنني سأكون مدينا لحمدى عبد الكريم وطوع أمره في أي وقت ردا للجميل. وحتى إذا لم ينجح توسط الرائد حمدى سأكون مدينا له لتعاطفه معى وشاكرا لمحاولته الوقوف إلى جانبي. تركت الأمر لله وحده بعد أن كنت قد سلمت له نفسى متوكلا عليه. وبالفعل لم يخذلني ربى. فلم يكن قد مر وقت طويل بعد ذلك. حتى ابلغني أحد الزملاء الذى قابلته بالمصادفة فى مبنى النقابة القديم. بأن الأستاذ جميل الباجورى – أطال الله فى عمره – كان يسأل عن طريقة للاتصال بى، ذهبت على الفور لمقابلته لأقف على سبب سؤاله عنى. قال إن الزميل والصديق مصطفى بدر رشحني له لمساعدته فى تأسيس مكتب لجريدة الأنباء الكويتية بالقاهرة، على أن أتولى إدارة التحرير بالمكتب إلى جانب قيامي ببعض الأعمال الصحفية، بالإضافة لأعمال "الديسك" المركزي، وحين سألني عن المقابل المادي الذى أتوقعه لذلك، تركت الأمر لتقديره، وهذا كان دأبي دائما فى كل الأماكن أو الأعمال التى كلفت بها. فقد ظللت أنظر لنفسي دائما على أن الصحافة بالنسبة لى مجرد هواية وليست وظيفة و"أكل عيش". أنتظر مقابلا عنها، وما إن بدأت العمل بالمكتب حتى أعلن النائب العام وقتها رجاء العربي عن فتح التحقيق فى قضية ثورة مصر فكان المتهم الأول فيها هو خالد جمال عبد الناصر. ونظرا للعلاقة الخاصة التي تربطني به. والتي لم تكن تخفى على أحد من القريبين منى. فقد كلفتني إدارة الجريدة بالسفر إلى يوغسلافيا لمقابلة المهندس خالد، حيث اختارها مكانا آمنا للجوئه السياسي بعد الإعلان عن اسمه متهما أول فى القضية. وبسبب سعى الجريدة وحرصها على سبق صحفي عالمي. تم تدبير ثمن تذاكر السفر من ميزانية مكتب القاهرة، دون توافر مصاريف الإقامة وغيرها من ضروريات المهمة، سافرت ومعي 100 دولار فقط اقترضتها من أحد الزملاء، على أن تتولى إدارة الجريدة بالكويت تزويدي بما يلزم بتحويل على أحد البنوك فى بلجراد، ذهبت من فورى إلى خالد بمقر إقامته بإحدى الفيلات الصغيرة فى ضواحي بلجراد، وقد لاحظت التواجد الأمني الكثيف حول الفيلا من رجال الأمن اليوغسلاف لما يتمتع به خالد وأبيه من مكانة مرموقة فى يوغسلافيا منذ حكم الرئيس تيتو محرر يوغسلافيا ومنشئها. وبعد إجراءات التفتيش التي خضعت لها فى مدخل الفيلا، صعدت إلى الطابق العلوي لأجد خالد فى انتظاري على السلم، فوجدتني ألقى بنفسي في أحضانه، وانخرطت فى بكاء شديد !