من المسئول عن تهمة "تضليل الناس" بقضايا وهمية.. الإعلام أم الفيس بوك؟ صلاح عيسى: وسائل الإعلام تقوم بالتركيز على قضايا "تافهة" ياسر عبد العزيز: تورتة "الإعلانات" جعلت الحكايات السطحية هي الهدف الدكتور سعيد صادق: القضايا السياسية الكبيرة لن يهتم بها الكثيرون الدكتور جمال فرويز: مواقع التواصل الاجتماعي أكلت عقول المصريين على من تقع المسئولية في طوفان القضايا التى تشغل الرأي العام حالياً؟ وسائل الإعلام.. أم وسائل التواصل الاجتماعي.. أم المواطنون.. أم الدولة بكل أجهزتها؟ سؤال يبحث عن إجابة بعد أن تبدلت الأوضاع، وتحولت قضايا الرأي العام والتي من المفترض أن تشغل بال الكثيرين لقضايا عادية لا يتخطى الاهتمام بها مجرد "التنكيت والألش"، وغطت عليها القضايا التافهة والسطحية وأصبحت تحظى بالاهتمام الأكبر، ففي الماضي لم تكن قضايا الرأي العام التي تظهر على الساحة في العام الواحد يتخطى عددها أصابع اليد.. ولكن الآن الصورة مختلفة فأصابع اليد لا تكفي يوميا لعدد الموضوعات التي تتحول لقضايا رأي عام.. والحكاية كلها تشبه "الفنكوش" الذي كان يروج له عادل إمام في فيلمه الشهير ثم ظهر في النهاية إنه لاشيء، فهل كان تصريح الفنانة انتصار بمشاهدتها الأفلام الإباحية يستحق أن نخلق منه موضوعا من الأساس؟ وهل وصلنا لهذه الدرجة من السطحية لنتهكم على فستان وزيرة الهجرة نبيلة مكرم في أثناء آدائها اليمين الدستوري؟ أم أن حضن الفنان أحمد حلمي لزوجته منى زكي في مهرجان السينما العربية هو الحدث الذي كان الملايين ينتظرونه؟ وهل القضية التي اتهمت فيها الفنانة غادة إبراهيم كانت تستحق هذا القدر من الإفيهات؟ وهل كانت ميريهان حسين بأزمتها مع أحد ضباط الشرطة تستحق أن تناقش لأكثر من شهر؟ الأمثلة كثيرة، منها وقفة رمضان صبحي وفستان فيفي عبده وزيادة وزن حازم ابو اسماعيل، وغيرها من الأخبار التي كان يجب أن تمر مرور الكرام دون أن نتوقف عندها.. لكن ماذا حدث لنضع توافه الأمور علي قمة اهتماماتنا ونغطي بها على قضايانا الرئيسية التي تمس صميم حياتنا؟.. الكاتب الصحفي، الأستاذ صلاح عيسى، أكد أن قضايا الرأي العام، هي الموضوعات والمشكلات التي تثير اهتمام النسبة الأكبر من الجمهور، وتستحوذ على قدر كبير من التركيز عليها، وذلك في فترة زمنية ليست بالقصيرة، ويكون الاهتمام بها جدي وليس لمجرد التسلية، أو التنكيت من بعيد، بحيث يتم البحث عن القضية ومعرفة أبعادها وتفاصيلها كاملة ومناقشتها وإبداء الرأي بها. وحمل الاستاذ صلاح عيسى المسئولية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة مسئولية التركيز على القضايا التافهة، وتحويلها لقضايا رأي مستبعدا وسائل التواصل الاجتماعي من هذه التهمة، حيث أكد أن الإعلام هو اللاعب الرئيسي في هذه القضية، فبعد تطور الوسائل التكنولوجية بشكل كبير وازدياد أعداد القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية والمواقع الإلكترونية، أصبحت مؤثرة بشكل كبير، وإذا قرر الإعلام أن يخلق اهتماما بقضية ما حتى إذا كانت تافهة، فإنه يفعل ذلك وينجح في إثارة اهتمام الناس بها على نطاق واسع، ويحولها لقضية رأي عام. وأضاف: أن مواقع التواصل الاجتماعي من فيس بوك وتويتر، لا تتحمل أي مسئولية تجاه الترويج لبعض القضايا التافهة، لأن انتشار الإعلام أوسع منها، وأكثر تأثيرا صحيح أن هناك اهتماما بعدد من القضايا من قبل رواد هذه المواقع إلا أنها لا تستطيع تحويلها لقضية رأي عام. فرواد مواقع التواصل يقومون بالتسلية، ولا يبحثون خلف الخبر ولا المعلومة، ولا التفاصيل، وهو يتنافي مع طبيعة قضية الرأي العام التي تتسم بالعمق. أما الخبير الإعلامي، ياسر عبد العزيز، فحملت وجهة نظره توجها آخر، فالمسئولية هنا لم يحملها لوسائل الإعلام، مؤكدا أن الظاهرة ليست مقتصرة على مصر فقط، بل هي ظاهرة عالمية، فهذه النوعية من الأخبار التي تتحول لقضايا رأي عام، هي موضوعات تحظى باهتمام الجمهور في جميع دول العالم، وبالتالي الوضع في مصر ليس وضعا شاذا، ولكن المشكلة في مصر أن هذه النوعية من الموضوعات والقضايا السطحية، تستحوذ على الاهتمام الأكبر لدرجة أنها لا تترك مجالا للقضايا الكبرى أو قضايا الرأي العام أن تأخذ حقها من المناقشة والاهتمام. وأضاف ياسر عبد العزيز: أن صناعة الإعلام في مصر هشة ويتحكم فيها سوق الإعلانات، فهناك تنافس من قبل وسائل الإعلام لجذب الجمهور للحصول على نسبة أكبر من عائدات الإعلانات، وهذا لا يحدث إلا من خلال تقديم كل ما هو مثير مهما كانت درجة سطحيته، وسبب انجذاب واهتمام الجمهور بمثل هذه النوعية من الأخبار التافهة هو انخفاض نسبة الوعي لدى المصريين، والكل يعرف سببه وهو تدنى مستوى التعليم والثقافة المقدمة للمواطن. وأشار إلى أن الإشكالية ليست إشكالية إعلامية ولكنها إشكالية مجتمعية وإن كان الإعلام يتحمل جزءا من المسئولية، مؤكدا أن الحل يتمثل في آليات التوعية ورفع مستوى الوعي لدى المواطنين عبر برامج تعليمية، منوها عن وجود ما يسمى بالتربية الإعلامية، وهي ليست موجهة للإعلامين والصحفيين فقط، ولكن أيضا للجمهور فالتربية الإعلامية هي عبارة عن مجموعة من البرامج تنتظم في استراتيجية معينة هدفها توعية الجمهور ورفع ذائقة التلقي لديه، ويمكنها أن تسهم في تقليل الميل الحاد للجمهور في التوجه نحو هذه النوعية من القضايا السطحية. الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أكد أن مسألة تحويل بعض الموضوعات الهامشية لقضايا رأي عام تستحوذ على اهتمام ووقت كبير من المواطن سببه الرئيسي هو الإعلام، أو الأجندة الإعلامية، مشيرا إلى أن الإعلام هو الذي يحدد توجه المواطن، أو الأمر الذي يريده أن يفكر فيه، وبالتالي نجد كثيرا أن الإعلام يضع بعض الموضوعات التافهة في مقدمة نشرات الأخبار، ويعطيها مجالا واسعا للنقاش في برامجه. مؤكدا، أن القائمين على الإعلام يفهمون طبيعة الموضوعات التي تجذب انتباه المواطن، فهم متأكدون من القضايا السياسية الكبيرة التي تهم المواطن أو الموضوعات المتعلقة بالخدمات لن تلفت نظر سوى القليلين، وبالتالي هم يلعبون على هذه الوتيرة، لأنهم يعرفون أن موضوعات الجنس والجاسوسية والدين مهما كانت هامشية إلا أنه يمكن تضخيمها بحيث تستحوذ على عقل الجمهور وتجعله يتفاعل معها، ودعني هنا أضرب مثالا، بمقال كتبه أحد طلاب الجامعة الأمريكية عن اضطهاد الشواذ داخل الجامعة، الإعلام تناول الموضوع بمنطق غريب وتم تضخيمه وتصويره للرأي العام على أن رئيس الجامعة يتبع جهاز المخابرات الأمريكية وأن هناك مؤامرة وتم تأليف قصص ليس لا علاقة بالقصة، وتحويل موضوع بسيط لقيمة تشغل الرأي العام. وأضاف: أن مصادر المعلومات بالنسبة للمصريين ترتيبها كما يلي، الإعلام الخاص، وهدفه بالدرجة الأولى تجاري بحت، وأتذكر هنا ما أخبرني به أحد المسئولين عن إحدى المحطات الفضائية المعروفة، عندما قلت له لماذا تتصدر موضوعات الإثارة بكل أشكالها الموضوعات التي تقدمونها على الشاشة فقال لي بشكل واضح وصريح: إن هدفه المكسب فهو ليس مصلحا اجتماعيا، وأن الأمور التنموية ليست في ضمن أولويات الموضوعات التي يقدمها على شاشته.. أما المصدر الثاني للمعلومات عند المصريين فهي الفضائيات الدولية، والمصدر الثالث مواقع التواصل الاجتماعي، وتأتي في ذيل القائمة، الإعلام الحكومي، وهو ضعيف أمام كل هؤلاء الثلاثة من حيث جودة المنتج الذي يقدمه وعوامل جذبه للجمهور، ولا يستطيع أن يواجه كل ما تقدمه الثلاثة مصادر الأولى من إثارة لمشاعر الجمهور، فالإعلام الحكومي لا يستطيع أن يقدم قضايا الرأي العام الحقيقية بصور تجذب الجمهور بعيدا عن قضايا الرأي العام المزيفة التي يقدمها الإعلام الخاص ومواقع التواصل الاجتماعي. أما الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، فأرجع قصة تضخيم بعض الموضوعات وتحويلها لقضايا كبرى، إلى مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا أن حمى التواصل الاجتماعي أكلت عقول المصريين، وسيطرت على تفكيرهم، وأصبح الفيس بوك وتويتر من أساسيات وضرورات الحياة لدى الفئة الأكبر من الشعب. وأضاف الدكتور جمال فرويز: أن هناك حالة من الفراغ لدى قطاع كبير من المصريين، علاوة على حالة الإحباط التي تصيب البعض بسبب الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يجعلهم يلجأون إلى التوافه ويبتعدون عن القضايا الرئيسية والمهمة، ويبدأون في التركيز على هذه الأمور التافهة، والتنكيت على القضايا المهمة. أما فيما يتعلق بالإعلام، فلم يعد هو المورد لوسائل التواصل الاجتماعي، بل هو المستقبل، فالبرامج تبحث عن الهاشتاجات الأكثر رواجا، وتضعها في مقدمة أخبارها، وتناقشها بشكل كبير وتخصص لها مساحات كبيرة من المناقشة، ثم تتلقى وسائل التواصل الاجتماعي المناقشات التي قامت بها وسائل الإعلام، وتأخذ القصة أكثر من دورة مما يزيد الأمور التافهة من التضخيم، وتتحول من مجرد خبر بسيط أو مشكلة طارئة لقضية تشغل بال الرأي العام، مؤكدا أن الدولة عليها أن تلعب دورا في ملء هذا الفراغ لدى الشباب وأن تتواجد في هذا الفراغ، وأن تحاول التركيز على القضايا المهمة، وتبرزها وتركز على المشروعات القومية، حتى تجمع المواطنين حول فكرة وقضية ومشروع كبير يشغلهم عن الأمور التافهة.