ناس من مصر

العزف علي الحديد !

عبدالتواب يصارع قطعة الحديد بالنار من أجل تنفيذ ما يريده الزبون
تحت عشة من الخوص، تهب من تحتها ألسنة اللهيب يفترش الارض، إلي يساره مطرقته الحديدية ذات الأيدي الخشبية، وعلي يمينه بعض المعدات اليدوية البسيطة التي يستخدمها في الدق علي الحديد.. لتشكيله كما يحلو له حرارة الشمس رسمت علي وجهه كل قساوتها، والنار تحيطه من كل الجوانب انه عبدالتواب الجابري «الحداد»، يجلس علي الارض وقد تلون وجهه باللون الخمري من شدة الحرارة التي يتحملها من أجل لقمة العيش .
النيران تعتبر العامل الاساسي في عمله حيث يعتمد عليها لتليين الحديد لاستخدامه في أغراض عديدة. يتفنن في تحويل قطعة الحديد الصلبة إلي شيء لين يستطيع تشكيله إلي أشكال عديدة وصناعة بعض المنتجات التي عجزت الالات في صناعتها. ورغم ان الانسان الان اصبح يعيش في القرن الواحد والعشرين الا ان عبد التواب لم يتخل عن مهنته التي تعلمها منذ ان كان عمره 10 أعوام وظل يعمل بها حتي الان رغم ان عائدها المادي متواضع مقارنة بالمجهود الذي يبذله ورغم كل العناء والمشقة الا انه يفتخر بانه قاهرالحديد. فمهما كانت قطعة الحديد صلبة فانه قادر علي أن يصنع منها ما يريد فهو يري في نفسه القوة والتحدي لقطعة الحديد، يغني علي مدار يومه للتقليل من عناء العمل التي قدرت الأيام له ان يصبح باب رزقه الوحيد فهو أب لخمسة أطفال يريد ان يطعمهم من مال حلال.
اقتربنا منه لنتعرف علي تفاصيل يومه؟
قال: انا راجل شغلي لازم يكون في النور الساعة 8 الصبح لازم اكون تحت فرشتي عشان اشوف أكل عيشي باحاول بكل مجهودي اتقن شغلي لانه مصدر رزقي وكل ما يكون شغلك أفضل.. الزبون هيجيلك ويدور عليك.. وفي نفس الوقت شغلي محتاج للفن والدقة في تليين الحديد علشان تقدر توصل للشكل اللي الزبون محتاجه .
وتابع عبدالتواب كلامه بأنه يقوم بصناعة اجهزة المعوقين والتي تفوق جودتها تلك التي يستوردها التجار من الصين وحول مدي تأثر عمله سلبا في ظل ظهور المعدات الحديثة؟قال: الرزق ده بتاع ربنا المهم تعمل اللي عليك وبعدين المعدات الحديثة تقدر تعمل معظم الاشكال لكنها تعجز في بعض الاحيان عن تنفيذ ما يريد الزبون.. وهو ما يستطيع الحداد فعله. لأن هذا العمل به جانب فني وهذا يميز حدادا عن آخر .
انتهينا من الحديث معه وبمجرد مغادرتنا فرشة عبدالتواب عاد صوته يتعالي في الغناء مع دقات علي الحديد منتظمة أشبه بالعزف في محاولة منه للتخفيف عن نفسه من أعباء عمله فاليوم طويل وقطعة الحديد مازالت امامه يصارعها من أجل تنفيذ ما يريده الزبون واخراجه في أحسن صورة .