رمضان جانا وكرتونته معاه أهلا رمضان .. وحوي يا وحوي كرتونه وكمان وحوي برضه كرتونه .. أغاني رمضانية جديدة يرددها البسطاء في بلدنا منذ عدة سنوات نتيجة الحالة الاقتصادية المتردية التي يعيشونها. فالكراتين وموائد الرحمن طقوس رمضانية ظاهرها بر وإحسان وتعاطف وباطنها في كثير من الأحيان سياسة ودعاية انتخابية وترسيخ لقيم استهلاكية ضارة بالمجتمع ومؤثرة علي أدائنا لفريضة الصيام . تلك الفريضة التي تحولت لملحمة غذائية أكثر منها عبادة روحانية في كثير من الأحيان بدليل أننا ننفق وفقا لتقرير من البنك الدولي مليار جنيه يوميا علي الطعام في هذا الشهر الكريم وهذا ما أكدته دراسة أخري صادرة العام الماضي عن مركز البحوث الاجتماعية والجنائية والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والتي جاء فيها أن المصريين ينفقون 200 مليار جنيه علي الطعام سنويا 15 % منها في رمضان فقط .. وأكثر ما في الأمر استفزازا انه في الوقت الذي تعلو فيه الكثير من الأصوات بالصراخ من الغلاء فأن 60% من الطعام الذي نعده طوال الشهر يلقي في القمامة .. فهل هذا معقول؟ ! يتكالب الآلاف منذ الأيام الأخيرة من شهر شعبان و يقفون في طوابير أمام الجمعيات الأهلية ويتعاركون كثيرا للحصول علي كرتونه أو شنطة بها الكثير من المواد الغذائية .. تلك الكراتين التي يقال إنها تساعدهم علي توفير جزء من متطلبات أسرهم من الغذاء وقد توفر كل المتطلبات لمن احترفوا الانقضاض علي حق غيرهم فيها والحصول عليها أكثر من مرة ومن أكثر من مكان . العام الماضي تم توزيع ما يقرب من ثلاثة ملايين كرتونه علي المحتاجين وذلك من وزارة التضامن الاجتماعي والجمعيات الأهلية وخاصة الدينية وإذا افترضنا أن الحد الأدني لقيمة الكرتونه 50 جنيها فان تكلفة تلك الكراتين تبلغ 150 مليون جنيه و إذا أضفنا إليها 13600 مائدة رحمن تقام سنويا ويتردد عليها 2 مليون فرد وفقا لما جاء في إحصائية لمركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء بتكلفة 516 مليون جنيه أي ما يقارب مائة مليون دولار .. فإننا نجد أنفسنا أمام مئات الملايين من الجنيهات التي يمكن أن يتم استغلالها لإقامة مشاريع إنتاجية صغيرة يتم فيها تشغيل عدد كبير من العاطلين والمحتاجين وأصحاب الظروف الخاصة إذا كان الهدف المساعدة الحقيقية لأننا بذلك سنحول مرتادي تلك الموائد ومحترفي الحصول علي الكراتين لطاقات منتجة بدلا من ترسيخ ثقافة التسول في مجتمعنا . تلك الثقافة التي تزداد حتي بين بعض ممن لا يحتاجون بدليل أن 78% من رواد موائد الرحمن طبقا لما جاء في دراسة لمركز معلومات رئاسة الوزراء معظمهم يعملون في القطاع الخاص و 15% من العاملين في الحكومة .. أي أنهم أفراد يعملون ولهم دخل وحتي إن كان قليلا فلابد أن يكتفوا به أو يبحثوا عن وسائل ليحصلوا بها علي قوت يومهم غير التسول المقنع الذي كان يشجعهم عليه عدد من أقطاب الحزب الوطني المنحل والإخوان .. هذان الفصيلان السياسيان اللذان اتخذا من الكراتين وموائد الرحمن في كثير من الأحيان وسيلة لتقديم رشي انتخابية مقنعة وكثيرا ما حملت الشنط أو الكراتين شعارات سياسية وحددت اليافطات فوق بعض موائد الرحمن انتماء صاحبها السياسي . طريقة مؤسفة تعاملنا بها مع احتياجات بعض البسطاء واشترينا أصواتهم خاصة في المناطق الشعبية والعشوائية التي يرفع فيها الساسة شعار ( أطعم الفم تستحي العين ) هذا الحياء الذي كان ومازال سيد الموقف لأنه لاشيء تغير والساسة الجدد لم يغيروا شيئا بل زاد الأمر بشاعة وشراسة لأننا الآن سنطعم الفم ليس فقط للحصول علي صوت في الانتخابات البرلمانية القادمة بل لشراء اسم وصورة بطاقة وتوقيع علي طلب انضمام لبعض الأحزاب . وأمام هذه الجرأة في المتاجرة بالبسطاء لابد أن نكون أكثر حسما في التعامل مع هذه الطريقة المزرية في شراء الضمائر وليس فقط شراء الأصوات .. فبعد أن ترسخت فينا قيم استهلاكية بغيضة تتناقض مع فريضة الصوم أصبح لزاما علينا أن نساند بعضنا لتجاوزها والتمسك بروحانيات الشهر الكريم وسنن رسولنا في التعامل مع الطعام .. فما نقوم به ليس من الإسلام في شيء وهذا التبذير الغذائي لا يجعلنا إخوانا للشياطين فقط بل وزملاء للمتسولين وعبيدا للسياسيين الذين لن أقول كلهم لا هدف لهم إلا مصالحهم . الجمعيات الأهلية التي يتسابق شبابها في تعبئة الكراتين والوقوف علي موائد الرحمن لماذ لا يفكرون في وسائل تحول متعاطي هذه المسكنات الغذائية من مدمني التسول إلي طاقات منتجة .. ولماذا لا يتبنون أفكارا وبرامج إعلانية ودعائية يحاربون بها القيم الاستهلاكية بدلا من إعلانات طلب المساعدات خاصة أننا مقدمون علي عام أو عامين من التقشف الذي لابد أن نواجهه بقيم مختلفة . وأيضا رجال السياسة والاعمال عليهم أن يساعدوا الجمعيات بتخصيص الملايين التي تنفق لترسيخ هذا الأسلوب المعيشي البغيض القائم علي الكسل والاعتماد علي الغير والبذخ غير المنطقي لإقامة مشاريع منتجة يستطيعون بها أيضا خلق جماهيرية حقيقية لهم وسيكسبون أصواتا في جميع الانتخابات لكنها ستكون أصواتا واعية تعرف لماذا تقول نعم لهذا ولا لذاك .. لان الجائع والمحتاج غير مضمون الصوت لأنه سيبيعه لمن يدفع أكثر مادام الأمر كله مصالح في مصالح . الحديث في هذا الأمر في هذه الأيام المباركة يبدو بغيضا لكن الواقع أكثر بغضا بعد أن حول الفساد في هذه البلاد علي مدار السنوات الماضية شريحة كبيرة من المصريين لأبو كرتونه .. وتحول شعار الغلابة ل ( كرتونتنا عليك يا رب ) فهل يمكن أن تتغير الصورة هذا العام ؟ لا أظن بل ستزيد تشوها لذا يظل الرهان علي ضمائرنا وضمائر السياسيين التي يمكن أن نوقظها شوية في رمضان وبعدين نخليها ترجع تريح تاني يعني مش هنطمع إنها تصحي علي طول مرة واحدة .. فالتدرج سنة الكون ولتكن البداية مع بشائر هذا الشهر الكريم لننال فيه الرحمة والمغفرة والعتق من النار بإذن الله وكل عام وانتم طيبين ومن غير كراتين صايمين وفي بيوتكم مش علي موائد الرحمن فاطرين وتذكروا قول الله تعالي ( تحسبهم أغنياء من التعفف ) صدق الله العظيم .. فتعففوا عن الاستماع لنداء البطون ولا تعطوا لأحد الفرصة للمتاجرة بأحلامكم وإهدار كرامتكم في مرحلة جديدة تعيشها بلدنا نتمني أن نصل فيها بتعففنا جميعا عن مصالحنا الخاصة وطلباتنا الصغيرة لبر الأمان . فكرة التكافل والبر والتعاطف مطلوبة لكن بدون أغراض أو مقابل لكن تظل التنمية والبناء والقضاء علي الفقر أهم لننتصر في غزوة الكراتين التي ننهزم فيها كل عام فهل آن لنا أن ننتصر؟