مدينة القنطرة غرب واحدة من أقدم المدن المصرية التي شهدت أحداثا عظيمة .. وشهدت أيضا تحولات عديدة في تكوينها وسكانها.. فهي تبعد عن القاهرة بحوالي 150 كيلومترا ، وهي نقطة فاصلة بين محافظة بورسعيد التي كانت تتبعها إداريا حتى ستينيات القرن الماضي، ومحافظة الإسماعيلية التي تتبعها الآن ، والقنطرة غرب تتميز بموقعها الفريد على قناة السويس، ويربطها بسيناء كوبري السلام، موقعها الفريد جعلها محطا للعديد من الأحداث، كان أبرزها ما شهدته من بطولات وتصد للعدوان الإسرائيلي، خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، ويرجع تاريخها لأيام العصر الفرعوني حيث عبر بعض الأنبياء من وإلى مصر خلالها، مثل نبي الله موسى والسيدة مريم والمسيح . ورغم ما تحمله هذه المدينة من تاريخ إلا أن شهرتها بين المصريين لا تتخطى كونها مدينة تجارية تضم سوقا لتجارة الملابس والأقمشة والأحذية، ومتطلبات العرائس المستوردة من تركيا وإيطاليا وأمريكا ، ويرتادها الكثيرون نظرا لانخفاض الأسعار، لكن في العام الأخير تغيرت الصورة تماما، وأصبح السوق الذي يعد مصدر الرزق لنسبة كبيرة من أهالي هذا البلد مهددا.. بحيرة أم الريش عندما ذهبنا للقرية كان مقصدنا الأساسي السوق التجاري، ولكن حاولنا اكتشاف المدينة بأكملها فوجدنا أنها تعاني الكثير من المشاكل، مثل العديد من المدن والقرى المصرية، وإن كانت مشاكل القنطرة غرب تبدو أصعب بعض الشيء، بحكم أنها مدينة وليست قرية ، ومن الطبيعي أن تكون بنيتها التحتية أفضل ، وكان لقاؤنا الأول مع الحاج حماد عطية سالم، 77 عاما، من مواليد القنطرة، وهو من القلائل من أهالي المدينة الذين عاصروا أحداثا عدة، روى لنا قصة القنطرة شرق، مؤكدا أنه حتى قبيل منتصف القرن العشرين لم يكن بالقنطرة غرب سوى عائلتي البياضية والصعايدة، وكان أهلها يعتمدون على الصيد، فكانت معظم أراضي القرية الحرة عبارة عن بحيرة اسمها "أم الريش" وملاحات، وكانت المساكن عبارة عن عشش، ومع بداية عهد الرئيس جمال عبد الناصر بدأ شكل المدينة يتغير، وتحولت إداريا في ستينيات القرن الماضي من مدينة تابعة لمحافظة بورسعيد إلى محافظة الإسماعيلية، وبدأت تتلاشي مساحات المياه الشاسعة والبحيرة التي كانت مصدر رزق لأهالي المدينة، وظهرت مهنة أخرى لأهالي المدينة وهي تجارة الأقمشة والملابس، فكان هناك بعض من أهالي المدينة التي كانت وقتها عبارة عن منطقة جبلية يسافرون إلى فلسطين لجلب بعض البضائع وبيعها، ولم يكن يتخطى عدد سكان المدينة في هذا الوقت 2000 نسمة ، وأضاف : منذ نهاية عهد الرئيس عبد الناصر ومع دخول عصر الرئيس السادات حدث تحول كبير في القنطرة غرب في تركيبتها السكانية وشكل مبانيها، وأصبح هناك عدد من القرى التابعة لها، بعد أن استقر بها عدد من الوافدين أغلبهم من الصعيد، ونظرا لقربها من مدينة بورسعيد نمت تجارة الملابس والأقمشة بها. ويستكمل الشيخ وحيد خليفة أحمد، إمام مسجد الجمعية الشرعية بالقنطرة غرب،: بعد نكسة 1967 وخلال فترة الحرب، لم يكن أمام أهالي القنطرة غرب إلا الهجرة بعد ما تعرضت له من عدوان، ولم يكن يتواجد بالمنطقة غير قوات تابعة للجيش المصري، وبعد انتهاء الحرب عاد أهالي القنطرة لبلدهم وعاد معهم العديد من أهالي محافظات مصر، وتحديدا الصعيد الباحثين عن فرص عمل، وبحكم القرب من مدينة بورسعيد كان يتم تهريب البضائع المستوردة "البالات" من بورسعيد للقنطرة دون جمارك أو ضرائب، ومن خلال عمليات غير مشروعة، وكان ذلك يتم منذ عام 1976 وحتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وهو ما ساعد على انخفاض أسعار الملابس رغم جودتها العالية ، وفي تسعينيات القرن الماضي شهدت مدينة القنطرة غرب رواجا كبيرا في بيع الملابس ، أصبح بها تجار يستوردون الملابس من الخارج مباشرة ، وكانت تأتي إلى بورسعيد ويتم نقلها إلى القنطرة من خلال ما يسمى بالمستخلص، الذي يحصل على عمولة مقابل إخراج البضاعة من الميناء، وبعد الحادث الذي تعرض له الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في بورسعيد عام 1996، تغيرت الأوضاع تماما، وتدهورت أوضاع القنطرة بعد إلغاء المنطقة الحرة ببورسعيد ، ومنذ عام 2004 وحتى قبل عام شهدت القنطرة غرب أزهي عصور التجارة بها، بعد أن بدأ استيراد السلع من الصين، واستفاد كثيرون من هذا الوضع، وزاد عدد المليونيرات بالمنطقة .. ولكن عادت الأوضاع إلى سابق عهدها، ولم تعد القنطرة غرب قبلة المصريين الراغبين في شراء البضائع رخيصة الثمن بعد القرار الحكومي بفرض جمارك قيمتها 14 دولارا على كيلو الملابس المستورد .. وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وندرة في عملية البيع . متر الأرض ب 30 ألف جنيه ويلتقط الحديث محمد محمد واكد، مدرس بالمعهد الأزهري، الذي أكد على ارتفاع أسعار الأراضي بالقنطرة رغم حالة الركود الاقتصادي، إلا أن المنطقة مازالت تحظى بأهمية كبير، حيث إن متر الأرض يصل في بعض المناطق إلى حوالي 30 ألف جنيه مثل شارع التحرير والسويس؛ بسبب قربهما من السوق التجارية بالمدينة.. كما أن الإيجار السنوي للمحل الذي تبلغ مساحته 12 متراً يتراوح بين 90 و120 ألف جنيه ، مؤكدا أن كبار العائلات في القنطرة غرب هي عائلات البياضية والأخرسية واليمانية وهم أساس البلد، ولكن أغلب التجار هنا الصعايدة، وهناك قبائل المعاذة والعيايدة والدراسة، وهؤلاء لم يستفيدوا من تجارة الملابس والبضاعة، فأهل المدينة يعيشون حول أطراف المدينة ويعملون في الزراعة وتربية المواشي، لكن وسط البلد يسيطر عليه الغرباء ويعملون بالتجارة.. أما أكبر التجار الذين يسيطرون على السوق بالقنطرة هو حكيم خلبوطي ، ورغم أن القنطرة شرق بها عدد كبير من الأغنياء إلا أنها تعاني من أزمات عدة منها البنية التحتية غير السليمة، والبطالة والإسكان، والمشاكل المتعلقة بالشباب وعدم قدرتهم على بناء مستقبلهم، كما أن الخدمة الصحية بها متدهورة بدرجة كبيرة، علاوة على قلة المدارس بها، رغم أنه يسكنها الآن أكثر من 50 ألف نسمة. 3 أنواع من التجار وقبل أن نتحدث عن الحي التجاري، يجب أن نعرف أولا طبيعة أو تركيبة التجار في المنطقة، حيث يوجد الحي أو السوق التجارية، وهو عبارة عن منطقة كبيرة تتبع لحي القنطرة غرب، مغطاة بشوادر كبيرة، ويوجد بداخلها ما يقرب من 1200 محل، والإيجار الذى يدفعه البائع للحي شهريا حوالي 150 جنيهاً ، علاوة على 800 فاترينة إيجارها الشهري حوالي 90 جنيهاً ، ثم تأتي بعد ذلك محلات الأهالي وهي منتشرة بشارعي التحرير والسويس والأماكن المحيطة بالسوق، وهناك فئة ثالثة من التجار، وهم ليس لهم أي وجود شرعي، وهم أقرب للباعة الجائلين الذين افترشوا عدداً من الشوارع أبرزها شارع التحرير، وهو الشارع الرئيسى بالمدينة، وهناك حالة غضب من التجار بسببهم، فهم أغلقوا الشوارع وهناك مطالبات بمنعهم من الوقوف في الشارع، كما أن هناك تقسيماً آخر للتجار والبائعين .. فهناك محلات بيع جملة وأخرى للقطاعي، ويقسم السوق إلى أسواق صغيرة منها سوق للجينز وأخرى لملابس الأطفال، وثالثة للحريمي وهكذا.. كما أن يومية العامل تختلف حسب المحل والتجار، وتتراوح بين 800 و1500 جنيه شهريا، حيث إن العمل يبدأ في السوق من الساعة التاسعة صباحا وينتهي عند المغرب، وقد يمتد لما هو أكثر في حالة وجود إقبال وزبائن. كل البضاعة مست وردة يقول أشرف يوسف، صاحب محل بيع ملابس، المنطقة مشهورة ببيع الملابس، وكان هناك زبائن كثيرون يأتون من كل محافظات مصر، حيث كانت البضاعة رخيصة جدا مقارنة بمثيلاتها في أماكن أخري ، ولكن هذا العام وبعد أن وصلت التعريفة الجمركية 14 دولاراً لكيلو الملابس ارتفعت الأسعار، صحيح أنها مازالت أرخص من مثيلاتها إلا أن هذا أدى إلى ندرة الزبائن، وتشتهر القنطرة أيضا بأنها كانت يقصدها العرائس لشراء الجهاز من ملابس وغيرها إلا أن هذا قل الآن، فلم يعد يوجد هنا إلا المنتج الصيني والمنتج المصري، أما المنتج التركي فهو نادر، ومن أشهر تجار المفروشات محمد اليماني ومجدي نصري، أما الأحذية فأشهر تجارها هيثم مراد وحارث عوض. ويقول أحمد اليماني، صاحب محل ملابس وخردوات : كل البضاعة التي أبيعها نستوردها من الصين، أو نشتريها من سالمون القماش بالمنصورة، والأشهر التي يكون فيها رواج في البيع مع بداية فصلي الصيف والشتاء، وهذا العام لم نشهد رواجاً بسبب ارتفاع الأسعار، لكن في كل الأحوال البضاعة التي تباع هنا في القنطرة أرخص بنسبة 50% عن أي بضاعة تباع في أي مكان آخر بمصر، وأتمنى ألا يطبق قرار الجمارك على الملابس والمنسوجات، كما هو الحال مع الأحذية والمصنوعات الجلدية ، فسابقا كانت تكلفة الحاوية التي تستورد حوالي 100 ألف جنيه ، أما الآن أصبح سعرها 250 ألف جنيه، وهو ما اضطرنا إلى رفع الأسعار. ويقول نصر عبد الحليم ، صاحب محل ملابس، لا أبيع إلا المنتجات المصرية، التي أشتريها من شارع الترعة البولاقية في شبرا ، وهناك مشكلة كبيرة تواجهنا وهي ارتفاع الأسعار التي زادت بنسبة تتراوح بين 50 و70% في العام الأخير، علاوة على ارتفاع أسعار الإيجار، و هو ما يهدد استمرارنا في هذا العمل .