تصوير : محمود شعبان كانت وجهتنا إلي منطقة وسط البلد .. وبالتحديد حيث يوجد أحد أعرق استديوهات التصوير الفوتوغرافي في العالم ، فقد كان استوديو " بيلا " الشهير مقصداً طوال سنوات طويلة لمشاهير الفن والسياسة والرياضة ، لكن الصدمة كانت في انتظارنا .. فبعد نحو 125 عاماً من وجوده بمقره في قلب القاهرة الخديوية .. فوجئنا بأن مالكه الحالي ترك مكانه وذهب بذكرياته إلى حى الدقى ، فما السبب ؟ وماذا تقبت من حكايات " بيلا " الآم ؟ . قابلنا صاحب الاستوديو اشرف بيلا في مقره الجديد ، يقول: يعود تاريخ الاستوديو الى عام 1890 ، حيث افتتح الاستوديو الخواجة " بيلا " وهو مجرى الجنسية ، وعلى فكرة هو اول مكان تصوير فى مصر والوطن العربى ، وعندما قامت الحرب بين الانجليز والمجر قاموا باجلاء كل المجر من مصر ، وكان شريكه جدى فهمى باشا علام والذي شارك رجلاً لبنانى الاصل ، وعلى فكرة عمى هو المخرج السينمائى احمد ضياء الدين ، ثم بعد فترة باع اللبنانى حصته الى جدى وبهذا اصبح هذا الاستوديو ملكا لعائلتى ، وبعد وفاة جدى انتقلت ملكية الاستوديو الى والدى عام 1946 والذى علمنى منذ ان كنت صغيرا فن التصوير ، ومنذ صغرى وانا اعرف جيدا قيمة استوديو بيلا والذي كان الاستوديو الخاص بالملكية والحاشية والوزراء والباشوات والرؤساء والزعماء ، ومكان الاستوديو كان فى شارع " قصر النيل " ، وكانت العمارة التى بها الاستديو تابعة لشركة مصر للتأمين وكنا ندفع الايجار للشركة وبدأ من 4 جنيهات ونصف عام 1940 حتى وصل ل 500 جنيه حالياً ، وعندما ظهر تعديل لقانون الايجارات القديمة منذ 7 سنوات وان العقد ينتهى بموت المستاجر - أى والدى - جلس معى ورثة العمارة وطلبوا منى 2 مليون و500 ألف جنيه مقدم و5000 جنيه شهريا مقابل الايجار الجديد ، ولذلك انتقلت الى الدقى حتى ابحث عن مكان ايجاره اقل من ذلك فى وسط البلد ، ولا تتخيلى شعورى وانا اجمع مقتنياتى واضعها فى مخزن ، لكن ان شاء الله سيظل حلمي هو تأسيس متحف " بيلا " والذي سيحوي ذكريات وتاريخ عمره أكثر من 120 عاما . وعن أبرز المحطات التى مر بها الاستديو يضيف مالكه: كان يحضر للاستوديو مندوباً من قصر عابدين يتفق فيه على موعد لتصوير الملك فؤاد او احد افراد العائلة المالكة او من الحاشية ، ويذهب " بيلا " فى الموعد المحدد ويقول له كبير الياوران امامك 10 دقائق للانتهاء من تصوير جلالة الملك ، وعندما كان يحضر احد من الحاشية ليتصور كانت العربية بالحنطور تقف امام الاستوديو وجدى يفرش البساط الاحمر والنحاس على السلم ، وكان ايضا يتم تصويره فى رحلات الصيد ومركب المحروسة ، كما قام جدى بتصوير موكب الملك فؤاد وكان الى جواره حسين باشا رشدى ، كما صور اللواء اسماعيل باشا صدقى واللواء أحمد شفيق باشا ووسيل باشا حكمدار العاصمة والتقط صورة للملك فاروق في طفولته وهو راكب عربة صغيرة ، كما قام والدي بتصوير الرئيس جمال عبد الناصر وأحداث ثورة يوليو 1952 وجنازة عبد الناصر ، والتقط صورا عديدة للرئيس الراحل أنور السادات وزوجته السيدة جيهان ، حيث كان يذهب اليهم كل عام ليصورهم صورة عائلية فى فيلته بالهرم ، وبعدما تولى مقاليد السلطة اتصل بوالدى وطلب منه ان يصوره الصورة الرسمية له وعملنا منها اكثر من 350 نسخة لتوزيعها على الهيئات والوزرات والجهات الحكومية لتعليقها على حوائط خلف المكاتب ، وكانت الصور وقتها " أبيض وأسود " ولكن كنا نقوم بتلوين صور السادات وجيهان يدويا باستخدام الفرشاة وألوان الزيت للخلفيات ، أما الوجه فقمنا بتلوينه باستخدام ألوان المياه ، كما ذهبت مع والدى لتصوير السادات فى القناطر الخيرية ديسمبر 1970 ، كما ان والدى صور الملك فيصل والزعيم الباكستانى احمد سوكارنو والملك حسين حيث كانت المرة الاولى التى صوره فيها كانت فى اوائل الستنيات كما صور والدى الملك فيصل 18 صورة كذلك صور والدى حفلات زفاف اولاد السادات كلهم وكذلك كان بصوره فى العرض العسكرى . وعن سر تميز استديو " بيلا " يكمل قائلاً : طوال هذه السنوات حافظنا على شكل الاستوديو وديكوراته القديمة ، كما احتفظ بكل الكاميرات ومعدات التصوير القديمة مثل الكاميرا المنفاخ التي لها عجل حتى يسهل نقلها وتحريكها والفلاش الماغنسيوم ومعمل التحميض الأبيض وأفلام التصوير المصنوعة من الزجاج وكان حجم الفيلم فالاستوديو 20X 25 والأسود سم بمثابة شاهد على تاريخ التصوير في مصر ، وقد واكب الاستوديو أيضا كل ما هو حديث ومعاصر في عالم التصوير حيث نستخدم أحدث آلات التصوير الديجيتال ذات الجودة العالية ، ولم يفكر جدي في تغيير اسم بيلا لأن تاريخ الاستديو مرتبط باسمه ، والأكثر من ذلك أن اسم الشهرة الخاص بي أصبح (أشرف بيلا) نسبة للاستوديو، وهذا الاسم أطلقه علي الفنان الكبير حسين فهمي أثناء قيامي بتصوير كواليس أحد أفلامه وأصبحت معروفا من وقتها بهذا الاسم ، كما أن اسم الاستوديو يجذب السائحين الأجانب خاصة المجريين . وعن الصور العائلية زمان يقول : كان لها رونق خاص فكان الزوجان يحضرون الى الاستوديو ليلتقطوا صورا لهم فى كل مرحلة من مراحل حياتهم بعد الزواج وبعد انجاب كل طفل كما كانت منتشرة قديما صورة العائلة الكبيرة التى تضم الجد والابناء والاحفاد وياتون ليلتقطوها فى عيد الحب وكانوا ياتون الينا فى كامل اناقتهم كانهم ذاهبين للفرح وتحول عيد الحب من تجمع للعائلة الكبيرة الى دباديب وقلوب حمراء كما اننا متخصصون من زمان فى اختبارات تصوير الممثلين والممثلات كما كنا نصور اعلانات للافلام وللشركات وعلى فكرة كان هناك اشخاص عاديين ياتون كل اول شهر ليتصوروا بعد قبض مرتباتهم فكان هذا اليوم زحمة ، ولا انسى ان جدى صور على الكسار بملابس عادية ، وكان يتكلم مثلنا وليس بلكنته المعروفة كما صور يوسف وهبى وزوجته ومنيرة المهدية وروزاليوسف ورشدى اباظة واحمد مظهر ومحمد نجيب والسادات واخويه طلعت ورفعت ووالدى توفى منذ 15 عاما ولدى ولد شهاب الدين انا كنت ارى كل الفنانين وانا صغير السن وقمنا بعمل (تست كاميرا) لعدد من الفنانين امثال علي الكسار وفريد شوقي وميرفت أمين و مديحة كامل و لبلبة و هند رستم و ماجدة الصباحي و سميرة أحمد وونور الشريف ويحيى الفخراني ونعيمة عاكف وغيرهم الكثير بالإضافة إلى كل نجوم الجيل الجديد مثل أحمد السقا ومنى زكي ومي عز الدين وتامر هجرس ، فقد اعتاد المخرجون الكبار مثل يوسف شاهين والسيد راضي وجلال الشرقاوي وخالد يوسف وغيرهم على إرسال الوجوه الجديدة لنا لنقوم بتصويرهم وعمل اختبار تصوير لهم وعن اطرف المواقف التى صادفها طوال مشواره يحكى فيقول : سعيد صالح رحمه الله كان اخى وكان الاستوديو فى الدور الاول فاتصل بى هاتفيا ذات يوم وقال لى قابلنى فى الاستوديو الساعة 2 ص وعندما وصلت سمعت صوت ضجيجاً بالخارج ففتحت الباب لارى ما يحدث وجدت سعيد صالح يمسك حمارفى يده ويصعد به على السلم ويطلب منى اصوره وهو يضع " فيونكة " حمراء على الحمار ، وبالفعل صورته الصورة وكانت افيش مسرحية " ابو نضارة " ! . كما اننى اتذكر الفنان عمرو دياب عندما كان يصور اغنية راجعين استعانوا بتاجير سيارة من السيارات القديمة التى امتلكها والمفترض انه في الاغنية شخص يقود السيارة وعمرو يركب فوق ومعه وردة والمفترض ان يعطى لحبيبته الوردة و العربية تسير ولم يكن السائق يعرف يقودها لان عجلة القيادة ناحية اليمين وبها تفاصيل مختلفة فكانت العربية تدخل على الكاميرا وكسرتها 3 مرات ، كما اننى ذات يوم تلقيت اتصالا من احمد زكى لاصوره اثناء تصوير السادات وعندما ذهبت وجدته متقمصا لشخصيته لدرجة اذهلتنى لاننى كنت اعرف السادات عن قرب ووقتها اخبرنى انه سيقدم فيلماً عن " حليم " ، كما اننى اتذكر احمد مظهر جيدا فكان ياتى الينا فى الاستوديو وينام على الكنبة الخشب لانه كان يعانى من التهاب فى عمود الفقرى نتيجة ركوبه الخيل ، وذات يوم اتصل بى الشيخ الشعراوي طالبا زيارته لتصويره فى منزله بالهرم وعندما وصلت وجدته يقول بسم الله ماشاء الله كل ما اطلع جزء من الكاميرا فقلت له يا فضيلة الشيخ هو التصوير حلال ام حرام ؟ فقال لى " هو حرام تشوف نفسك فى المراية ؟ وبعدين لو حرام تفتكر أنا هعمله يا ولد ؟ " .