أهم ما يجب الانتباه له على طريق الثورة هو أن ما حققته ثورة 25 يناير حتى الآن مازال فى بدايته وأن ما يحيط بهذه الثورة من أسباب تدعو إلى القلق أكثر مما يحيط به من علامات تبعث على الطمأنينة وعندما يتغير النظام بحيث لا يسمح بتكرار ما جرى طوال السنوات الماضية ساعتها فقط يمكن أن نحتفل بالنصر ونطمئن إلى أننا بالفعل وليس بالكلمات لن نعود لما قبل 25يناير، وعلى الطريق لتحقيق ذلك يستحق المشهد فى مصر التوقف بالتفكير والمراجعة أمام الأمس واليوم وما هو منتظر حدوثه فى الغد.. ربما تكشف البدايات وما حملته من إشارات ودلالات عن بعض أجزاء الصورة التى مازالت يلفها الغموض حيث يجب أن نتوقف أمام فكر حكام مصر فى التعامل مع الشعب المصرى.. وهو فكر سلطوى ينظر إلى المواطنين باعتبارهم عبيدا لحكام هم أسياد هذا الشعب ومجر إعادة قراءة للبيانات الثلاثة التى ألقاها الرئيس الراحل حسنى مبارك خلال الأزمة تكفى لنتأكد أنه رغم العاصفة والثورة كان الاستعلاء على الجماهير عقيدة راسخة لدى السلطة الحاكمة كلها وبدا ذلك واضحا فى بيانات رئيس النظام وأدواته ورغم التراجع الواضح الذى أرغم عليه حسنى مبارك على أن " يتخلى " عن سلطات رئيس الجمهورية إلا أن التعالى والاستعلاء جعله يرفض الاعتراف بأنه يفعل ذلك استجابة لصوت الشعب ومطالبه.. على أساس أن ذلك تنازل لا يجوز من نصف الإله.. وحين يقول مبارك " وبكل الصدق أقول لكم إننى لم أكن أنتوى الترشح لفترة رئاسية ثانية " فإن ذلك لا يعنى سوى أن سيادته كان يخرج لسانه وهو يقول للشعب " اخبطوا رؤوسكم فى الحائط " وما تطالبوننى بالتنازل عنه أنا فى غنى عنه ولم أكن أريده أساسا!! رغم أنه هو نفسه الذى قال قبلها " سوف أواصل تحمل المسئولية ما دام القلب ينبض وحتى آخر نفس"!! ومع ذلك فهو حين يتراجع يعجز عن أن يكون مثل الملك فاروق الذى تنازل عن العرش " استجابة لمطالب الشعب المصرى الكريم " وعندما يقول نائبه السيد عمر سليمان فى واحدة من لقاءاته للحوار من أجل امتصاص غضب الشعب " إننا كنا نتوقع ثورة الشباب بعد عام " وعندما يقول وزير الداخلية السابق حبيب العادلى بكل غطرسة فى حوار معه يوم 26يناير " إن مظاهرات 25يناير تمت تحت عين الداخلية وبموافقتها " فإن كل ذك يعكس بصورة قاطعة كيف كان هؤلاء ينظرون للشعب من أعلى بكل غطرسة واستعلاء وأنهم " فوق الشعب ".. وعلى طريق الثورة يجب أن نتوقف أمام ملابسات " تخلى " مبارك عن سلطاته كرئيس للجمهورية ومدى دستورية ومشروعية المشهد كما جرى.. فالمعروف والمتفق عليه أن الحاكم عندما يترك الحكم وهو على قيد الحياة وفى فترة ولايته فإن ذلك يتم من خلال إعلان الحاكم بنفسه لقرار تنازله أو تنحيه أو تخليه عن الحكم كما حدث عندما خرج الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى الناس وعلى شاشات التليفزيون يعلن بصورته وصوته قراره بالتنحى عن الحكم وأسباب هذا القرار.. وهو ما لم يفعله مبارك دون أى تفسير!! أو قد يتم تنازل الحاكم عن الحكم من خلال وثيقة دستورية تحمل توقيعه تعلن ذلك على الشعب وهو ما فعله الملك السابق فاروق الأول حين تنازل عن عرش مصر بثورة 1952.. وفى حدود ما أعلن حتى الآن فإن ذلك أيضا لم يفعله مبارك.. وكل ما حدث هو أن نائبه خرج على الناس فى بيان من سطر واحد يعلن فيه أن الرئيس محمد حسنى مبارك قرر التنازل عن سلطاته كرئيس للجمهورية.. ولم نسمع عن وثيقة دستورية بذلك ولو من أجل التاريخ وهو أمر يدعو للشكوك خاصة بعد مرور نحو شهر على تخلى مبارك عن منصبه دون ظهور مثل هذه الوثيقة. المقال القادم ( هل يجوز غلق ملفات الحساب بحجة بناء المستقبل؟ ) لبيب السباعى