فازت قطر بشرف تنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2022 بعدما اختيرت في التصويت الذي جرى بالأمس بمقر الاتحاد الدولي لكرة القدم في مدينة زيورخ السويسرية وشارك فيه أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد .. رئيس الفيفا جوزيف بلاتر أعلن عن نتيجة التصويت لتصبح قطر أول دولة عربية وكذلك أول دولة في الشرق الأوسط تنال هذا الشرف ، لتتفوق قطر بذلك على اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والولاياتالمتحدة ، كما أعلن الفيفا قبل ذلك عن فوز روسيا باستضافة مونديال 2018 الذي كانت تتنافس عليه أيضا كل من إنجلترا إضافة إلى ملف مشترك بين إسبانيا والبرتغال وآخر مشترك بين هولنداوبلجيكا. ما سبق هو نص خبر كل الصحف ووكالات الأنباء نشرته .. لكن هناك حقائق بين السطور تعالوا نحاول قراءتها بهدوء .. روسيا نجحت في الفوز بشرف استضافة مونديال 2018 فى مفاجأة كبرى متفوقة على ملف إنجلترا الذي كان الأقوى بحسب التقرير الرسمي للفيفا .. وأيضاً متوفقة على ملفين مشتركين (بلجيكا - هولندا) و (إسبانيا – البرتغال) .. والغريب أن روسيا فازت رغم أن كل المسئولين السياسيين الكبار رفضوا السفر إلي زيورخ لعرض ملف بلادهم .. في إشارة منهم ربما لعدم وجود ميزانية كافية لتنظيم المونديال .. أو ربما لرغبتهم في اتخاذ الفيفا لقراره بدون ضغوط ولضمان المزيد من الشفافية في ظل الاتهامات التي وجهت للاتحاد الدولي بالفساد .. وبينما غاب الرئيس الأمريكي .. كان واضحاً أن حضور كبار المسئولين بقطر له تأثير كبير ، بلاتر قال بعد إعلان فوز قطر بتنظيم المونديال : أشكر قطر وأميرها لوجوده معنا، وأشدد على ضرورة شكر كل الدول التي تقدمت بطلبات ترشيح، وبصفتي رئيس للفيفا لا بد لي أن أشكر اللجنة التنفيذية لفيفا لأن في 2018 و2022 سنتجه لبقاع جديدة في العالم في روسيا والشرق الأوسط، وأنا مسرور للتطورات التي شهدتها المنطقة .. وبعيداً عن مونديال 2018 الروسي وقبله مونديال 2014 الذى ستنظمه البرازيل .. ما يهمنا هو ما حدث فى الصراع على شرف استضافة مونديال 2022 ، حيث كانت قطر قد ركزت فى ملفها على أبعاد مختلفة أهمها "قدرة كأس العالم على توحيد شعوب منطقة الشرق الأوسط تحت راية كرة القدم" .. الشيخة موزة – زوجة أمير قطر - اعتبرت أن تنظيم الشرق الأوسط لكأس العالم هو الخطوة الأخيرة والأهم لتعزيز وقع هذه الرياضة ، بينما ركز الرئيس التنفيذي للملف حسن الذوادي في كلمته على الموقع المميز لقطر والفوائد الاستثمارية التي ستصل إلى 14 مليار دولار بعيدا عن أرباح البطولة نفسها ، كما استعرض بعد ذلك مزايا الملف، حيث بدأ العمل "لبناء شبكة مترو أنفاق فريدة من نوعها في العالم، ومضاعفة قدرات الإيواء في الفنادق لتتخطى ما هو مطلوب في دفتر شروط الفيفا"، إضافة إلى الجوانب التقنية المتمثلة بالتغلب على ارتفاع درجات الحرارة من خلال ملاعب مكيفة الهواء وصديقة للبيئة. وكانت قطر كشفت في أبريل الماضي عن خمسة ملاعب مرشحة للمونديال، هي الغرافة والريان والخور والوكرة والشمال، إلى جانب ملعبي خليفة ونادي السد ، وسبق لها تنظيم كأس العالم للشباب عام 1995، وإحدى أفضل دورات الألعاب الآسيوية في التاريخ عام 2006، كما أنها ستحتضن كأس آسيا لكرة القدم ودورة الألعاب العربية عام 2011 .. أيضاً نظمت العديد من البطولات العالمية مثل ماسترز السيدات للتنس وإحدى مراحل بطولة العالم للدراجات النارية، وبطولة العالم لألعاب القوى داخل القاعة في مارس الماضي. لكن هناك ملاحظات كثيرة لابد وأن نتوقف عندها وكلها تحت شعار " التناقضات تتحد أحياناً " .. مثلاً قطر طوال مراحل عرض ملفها كانت تحمل تأييداً عربياً لدرجة أن سمير زاهر رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم أعلن قبل دقائق من الإعلان عن هوية البلد الذي سينال شرف تنظيم كأس العالم 2018 و2022 أن صوت هاني أبو ريدة عضو اللجنة التنفيذية بالفيفا سيذهب لقطر.. وذلك رغم أن الفيفا يمنع أعضاءه – رسمياً على الأقل – من الإعلان صراحة عن اختياراتهم .. خاصة وأن أبو ريدة واحداً من أصل 22 عضوا في اللجنة التنفيذية بالفيفا يختارون الدولة التي ستنظم المونديال .. والغريب أن زاهر أعلن عن موقف أبوريدة وهو يؤكد بالمرة على لقاء منتخب قطر وديا مع منتخب مصر في 16 ديسمبر الجاري بدلا من منتخب الأردن .. ورغم الدعم العربي .. لكن التناقض أن قطر استعانت ب"طفل إسرائيلى" أثناء عرض ملفها الخاص باستضافة مونديال 2022، على أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولى لكرة القدم، وظهر "طفل إسرائيلى" فى لقطة من فيلم تسجيلى أثناء عرض الملف القطرى، يُعلن تأييده إقامة المونديال فى قطر، وأمنيته أن يتواجه منتخب بلاده مع المنتخبات العربية وأن يتصافح اللاعبون معًا ويتعرف كل منهما على الآخر .. ربما هى لفتة غريبة لدينا لكن كان لها وقع السحر على الفيفا وأعضائه .. أيضاً العالم كله يعيش فى أزمة مالية .. جنوب إفريقيا حصلت على ملايين الدولارات من الفيفا لكي تنجح فى تنظيم مونديال 2010 .. الفيفا نفسه قال إنه سيساعد أي دولة تنظم كأس العالم بمليار دولار علي الأقل ، بينما قطر الوحيدة – حتى أمريكا لم تجرؤ على ذلك – قالت إنها لن تطلب مساعدات .. بل وتعهدت بضخ ما يقرب من 54 مليار دولار على تنظيم كأس العالم 2022 .. أيضاً معظم رؤساء الدول التى تقدمت بلمفاتها لتنظيم مونديالي 2018 و2022 لم يحضروا إلى زيورخ خلال التصويت النهائي .. والغريب أن الملفات التى كانت تنافس قطر كانت تستند على مميزات قوية جداً .. نجحت قطر فى اقناع الفيفا بأنها تملك الأقوى رغم فقدانها لما اعتمدت عليه هذه الملفات ، يعني مثلاً بالنسبة لحرارة الجو العالية خلال الصيف روجت الدولة الخليجية الصغيرة لفكرة الملاعب المكيفة بالكامل .. بل وقالت أنها ستفكر أيضاً في فكرة الشوارع المكيفة أيضاً !! بل وأن مشكلة الموقع الجغرافي وارتفاع درجات الحرارة لم يعيقا قطر عن تنظيم مونديال 2022 حيث أن درجة الحرارة في الملاعب التي ستقام عليها مباريات المونديال لن تتخطى 19 درجة مئوية، وأماكن تجمع الجماهير ستكون درجة حرارتها 27 درجة من خلال تقنية تكيف صديقة للبيئة ، ورغم أن الملفين الأمريكي والاسترالي أعتمدا على تنوع الثقافات في شعوب البلدين الكبيرين .. لكن الملف القطري ركز أيضاً على أن الدولة الخليجية تعتبر جسرا بين أوروبا وأفريقيا وآسيا، والانتقال إلى قطر لا يشكل أي مشكلة لملايين الأشخاص حيث أن مطارها الدولي الجديد المخطط له أن يتسع لاستقبال 50 مليون مسافر سنويا ما يضعه في مقدمة المطارات بالمنطقة ، فضلا عن أن حجم العوائد التجارية سيبلغ نحو 14 مليار دولار، الأمر الذي سيحرك اقتصاد المنطقة، دون احتساب العوائد الناتجة عن استضافة المونديال .. حضر بيل كلينتون رئيس الولاياتالمتحدة السابق بالإضافة إلى نجم هوليوود السينمائي مورجان فريمان ، لكن قطر كانت حشدت عدد كبيراً جداً من نجوم كرة القدم العالميين الذين لم يكن من بينهم لاعب قطري واحد .. أي أنها تحدثت مع العالم باللغة التى يفهمها أصحاب قرار التصويت .. وهذا كان ملاحظاً حتى من خلال تصريحات الشيخ محمد بن حمد آل ثاني رئيس الملف القطرى والذى أكد أن بلاده ستبدأ قريبا مسابقة دوري لكرة القدم للسيدات، وهو ما سيصحح صورة نمطية أخرى عن البلاد العربية بأنها تمارس تمييزا ضد المرأة ، بل وحول إمكانية تأهل المنتخب الإسرائيلي للمشاركة في نهائيات المونديال، قال "نحن نتبع سياسة عدم التمييز فيما يتعلق بالرياضة. وبالتالي فإن الرياضيين الإسرائيليين سيكون بإمكانهم المشاركة دون مشكلات".. قطر – صغيرة المساحة – تعتبر أحد أكبر خمسة أنظمة اقتصادية متزايدة النمو في العالم، يتمتع المواطنون في قطر بأعلى دخل للأفراد في العالم حيث يبلغ معدل دخل الفرد أكثر 85 ألف دولار سنويا بحسب نشرة صندوق النقد العالمي لعام 2008 ، ونتيجة لذلك تقوم الدوحة ببناء مرافق أساسية قيمتها أكثر من 100 مليار دولار أميركي ينتهي العمل بها عام 2012 ، قطر نجحت ليس فقط في الفوز .. لكنها حصدت أعلى الأصوات بينما مصر كان نصيبها الصفر الشهير فى سباق تنظيم مونديال 2010 وأيضاً كان الفشل من نصيب المغرب .. قطر هى أول دولة فى العالم تنظيم كأس عالم فى لعبة لم يسبق وتأهلت لها أصلاً .. أي كما يقول البعض أن القطريين أحد أهدافهم من انفاق كل هذه المليارات أن يضمنوا المشاركة فى البطولة ! .. واستكمالاً للتناقضات .. أمريكا وقطر الحليفان سياسياً افترقا رياضياً .. بل أن قطر حسمت الفوز باستضافة المونديال بعد الفوز في الجولة الأخيرة من التصويت على الولاياتالمتحدة بحصولها على 14 صوتا مقابل ثمانية .. والغريب أن القطريين تفوقوا بالخبرة الأمريكية والأوروبية التى سبق ونجحت فى الظهور بأكاديمية سباير الرياضية العالمية بالدوحة ، القطريون لم يخلطوا الأوراق .. يعني مثلاً مصر فى سباقها لاستضافة مونديال 2010 كان البعض يلمح لفشل منتخب الكرة دولياً – قبل تولى حسن شحاتة المسئولية فيما بعد – بينما القطريون لم يتوقفوا كثيرا عند خروج منتخبهم من الدور الأول لكأس الخليج منذ يومين فقط !! بل واستكمالاً لمسلسل الإبهار " الواقعي " لم تلعب قطر مع البرازيل أو الأرجنتين .. بل ضمن ملفها نجحت فى استضافة نجوم المنتخبين فى وقت واحد واحتضنت مباراة ودية بين البلدين حضرها أليكس فيرجسون المدير الفني لمانشستر يونايتد وجوزيه مورينيو مدرب ريال مدريد وغيرهما من العمالقة في اللعبة فى الشهر الماضي .. وقالت وقتها أنها بروفة ليعرف العالم كيف يمكن أن تنجح فى تنظيم نهائي المونديال !! وقطر تعرف أن هذا ليس نهاية المطاف .. ولن تفعل مثل جنوب إفريقيا وتتذكر تنظيم المونديال قبلها بعامين وبالتالى تتعرض لمشاكل انشائية مثلما حدث ، ولذلك نجد مثلا عضو الفيفا البارز القطرى محمد بن همام يقول : اجتزنا مرحلة سهلة وتنتظرنا مهمة صعبة في السنوات المقبلة لكني واثق من قدراتهم على ان يكونوا عند حسن الظن كما اثبتوا في الماضي .. لقد حسمنا شوط المباراة الأول ويبقى ان ننجح في إنهاء المباراة من خلال إخراج تنظيم كأس العالم بأبهى حلة . أيضاً قطر تعى أن عيون آسيا بالذات ستكون عليها ، فلن يجري أي تصويت آخر لاستضافة كأس العالم إلا عام 2020 ، وبسبب القاعدة التي تنص على عدم إقامة نهائيات كأس العالم في قارة واحدة مرتين متتاليتين فإنها لن تذهب على سبيل المثال إلى الصين أو الهند أو استراليا التي انضمت مؤخرا إلى الاتحاد الاسيوي لكرة القدم ، وكما توجد مؤشرات فى صالحها مثل معدلات الجريمة المنخفضة في الدولة التى يسكنه مليونا شخص نصفهم تقريبا من الأجانب ، لكن أيضاً مستوى الكرة المحلية عليه علامات استفهام .. صحيح هناك مسابقة دوري محترفين عالية المستوى تستقطب نجوما عالميين مثل البرازيلي جونينيو وقبله جوسيب جوارديولا مدرب برشلونة والنجمان الهولنديان فرانك ورونالد دي بوير والمهاجم الارجنتيني السابق جابرييل باتيستوتا ..لكن أيضاً لا يوجد في قطر سوى 18 ناديا محترفا وعددا من أندية الناشئين وهى تحتل المركز 113 في تصنيف الفيفا للمنتخبات العالمية. عموماً .. الشيء الذى يدعو للإعجاب فى الملف القطرى الناجح هو ما قاله أحد المروجين له أسطورة الكرة الفرنسية زين الدين زيدان .. وفور الإعلان عن انضمامه لقائمة سفراء الملف القطري صرح للصحفيين "لا يوجد شيء مستحيل، علينا أن نسعى نحو الكمال عندها يكون المستحيل ممكناً، لا حدود لأحلامنا لكن علينا وبكل بساطة أن نؤمن بها لنحولها فيما بعد إلى حقيقة ملموسة. عندما نعمل بكد وجد ونحترم الكبيرة والصغيرة يمكننا تحقيق النجاح والذهاب إلى أبعد حدود الحياة " ، وإذا كانت كأس العالم تمثل للكثيرين كرة قدم ممتعة .. لكنها ستعتبر أيضاً بالنسبة لقطر انطلاقة غير مسبوقة على الصعيد السياسي والرياضي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، 12 عاماً وربما تظهر على التاريخ " قطر " أخرى غير التى نعرفها ..