وسط شظايا النار الهاربة من تحت مطرقته والأجواء الصعبة المحيطة به إلا أن "محمد أسواني" يذهب يوميا إلي عمله باسم الوجه, طيب القلب, متوكلا علي الله, لايبالي بأضرار تلك الحرفة الخطرة, لاسيما يستخدم درجة حرارة عالية جدا, و يضرب بمطرقة تزن قرابة ال5كيلو . يبدأ "اسواني" يومه عقب شعائر الفجر مباشرة متجها "لدكانه" المتواضع بجانب مقابر السيدة عائشة حيث نادرا ما يمر المواطنون, وإن مروا يكون فقط لزيارة موتاهم. و يقص الحداد حكايته "ل الشباب" قائلا: أبلغ من العمر خمسة و ثلاثبن عاما, ورثت تلك الحرفة عن أبي و تعلمتها بإتقان إلي أن أصبح الحديد في يدي كالعجين الطري, و في الواقع لم أجد حرفة أخري سوي تلك لتكون مصدر رزقي. و تابع: أعلم خطورة تلك المهنة ويجب علي من يمارسها أن يكون متمكن منها و يتقن فن الطرق بشدة,لأن خطورتها قد تصل لتشوهات في الجسم او حروق او كسر في العظام . وأضاف "محمد" قطعة الحديد كالبشر تقريبا, منها المطيع و منها المتعب, ولكن حين تعصيني قطعة الحديد لابد من معاقبتها بشدة, ويكون عقابها بالضرب بمطرقة أقوي إلي أن تلين.
وأفصح الحداد عن معاناة تلك الحرفة المتعبة التي لا تقل أهمية عن باق الحرف وهي التكلفة الكبيرة لتصنيع المسمار و في النهاية يكون المكسب "ملاليم". حيث قال: أشتري "سوست" السيارات من محلات الخردة بأسعار مناسبة و أقطعها, و أيضا أبتاع الفحم البترولي الذي كان يستخدم في القطارات قديما و كذلك شراء انواع من المطارق, بجانب الجهد المبذول في الطرق و التصنيع, ناهيك عن الإصابات والكسور, و في النهاية أبيع المسمار الذي يبلغ طوله 15سم بسبعون قرشا . وأشار "اسواني" إلي أن التجار و بائعي الحدايد يبيعون المسمار الواحد بخمسة عشر جنيها وهذا في قمة الإستغلال, ولو كان يعلم الشاريّ التكلفة الحقيقية لهذا ما كان اشتري شيئا, ولكن هذه ارزاق "ورزقي و رزقك علي الله". وفي نهاية يوم عمل شاق يغلق اسواني "دكانه" ذاهبا لبيته وسط المقابر ليأخذ قسطا من الراحة, ليعاود العمل في اليوم التالي.