نظمت مكتبة مصر العامة بالزاوية الحمرا حلقة نقاش بعنوان "حدوتة بعد النوم" يقدمها الباحث التاريخي بسام الشماع بحضور أكثر من عشرين طفلا، حيث تناولت الحلقة رواية قصة بعنوان "الملك الذي أعتذر"، وتدور حول الملك "نفر إر كا رع" الذي أخطأ في حق أحد الأشخاص فاعتذر له، وشملت الحلقة مسابقة بين الأطفال الحضور لرسم لوحة تعبر عن أحد مشاهد القصة، وتسلم الأطفال أصحاب أفضل ثلاث لوحات هدايا تذكارية من الباحث، إلى جانب وضعها في لوحة شرف المكتبة. وقال بسام الشماع: "هذه هي التجربة الخامسة لي في إطار المنظومة الثقافية المتميزة لمكتبة مصر العامة، والتي أتمنى ألا تتدهور كأشياء كثيرة بدأت متميزة ثم تدهورت"، وأضاف أن "حدوتة بعد النوم" حلقات تستهدف حكي تاريخ مصر القديمة وحكمها للأطفال من عمر خمس إلى عشر سنوات بالاعتماد على قصص حقيقية رويت على جدران المعابد وموسوعة "مصر القديمة" للعظيم سليم حسن لا الأساطير، وهي تجربة قام بها من قبل مع السياح أثناء عمله في الإرشاد السياحي. وأشار إلى أن قصة "الملك الذي أعتذر" تستهدف غرس قيمة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، وأن الاعتذار قوة ووفاء وإخلاص وصداقة. وعن أهمية الدراسات التاريخية قال: "من لا ماضي له لن يستطيع أن يتعامل مع حاضره ولا أن يتنبأ بمستقبله، فهلا تعلمنا شيئا من التاريخ؟ وهلا نقرأه لنتعلم من أخطائنا؟"، مشيرا إلى أن قارئ التاريخ المتأمل سيجد من الأحداث الجارية ما يشبه فصولا معينة من ماضينا، ووجه الشماع دعوة إلى رؤساء وحكام الدول العربية لقراءة تاريخ الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي حكم الدولة الإسلامية لسنتين وخمسة أشهر وبضعة أيام ولكنه استطاع أن يحقق خلالها إنجازات باهرة، مضيفا أن تعلم التاريخ قضية أمن قومي، فعدونا ليست له جذور، ولذلك يسرق جذورنا. وأضاف الشماع أن الماضي لم يكن كله محاسن، فمصر القديمة عرفت التحرش والبلطجة، وكان فيها الصالح والطالح، والمطلوب أن نستحضر هنا روح العلماء المتميزين والمظاهر الجيدة في التاريخ حتى نستنسخها ثم نبدع ونبتكر. وأعرب الشماع عن خيبة أمله لترديد كلمة "ظلام القرون الوسطى"، مؤكدا أن هذه القرون شهدت أوج عظمة الدولة الإسلامية، مدللا على ذلك بعلماء كالزهراوي والبيروني وابن سينا، وأن هذا هو المسمى الأوروبي لها، حيث شهدت فيها أوروبا عصور الجهل والدول الدينية المتطرفة، وفجر الشماع مفاجأة عندما قال أن العالم العربي الجزري هو أول من اخترع الإنسان الآلي "الروبوت" الذي يتحرك آليا في كتابه "الحيل النافعة" الذي يضم أكثر من خمسين اختراعا، والكارثة أن بعض المخطوطات الأصلية لهذا الكتاب موجودة في المتحف الإسلامي في القدسالشرقية تحت يد الصهاينة! وأضاف أن الصهيونية فشلت في هزيمة جيوشنا، فلجأت إلى "الضرب الثقافي" بسرقة وتشويه التاريخ، فمتحف "إسرائيل" في القدسالشرقية به نصف مليون قطعة آثار، والقسم المصري به يضم أعداد كبيرة من الآثار التي سرقتها بعثات جامعة بن جوريون الإسرائيلية من سيناء أثناء احتلالها، ومن فجاجتها المفرطة أقامت ابنة موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي وأكبر "حرامي" آثار في العالم متحفا للآثار التي سرقها والدها من أراضينا بعد وفاته! فأي سمسار آثار يبيع ما سرقه لمشتري أمريكي أو أوروبي ومنه تصل إلى يد إسرائيل، وهكذا تتسرب حضارتنا وآثارنا من بين أيدينا، فمثلا أقدم دينار ذهبي في العالم مضروب عام 77هجرية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان بيع ب 330ألف جنيه استرليني في لندن على مسمع ومرأى من العالم، هذا بخلاف دينار ضاع في تفجير مديرية أمن القاهرة والمتحف الإسلامي، ثم ظهر في اليوم التالي مباشرة بمجرد أن كُتب عن اختفائه على الفيسبوك رغم أن الفاترينة الخاصة به لم تكن مكسورة! وطالب الشماع ب"تسييس ملف الآثار"، بمعني أن يكون استرداد الآثار المسروقة أحد الملفات التي يناقشها رئيس الجمهورية مع رؤساء الدول الأخرى كملفات الإرهاب والحدود والاقتصاد، مشيرا إلى أن اليونان صرخت في العالم كله لاستعادة إفريز الأكروبلس وكادت تقطع علاقاتها ببريطانيا لرفضها إعادته. وأعرب الشماع عن أسفه لأن كل جيل يسلم الشعلة مطفأة للجيل الذي يليه، ويتركه في طريق مظلمة مليئة بالأشواك، ثم يتهمه بالفشل والعجز لقلة الخبرة، والفشل هنا في هذه الظروف نتيجة حتمية، والمفروض أن يتنحى كل من هو أكبر من خمسين عاما عن تولي المناصب القيادية، وأن يقتصر دور هؤلاء على الإرشاد والتوجيه والنصح، هذا مع التأكيد على تسليم الراية مرفوعة والطريق ممهدة والشعلة متوهجة. وقال الشماع: "أعرف شابا في الواحدة والعشرين من العمر يحاضر في بيت السناري وغيره عن تاريخ الطب الفرعوني والقبطي والإسلامي والحديث، وهذا دليل على أن المجتمع قادر على إفراز عناصر شابة ممتازة"، وأضاف أنه ذات مرة سأل عن مهندس الهرم الأكبر ومخترع الروبوت فأجاب أحد الأطفال الحضور بأنهما "حمئيون" و"الجزري"، ولا يبق إلا أن تعرف أن عمر الطفل ياسين خمس سنوات فقط! مبديا إعجابه الشديد بدور الأم المصرية في تنشئة جيل يعرف تاريخه. وعن منظومة الثقافة في مصر قال: "إذا سألتني منذ عامين عن مستوى الثقافة في الزاوية الحمرا كنت سأقول كلاما سلبيا، أما اليوم فالمستوى تغير بشكل واضح بفعل مكتبة مصر العامة، إذن الشاهد في الموضوع أن على الجهات المسئولة توفير الإمكانيات، والتوجيه السليم لسلوك البشر، وستجد منهم الأدب والنظام والنظافة والإنضباط والتحسن الواضح".