هؤلاء لا تفرق معهم مصر وأحوالها سواء قبل الثورة أو بعدها ، وللأسف .. المجتمع كله حتى الآن يتجاهلهم رغم انتشارهم في معظم شوارع العاصمة ..وتشير بعض الاحصائيات إلى أن عددهم يصل إلى 12 ألفا في شوارع القاهرة فقط .. كلامنا عن مجانين الشوارع المنتشرين في مكان ..ولا أحد يعرف عنهم شيئا ..والبعض منهم خطر لدرجة تصل إلى ارتكابهم لجرائم ..والبعض الآخر في حالة صمت ..في هذا التحقيق حاولنا التقرب من بعض المجانين والتحدث معهم لنعرف عنهم أي شئ .. وهذا التحقيق ليس الهدف منه الضحك علي كلام مرضى نفسيين مجانين ..بل من الممكن أن نبكي من كلماتهم ..فالهدف من ذلك هو محاولة الوصول لحل مشاكلهم ومحاولة قراءة ولو جزء بسيط مما يدور في أذهانهم... رمضان عايز ربع جنيه ! البدايه في وسط البلد مع رجل يجلس بجانب الحائط ،وكل فتره ينام على ظهره ثم يقوم في لحظة ،وكلما يمر بجانبه أحد يقول له (هات ربع جنيه يا حبيبي )،وإذا كانت فتاة يقول لها (هاتي ربع جنيه يا مزّه)،وإذا أعطاه أحد الربع جنيه يقول له هارجعهولك بعدين ويشوّح له بيده،وإذا لم يعطه أحد المارين أي شئ ينظر إليه ويقول له (قبل ما تمشي هاته)،وكان يرتدي جلباباً متسخاً جدا ،وحافي القدمين ،وبجانبه شبشب ،وعندما يسير في الشارع يمسك هذا الشبشب في يده ولا يلبسه ،وسنه يقترب من الستين تقريبا ، وكان أحيانا يتكلم مع نفسه ويشير أمامه لشخص غير موجود ،ويقول (أعمل ايه بقى ما خلاص )،ويضرب بيده على الهواء وكأنه يضرب أحداً بالقلم على وجهه ،ودخل في مشادة مع أحد عندما شد شخص كان يسير أمامه ليطلب منه الربع جنيه ،فشتمه هذا الشخص ،فرد عليه وقال له (سيبها على الله وأنت هتعرف)،واقتربت منه وأعطيته جنيهاً فرماه في وجهي،وعندما أعطيته ربع جنيه أخذه ،ودار بيننا هذا الحوار... أنت اسمك أيه؟ سيبها على الله،وكله عليه يا ابني. طيب أنا عايز أعرف اسمك؟ اسمي رمضان والحمد لله يعنى. وأنت منعم رمضان وايه حكايتك؟ ين يا مش عارف بس سيبها على الله،لا حكايه ولا روايه ولا عايز حاجه . طيب أنت عايز ربع جنيه ليه؟ علشان أشتريه ياريت ،هات ربع جنيه يا حبيبي. تشتري ايه؟ اشتريني ،ولا أي حاجه...بس سيبها على الله،الواحد كده يبقى زي الفل لو كان هناك. هناك فين؟ لو رايح خدني معاك والنبي يا حبيبي. فين؟ عنده هناك ،لو أديتني ربع جنيه هاتروح. عند مين؟ سكت ونظر للسماء،وقال (قوله)! هو أنت عندك أولاد؟ أولاد ليه يعنى ما أنا معايا ربنا كفاية ،هو أنا عامل ايه يعني في الدنيا دي علشان يكون عندى . طيب متجوز؟ لا إله إلا الله ،ما قولنا سيبها على الله بقى . طيب عايش فين ؟ أنا عايش أهو ،أمال أنا ميت ،ولا أنت عايز تموتني ،خد فلوسك أهى..وألقى الربع جنيه في وجهي ،وعندما كدت أرحل من أمامه وجدته يقول لي :هات ربع جنيه يا حبيبي ،وكأنه نسي أني كنت أتحدث معه ،ثم أعطيته الربع جنيه مرّه أخرى ،واستكملت حديثي معه... أنت عايش مع مين؟ مع رمضان وربنا،مفيش غيره ،وأنت عايش معاه. وبتنام فين؟ أنا مش عايز أنام ،روح نام أنت،وسيبها على الله. طيب تعرف مين هنا؟ عارف إن الناس دي ولاد حلال ،بيدوني ربع جنيه . طيب تعرف مين في مصر؟ سكت ،وشوّح لي بيده ،وقال أنا مش عايز أعرف حد. وأنت عندك كام سنه؟ كام سنه ازاى يعني ،أنا كبير. ووجدته يرتدي طاقيه مكتوب عليها الأهلي ،فسألته :أنت لابس طاقيه عليها اسم الأهلي ..أنت أهلاوي؟ لأ معرفهوش ،بس مش هاتاخدها مني...ووضعها وراء ظهره. أنت معاك فلوس؟ مش هاتاخد غير فلوسك ،أنا معايا أكتر منك،ورزقك عند ربنا . طيب مش عايز أكل ؟ نظر إلى جانبه ولم يكن هناك شئ ،وقال:الأكل جنبي أهو ،الناس سابته ومشيت . طيب أنت عايز ايه ؟ مش عايز حاجه ،بس عايز الناس دي تمشي بقى هما كتير كده ليه. والناس مالها؟ عايز منهم ربع جنيه ومش راضيين. ## ست الناس وبالقرب من رمضان ،وبالتحديد في شارع عماد الدين ،وجدت سيدة كبيرة في السن ،كانت تقف أمام مطعم وكانت تشتم عامل المطعم حتى أعطاها طعاما ،وجلست لتأكل ،وكان يبدو عليها الهدوء الشديد حتى في كلامها وغضبها ، سألت عنها في الشارع ،فقالوا إنهم لا يعرفون عنها أي شئ ،فهي تأتي الشارع من الصبح ولا يعرفون أين تعيش أو أي ظروف عنها،وعندما تريد أي شئ من أحد تشتمه لتحصل على طلبها سواء أكل أو شرب ،ولا تطلب فلوس من أحد،وإذا حاول أحد إعطائها فلوس لا تأخذها وتشتمه ،وأحيانا تشتم المارين في الشارع بكل هدوء،وكانت ترتدي ملابساَ متسخه جدا ،وكانت تمشي مرفوعة الرأس وتجر في يدها شنطة كبيرة ،اقتربت منها وكان هذا الحوار.. أنت مين؟ أنا ستك وست كل الناس ،واللى مش عاجبه ح ياخد بالجزمة. ليه كده بس هو حد زعلك؟ قالت بكل هدوء :أنت ماتقدرش تزعلني لإني ستك ،وست كل الناس،عايز حاجة تاني. طيب اسمك ايه؟ باكل رز مع الملايكة. طيب بتعملي ايه هنا؟ أنا هنا في بيتي ومطرحي ،أمال أنت فاكر أيه ،الحتّه دي بتاعتي ،والناس دي بتشتغل عندي ،وأنت كمان هاشغلك عندي،وأكلك . طيب أنت متزوجة ؟ أنت عايز تتجوزني ولا ايه ،لا أنا مش عارفه حاجه،ومش هاديلك أكل،أخلص الأكل وأروح أكل وأشرب. وبدأت تتلفت حولها وتنظر للناس بنظره عميقه ،وتوقفت عن الأكل ،ثم نظرت في يديها وفي الأكل ،وضحكت وقالت (يا أولاد الكلب)ثم استكملت الأكل . وسألتها..عندك أولاد؟ عندي قطة واحدة ،وقاعدة جنبي أهي. طيب عايشه مع مين؟ مع الناس دي كلها ،عند اللى قاعدين هناك وبيبصولي دول ،خليهم يبصولي الجزم،ومش قاعد معانا. هو مين ده ؟ هو أنا أعرفك ولا أنت تعرفني. مين اللى مش قاعد معاكم؟ مش عايزاه ،أحسن كده علشان أكل لوحدي. ## مين ده ؟ وأنت مالك ،هو أنت تعرفني ولا أنا أعرفك. طيب بتنامي فين؟ بنام على كنبتي . فين؟ عند البيت اللي هناك ورا. أنت معاكي فلوس؟ لأ أنا عايزة أشرب بس..ومسكت زجاجة المياه وشربت . يعنى مش معاكي فلوس؟ لم ترد عليّ بعد ذلك ،خلّصت أكل وشرب وقامت ومشيت وتوجهت لمحل أيس كريم ،وشتمت عمال المحل بكل هدوء حتى أعطاها أيس كريم،وكانت تقول لهم (اديني ومش هاقول) ،وكان معها شنطه بها أشياء ،فتحدثت معها مرّه أخرى . أنت عندك كام سنة؟ نظرت إليّ ولفتت وجهها عني ولم ترد. الشنطه دي فيها ايه؟ بتاعتي،وفيها حاجاتي دي ،دا أنا جوه هنا،وحضنتها وقالت لي :عايز تاخدها مني كمان زي ما أخدت الأكل. طيب عايزة حاجة أو فلوس؟ عايزة أمشي . طيب أنت رايحه فين دلوقتي؟ أنا عايزة أكل ،ونسيت أروح هناك. ولم ترد عليّ بعد ذلك على أي سؤال ،وذهبت جلست مكان ما وجدتها ،وقعدت تأكل الأيس كريم،,أحيان تنظر أمامها في حالة صمت لعدة دقائق ثم تستكمل الأكل. ## حسين الجامد وفي ميدان رمسيس ،قابلت هذا الشخص والذي يجلس أمام محطة المترو،وقد يكون أعقل من تحدثت معهم ،وسنه تقريبا في الثلاثينات ،وكان حافي القدمين ،ويرتدي ملابس متسخه ،تقريبا ملابس شتوية ،وكان يجلس جلسة غريبة ،وينظر للناس في دهشة ،ولم يكن يتحدث مع أحد ،وتقريبا أنه معروف هناك ،لأن كل المارين عليه كانوا يقولوا له ازيك يا حسين ،وكان ينظر إليهم بإستغراب ولا يرد عليهم ،وعندما حاولت تصويره قبل أن أتحدث معه كان ينظر إليّ بنظره مخيفه ،فتوقفت عن تصويره وذهبت إليه ،ودار بيننا هذا الحوار... اسمك ايه ؟ نظر لي باستغراب،وتأخر في الرد ،ثم قال اسمك ايه؟ أنت مين وعايز مين هنا؟ قلت له: أنا اللي عايز أعرف اسمك؟ فقال :اسمي حسين الجامد ،حلو؟! أنت عندك كام سنه؟ مش عندي ،هو أنت عندك حاجه؟! أنت منين ؟ من المنصوره يعني هاكون منين يعني. وجيت هنا ليه وازاي؟ جيت ليه أنا مش عايزك تشوفني ،ومش عايز حد يشوف. مش عايز حد يشوف ايه؟ مش عايز حد يشوف أي حاجة . ليه؟ علشان أنا مش عايز الناس دي تشوفني . أنت هربان من حاجة ؟ أنا شايفك على فكرة ،وأنا هربت من الهوا. ومفيش حد هربان منه؟ أمشي يعني ولا ايه ،لأ مش هاهرب. طيب أنت اسمك الجامد ليه؟ علشان أنا حسين ،وبعدين أنا الجامد ،والناس تعرفني ،وبتقولي ازيك يا حسين. طيب أنت بتعمل ايه هنا؟ هنا فين يعني ! هنا مكان ما أنت قاعد؟ أنا هنا كده علشان مستني القطر والناس تيجي ،ومش عايز أقعد ،أنا هاقعد شويه. ناس مين؟ الناس اللي هما بييجوا علشان يركبوا هنا،بيطلعوا من هنا وينزلوا على طول ،وأنا هاستناهم. أنت مستني حد؟ أه مستني الناس لما ييجوا ح أقولهم حاضر. ح أتقولهم ايه ؟ ح أقولهم إنك جيت سألت عنهم،وكلمتهم في التليفون. أنت عايز حاجه من الناس؟ مش عايز حد يشوفني ،ولا أي حد يشوفني . ليه مش عايز حد يشوفك؟ علشان محدش يشوفني ،ويشوفوني ليه يعني ،هو أنا عملت حاجه ،ولا كلمتك. هو أنت فيك حاجه وحشه؟ لأ يا عم أنت بتقول ايه ،أنت مش عارفني ؟! طيب أنت بتروح أي مكان تاني؟ أه ،عايز أقعد هنا حبه كده ،وأمشي أنت ،أنا مش هاجي معاك. طيب أنت عايش فين؟ هنا في المنصوره. أنت هنا في المنصوره؟ لأ هنا أنا كده حلو بس ماتشوفنيش بقى. طيب أنت تعرف حد هنا؟ أه أعرف الناس بتوع القطر. بس هنا مترو مش قطر؟ مترو ومش جايين يعني،مش مهم،مترو مترو. أنت معاك فلوس؟ لأ هات أنت عندك كتير . طيب هاتعمل ايه بالفلوس ؟ يااه حاجات كتير ، بس هاشتري القطر. ليه؟ علشان الناس تركب وماتشوفنيش.