استطاع خلال السنوات العشر الأخيرة أن يكون واحدا من أهم كتاب جيله والسنوات القادمة ستشهد طفرة كبيرة في مسيرته المهنية إذا ما استمر في قفزاته المعرفية والتزم بتوجهاته التي لم تتغير بالرغم من انتقالاته المتعددة بين الكثير من الصحف . وحتي حينما اتجه للعمل الفني صنع أعمالا مختلفة لكنها من بيئة واحدة هي التي عاش فيها .. بلال فضل ضيفنا في الحوار التالي .. استطعت أن تكون من أنجح الكتاب الشباب في وقت كان من الصعب أن تظهر فيه المواهب الصحفية , فهل تري أن الباب صار مفتوحا بشكل أكبر لاكتشاف المواهب؟ ربما كنت سعيد الحظ بمصادقة كتاب وفنانين كبار وأصبحت مع الوقت حاسب نفسي عليهم عمريا ووجدانيا , أما حكاية اكتشاف المواهب فأصبحت موضة قديمة , حيث إن الموهبة الآن تفرض نفسها , فيوجد شباب يكتبون مدونات علي الإنترنت أهم 100 ألف مرة من كتاب كبار محتلين مساحات لا يستحقونها , هذا بخلاف أن هؤلاء الشباب لديهم قراء أكثر 100 ألف مرة من قراء الصحف الورقية , فكل يوم يظهر شعراء وروائيون وكتاب سيناريو ومخرجون ومطربون , ومن يتابع النشاط الشبابي يكتشف ذلك . هل تحققت فكرة تواصل الأجيال بين جيل من الكتاب الكبار مثل أحمد رجب وأنيس منصور ومحمود السعدني وجيلك ؟ أنتسب لجيل أتي في مرحلة انتقالية , فقد بدأت الكتابة في أوائل التسعينيات , وكنت محظوظا بأن كل من أعشقهم وأحلم بهم كنت أعرفهم شخصيا فيقرأون لي ويعلقون علي ما أكتبه , و من ضمنهم نجيب محفوظ ومحمود السعدني وأحمد رجب وهيكل والأبنودي وعادل إمام وأحمد زكي وصلاح السعدني ومحمود عوض وفهمي هويدي وأسماء من كافة التيارات والخبرات , وفعلا كان هذا من فضل ربنا علي أن أعيش مع هذا الجيل من العمالقة وأستفيد منه وأتعلم من خبرته في الحياة ومن أخطائه أيضا . ولكن ألم يجعلك ذلك منفصلا عن جيلك؟ أبدا , لقد تعلمت ألا أنفصل عن جيلي , أكون مبسوطا أن الأستاذ محمود عوض يعزمني عنده في البيت علي العشاء مع صباح فخري ثم أخرج من عنده لألحق بحفلة لمنير , وقبل عودتي للمنزل أشتري شريط عمرو دياب الجديد , فلابد أن تعيش إيقاع زمنك ولكن أيضا لابد ألا تغلق زمنك عليك وتنسي أن هناك ماضيا كل ما به يؤثر عليك وتفاعلك مع الاثنين هو ما يحدد شكل مستقبلك . هل تعتبر نفسك من جيل محظوظ أم مطحون؟ لا أستطيع الحديث إلا عن نفسي , فأعتبر نفسي محظوظا بما تعرضت له من طحن , وأشكر كل من عطل لي فيلما أو صادر صحيفة أعمل بها أو منع برنامجا كنت سأظهر فيه أو رفدني من جريدة لأن كل تجربة من هؤلاء أفادتني جدا بحمد الله . هل الأجيال القادمة تعتبر أكثر أم أقل حظا من جيلك؟ الأجيال القادمة هي التي ستصنع حظها باجتهادها ومقاومتها ليس بحكمي أو بحكم غيري , كما أني مؤمن دائما بأن أجمل الأيام هي التي لم نعشها بعد . يؤخذ عليك أنك مصنف طوال الوقت بالمعارضة برغم كتابتك من قبل في إصدارات قومية فلماذا لم تحاول إبعاد نفسك عن التصنيف؟ وهل المعارضة عيب لكي أبعد نفسي عنها , بالعكس فأنا كتبت في الصحف القومية لكي أعارض من داخلها , لأن دور الصحافة أن تعارض وليس أن تؤيد , والمعارضة بمعناها الواسع هي مهمة المثقف والفنان , وليست المعارضة معارضة الحكومات فقط وإنما معارضة التطرف والتعصب والجهل والتنميط وكل المعاني الفاسدة في الدنيا . يؤخذ عليك أيضا استخدامك للعديد من الإيحاءات والألفاظ بمقالاتك وكتاباتك فلماذا أنت مصر علي هذا النوع من الكتابة؟ أنا لا أفتح الكمبيوتر وأدخل علي ملف الإيحاءات وأختار منه وأبدأ أكتب , فالكتابة هي التي تفرض عليك في لحظة أن تكون جريئا وأخري أن تكون مهذبا , وفي لحظة تكون رقيقا وأخري تكون جارحا , كل حالة ولها طبيعة ومفردات , وكل شخصية تنطق بلسان , وأعتقد إني كنت في البدايات اتهم باني أتعمد ذلك , ولكن حينما شاهدت الناس لي أفلاما ومسلسلات ومقالات لا يوجد بها إيحاءات , فهموا أني لا أتعمد استفزازهم وإنما هناك ضرورة فنية أو درامية لإيصال معني معين أو شعور معين . ولكن مازال هناك من يرفض استخدام هذا الأسلوب في كل الأحوال؟ أنا لا أطلب من الكل أن يوافق علي ذلك , لأن من الطبيعي أن يكون في الدنيا ناس محافظون , وهذا حقهم , ولكن أيضا لابد أن يحترموا رغبة الآخرين في أن يروا الدنيا علي حقيقتها , وبعدين الحياة اختيارات , فإذا رأيت أن فلانا يضايقك بألفاظه فلا تقرأ له مقالا أو تشاهد له فيلما , لأن الأخلاق مسألة نسبية وكل واحد من الكتاب بيتكلم بلسان الطبقة التي خرج منها , ولا يوجد جملة أكتبها إلا إذا كانت تعبر عن طبقتي , وإن كان هذا يثير مضايقة ناس من طبقات أخري فهم أحرار في رأيهم والدنيا تسع الكل . قلت أن هناك خطأ ما يحدث حينما تكون اللغة العامية أساس الكتابة , فهل تري أن هذا جاء بعد فوات الأوان وبعد أن أصبحت العامية وسيلة رئيسية للكتابة لدي الكثير من الكتاب؟ هذا ضعف واستسهال , فشعر العامية شيء والكتابة بالعامية شيء آخر , ولو حولنا الكتابة إلي مجرد رغي وثرثرة مثل الكلام الذي نقوله علي القهوة , إذن ما قيمتها , ولكني أختلف مع القول بأن الكثير من الكتاب يكتبون بالعامية , فأنا أقرأ لشباب صغار جدا يكتبون لغة عربية رائعة ومطعمة بالعامية وبتعبيرات عصرهم , وهذا ليس جديدا , فعمنا محمود السعدني في كتاب ' زي الموكوس في بلاد الفلوس ' كان يكتب بأسلوب مبني علي الفصحي لكنه استخدم العامية فيه حسب الموقف , وهذه هي الكتابة التي تعيش من وجهة نظري . تحدثت عن السخرية السوداء , فهل هناك ألوان للسخرية تعكس درجاتها؟ أنا أحب تعبير الضحك المجروح , الذي يخفي وراءه معاني ويدفعك للتفكير , ولكن الضحك السادة مطلوب أيضا وكثيرا ما قدمته سواء في أفلام أو مقالات وهدفه أن تضحك فقط دون أن يكون مطلوبا منك أن تفكر فيما هو أكثر من الضحك , لكني أري أن الأرقي والأصعب والأطول عمرا هو الضحك المجروح . لماذا نشعر بأن صيغة السخرية التي تقدمها من خلال مقالاتك أكبر بكثير من تلك التي تستخدمها علي شاشة السينما؟ لأن المقال الساخر له فنية وآلية , والفيلم له فنية وآلية مختلفة , والمشكلة ليست عندي بقدر ما هي عند من لا يفرق بين أنواع الكتابة , لكن تستطيع أن تقول إني حققت في الكتابة الكثير من طموحاتي أما في السينما فلدي مشاريع متعثرة لو تحققت سوف أكون سعيدا جدا . لماذا نجد الفئة الشعبية هي الفئة الغالبة علي الأفلام التي تكتبها؟ لأنها الطبقة التي انتمي إليها , وأنا سعيد بذلك . ما تقييمك للتجارب التي خضتها من خلال السينما حتي الآن؟ مازال المشوار طويلا , لكني راض عن كل ماقدمته بما فيه من أخطاء لأني استفدت منها جدا , خصوصا أنه لا يوجد أحد غصبني علي عمل , فأنا مسئول عن كل قرار اتخذته , ولكني لا أنشغل دائما بالنظر إلي الخلف , بقدر ماأفكر فيما هو قادم . بعد النجاح الذي حققته ما الشيء الذي لم تستطع تحقيقه حتي الآن؟ لم أحقق واحدا علي الألف من أحلامي , وأتمني أن يرزقني الله العمر والصحة لكي أحاول تحقيقها .