أتلقي عبر البريد الإلكتروني يوميا العديد من الرسائل .. أتوقف أمام بعضها أحيانا بكثير من التأمل والإعجاب وأود أن يشاركني فيها كل من يقرأ ما أكتبه ومنها هذه الرسالة التي تكشف عن أننا طوال سنوات العمر نبحث عن السعادة وهي بين أيدينا وأمام أعيننا ولا نراها فنحن نقنع أنفسنا بأن حياتنا ستعرف السعادة بعد أن نتزوج .. ونتزوج ونستقبل طفلنا الأول أو طفلا آخر من بعده ولكن للأسف نك والحقيقة أنه لا يوجد وقت للعيش بسعادة أفضل من الآن .. من اللحظة التي أنت فيها . وإن لم يكن الآن فمتي إذن؟ الحياة مملوءة دوما بالتحديات ولذلك فمن الأفضل أن نعيشها بسعادة أكبر علي الرغم من كل التحديات . في كل مرحلة نتوهم أن الحياة والسعادة الحقيقية هما علي وشك أن تبدآ , ولكن في كل مرة تكون هناك محنة يجب تجاوزها وعقبة في الطريق يجب عبورها وعمل يجب إنجازه ودين يجب سداده ووقت يجب أن يمر لكي تستمر الحياة . وأخيرا وربما بعد فوات الأوان نبدأ في فهم أن كل هذه الأمور كانت هي الحياة والسعادة ذاتها وأنه لا وجود للطريق نحو السعادة . فالسعادة هي بذاتها الطريق ولذلك استمتع بكل لحظة في هذا الطريق . لا تنتظر أن تنتهي من الدراسة ومتاعبها أو أن ينخفض وزنك قليلا أو أن تزيد من وزنك قليلا أو أن تبدأ عملك الجديد أو أن تتزوج أو أن تبلغ نهاية الأسبوع أو الحصول علي علاوة أو سيارة جديدة أو أثاث جديد أو أن يأتي الربيع أو الصيف أو الخريف أو الشتاء أو أن تقوم بإجازة سنوية أو أن تتم إذاعة أغنيتك علي الراديو لا تنتظر أي شيء من كل ذلك حتي تشعر بالسعادة وحتي تكون سعيدا . السعادة رحلة وليست محطة تصلها , ولا يوجد وقت أفضل من الآن لكي تكون سعيدا ولذلك عش حياتك وتمتع باللحظة الحاضرة وفكر وأجب عن هذه الأسئلة : } ما أسماء الأشخاص الخمسة الأغني في العالم؟ } ما أسماء ملكات جمال العالم للسنوات الخمس الماضية؟ } ما أسماء حائزي جائزة نوبل للسنوات العشر الماضية؟ من المؤكد أنك لن تستطيع الإجابة عن كل هذه الأسئلة وقد يبدو أنها أسئلة صعبة والحقيقة أن هؤلاء الاشخاص لا أحد يتذكرهم جميعا . فمع مرور السنين يختفي التهليل والجوائز يسكنها الغبار , والفائزون يتم نسيانهم بعد فترة قصيرة . ومرة أخري هل يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة : } من هم أكثر ثلاثة أساتذة اثروا في حياتك الدراسية؟ } أذكر أسماء ثلاثة أصدقاء وقفوا معك في وقت شدتك . } فكر في بعض الأشخاص الذين جعلوك تري نفسك شخصا مميزا . } تذكر أسماء خمسة أشخاص تسعد عند قضاء وقتك معهم . هذه الأسئلة تبدو أسهل من الأخري , أليس كذلك؟ وهذا يؤكد أن الأشخاص الذين يعنون لك شيئا في الحياة ولا يصفهم أحد بأنهم الأفضل في العالم ولم يفوزوا بالجوائز وليسوا من أغني أغنياء العالم هم الأكثر أهمية في حياتك لأنهم الذين يهتمون ويعتنون بك , ويتحدون الظروف للوقوف إلي جانبك وقت الحاجة .. فكر في هذا للحظة واحدة وتذكر أن الحياة قصيرة جدا والسؤال هو : إلي أي مجموعة من المجموعتين تحب أن تنتمي؟ إن المشاعر الإنسانية الصادقة هي أعظم وأنبل ما في الإنسان . ففي إحدي المسابقات في اوليمبياد سياتل , شارك تسعة متسابقين معاقين جسديا أو عقليا , في سباق مئة متر جريا وانطلق مسدس بداية السباق , لم يستطع الكل أن يجري ولكن كلهم أحبوا المشاركة فيه وأثناء السباق انزلق احد المشاركين من علي كرسيه علي المضمار وسمعه الثمانية الآخرون وهو يبكي فأبطأوا من الجري وبدأوا ينظرون إلي الوراء نحوه ثم توقفوا تماما عن الجري وعادوا إليه ... عادوا جميعا إليه ثم جلست بجانبه فتاة منغولية , وضمته نحوها وسألته : أتشعر الآن بتحسن؟ فنهض وانضم إلي الجميع ومشوا جنبا إلي جنب كلهم إلي خط النهاية معا وهللت الجماهير الموجودة وصفقت لهم طويلا .... الأشخاص الذين شاهدوا هذا مازالوا يتذكرونه ويقصونه حتي الان ... لماذا؟ لأننا جميعا في دواخل أنفسنا نعلم أن السعادة في الحياة هي أكثر بكثير من مجرد أن نحقق الفوز لأنفسنا . لأن الأكثر أهمية في هذه الحياة والسعادة الحقيقية فيها هي أن نساعد الآخرين علي النجاح والفوز , حتي لو تطلب ذلك أن نبطئ وننظر إلي الخلف ونغير اتجاه سباقنا نحن . فربما يساعدنا ذلك علي تغيير قلوبنا وقلوب غيرنا . ودائما لاتقل : يا رب إن لي هما كبيرا بل قل : يا همي إن لي ربا كبيرا .. فرزقك مقسوم وقدرك محسوم وأحوال الدنيا لا تستحق الهموم .