تعتبر عزبة البرج إحدى المدن المهمشة على الخريطة المصرية، وإن كان التهميش أصبح نتاجا طبيعيا لعصر الفساد إلا أن "عزبة البرج" كانت ولا تزال تعيش بفكرة الاكتفاء الذاتي. فقد قررت المدينة بأكملها التعايش مع تهميش الحكومة لها ولكن لم تستطع أن يكون ذلك بلا ضحايا.. تقع مدينة عزبة البرج داخل محافظة دمياط ويعد المدخل الرئيسي لها من خلال مدينة رأس البر التي تقع في نفس المحافظة ، ولكن أغرب ما في الموضوع أن وسيلة الانتقال بين المدينتين ليست برية، حيث أن نهر النيل- فرع دمياط - يفصل بين المدينتين ولذلك فتجد الأهالي يتمركزون أمام محطات المعديات التي تعبر بهم من مدينة رأس البر إلى عزبة البرج والعكس، ومن هنا تبدأ معالم الحياة في التغير، حيث أن المعدية ليست أكثر من قارب صغير متهالك وتعريفته خمسين قرشا ، ولكن المعاناة تبدأ حينما تجد السيدات من كبار السن يبدأن رحلاتهن الشاقة في الصعود والهبوط من وإلى القارب، وما أن تطأ قدميك على أرض العزبة وتشعر كأنك انتقلت إلى عالم آخر، حيث أن المقارنة بين المدينتين تشبه المقارنة بين حي الزمالك وعشوائيات الدويقة مع الفارق، حيث أن المدينة ليست أكثر من ميناء لأسطول مراكب الصيد وبطوله سوق رئيسي تغلب عليه تجارة الأسماك، ومن ثم مجموعات كبيرة من المربعات السكنية العشوائية التي في أقصى رقيها تعد أسوء مثال للبناء العشوائي، فالأزقة هي السمة الغالبة والبيوت متلاصقة ومعالم الفقر والإهمال في كل مكان وهو ما دفع الناس هناك من قديم الأزل نحو الميناء وجلب الرزق من البحر وهو ما أثر بمرور السنين على طبيعة أهل المكان ومعالمه، ومثلما أتى ذلك بالرزق أتى أيضا بمشاكل مختلفة أخذت تتطور بمرور الوقت.. ## يقول العربي أحمد مجدي-أكبر تجار السمك في الميناء-: المدينة هنا تحتوي على العديد من المشاكل التي قد تواجهها أي منطقة أخرى سواء من عشوائيات أو قلة الخدمات وغيرها، ولكن أضف إلى ذلك أن المدينة لا يوجد بها أي مصدر دخل آخر سوى تجارة الأسماك ولذلك اتجهت المدينة كلها نحو البحر المتوسط، وهو الأمر الذي جعل المدينة تمتلك أكبر أسطول للصيد على مستوى الشرق الأوسط حيث أننا لدينا أكثر من 28 ألف مركب صيد يتراوح سعر الواحدة منها ما بين 500 ألف ومليون جنيه ، يعمل على كل منها حوالي 10 أفراد ، وهو الأمر الذي يعكس حال أهل المدينة الذين أصبحوا يعتمدون على مهنة الصيد وتجارة الأسماك بشكل أساسي، وبما أن الموضوع لا يقتصر على صيد الأسماك وبيعها داخل مصر فقط حيث أن الأسماك التي تباع في القاهرة والمحافظات بما فيها المدن الساحلية مثل الإسكندرية التي لا تستطيع أن تكتفي ذاتيا أصبح يظهر لدينا بعض العقبات التي لها علاقة بالسفر إلى الدول الأخرى حيث أننا نجوم معظم دول العالم لنبيع صيدنا هناك ، فبرغم الدخل الذي نجلبه والذي يفتح بيوت الكثير من الناس هنا، وبرغم أن الحكومة لا توفر لنا سبل المعيشة إلا أنهم يضيقون علينا الخناق في إصدار التراخيص اللازمة لنا أيضا، وبجانب ذلك لا يوجد أي اهتمام بتوفير سبل تنمية التجارة من حيث المرافق التي مقارنة بما نراه في دول أوربا تعتبر غير صالحة للعمل الآدمي، بخلاف ذلك الصياد يخرج كل رحلة وهو لا يعلم إن كان سيعود مرة أخرى أم لا فإذا سلم من تضييق غفر السواحل قد لا يسلم من الغرق حيث أن الكثير من الحوادث وأقربها تلك التي مات فيها أخي غرقا حيث أتصل بعض من كان على متنها بأهليهم محددين مكانهم ليبلغوا ليتم إنقاذهم ولكن لم يتحرك أحد وماتوا جميعا، وهذا لعدم أهمية أرواح هؤلاء البشر بالنسبة للحكومة من جانب وعدم توافر أبسط سبل الأمان لمن على متن مراكب الصيد من جانب آخر، وحتى إن سلموا من هذا وذاك قد لا يسلموا من الخطف حيث أن الصيادين الذين تم اختطافهم من قبل القراصنة الصوماليين حيث اختطف من قبل أكثر من 100 رهينة ونكتشف بعد عودتهم أنهم خلصوا أنفسهم بالمجهود الذاتي وليس بدعم من الحكومة، وما أريد أن أقوله أننا لا نريد من الحكومة أي شئ سوى أن تتركنا في حالنا على الأقل ولا تقف أمام مصدر رزقنا. ## ## ## ويضيف نادر عبد الحميد-صياد-: لقد قضيت سنوات طويلة في معظم دول أوربا، وكنت أنوي مثل الكثير من أهل المدينة ألا أعود مرة أخرى، ولكن ما أريد أن أقوله أن الصيادين المصريين يعانون الكثير من المشاكل التي تبدأ من بلادهم حيث أن الضباط هناك يعاملوننا معاملة سيئة ويسبوننا وحينما نعترض فيقولون لنا أننا في بلدنا يضربوننا بالجزم فلماذا تعترض على مجرد السب، ولذلك قررت العودة مرة أخرى حيث أني اكتشفت أن المشكلة ليست مجرد مغادرة البلاد والعيش في بلاد أخرى بينما لها علاقة بالهوية التي أصبحت مرتبطة بنا طوال العمر، وبالرغم من هذا يوجد الكثيرين من أبناء المدينة ممن تعايشوا مع الأمر وظلوا هناك، ومنهم من بقى ورضى بحاله، فأهل البلد هنا كل ما يريدونه هو القليل من الاهتمام وتسليط الضوء على مشاكلهم، لأننا في الأساس في حالنا ولا نثير المشاكل، حتى أثناء الثورة كانت الأوضاع لدينا مستقرة حتى برغم توغل الإخوان المسلمون داخل المدينة، ولكننا لم نشترك ولا نهتم سواء بالثورة أو انتخابات الرئاسة أو غيرها، حيث أننا عموما ليس لدينا وقت لأي شئ سوى عملنا فنحن نقضي نصف عمرنا في البحر والنصف الآخر في النوم بعد رحلات تستغرق بعضها أيام وبعضها الآخر أسابيع، وكل ما يثير غضبنا هو شعورنا بأن الحكومة تتعمد قطع عيشنا لمجرد أننا مسالمين حيث أن مشروع أجريوم الشهير الذي رفضناه جميعا بسبب الشراكة الإسرائيلية والأهم من ذلك أن سيعود على المحافظة كلها بالضرر حيث أن المواد الكيميائية المشعة التي يستخدمونها في خط إنتاجهم ستدمر المنطقة، هناك كلام حول عمل نفس المشروع ولكن تحت أسم آخر داخل الميناء وما أكد لنا ذلك أن حول المصنع لا يوجد شجرة واحدة استطاعت البقاء على وجه الأرض، بخلاف نفوق الأسماك حيث منذ بداية وجود المصنع وحتى الآن نفقت ثروة سمكية تقدر بعشرة ملايين من الجنيهات. ##