عقدت مكتبة مصرالعامة بالزاوية الحمرا ندوة للكاتب الروائي أحمد مراد بحضور إيمان عبدالمحسن مديرة المكتبة، وما يزيد على مائة من جمهور الكاتب. كتب: محمد وليد بركات وخالد جلال عباس وأعرب مراد عن سعادته بحضور هذه الندوة، وأكد على أنه لايزال في بداية الطريق، ووأنه يرى أنه على كل كاتب أن يساهم بجهده لعمل حالة من "الزخم الأدبي"، مشيرا إلى أنه يفضل حب الناس على "جائزة عالمية". وطالب مراد الشباب بأداء حق البلد، ولو بتعليم أمي القراءة والكتابة، محذرا إياهم من تغير ثقافتهم الذي بدأ مع قدرة أي شخص أيا كان على كتابة ما يريد على شبكات التواصل الاجتماعي، ودعاهم إلى توسيع قراءاتهم العربية والأجنبية ولاسيما الأدب الروسي، ملمحا إلى ضرورة قراءة أعمال نجيب محفوظ وأحمد خالد توفيق ويوسف إدريس، مشيرا إلى أن مثله الأعلى هو كل رواية ناجحة ولو لم يكتب صاحبها غيرها، وإن كان محفوظ يصنع له حالة خاصة من الإبهار بسلاسة انتقاله من فكرة إلى أخرى". وأشار مراد إلى أن لعبة "الأتاري" ظهرت في الثمانينات وكانت ب120 جنيها، ورفضتها أمه ليس فقط لسعرها ولكن من حيث المبدأ، فقد كانت تشغل الأطفال طوال اليوم، ويضيف: "أخدتني أمي إلى دار المعارف وبالتدريج بدأت أقرأ لمصطفى محمود وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس، ثم بدأت في إدخار النقود لشراء الكتب من معرض الكتاب، ولم يكن لدينا في ذلك الوقت إلى قناتين في التليفزيون، ولذلك كان لدي وقت كبير للقراءة، وأدين بالوفاء لأميلأنها دفعتني إلى القراءة باستمرار وكانت "دودة قراءة". وأضاف: "لم أكن متفوقا دراسيا، بل على العكس رسبت في الصف الرابع الابتدائي، وفي الثانوية العامة، وفي مادة الأدب في معهد السينما، بل والتحقت سنة بكلية الفنون التطبيقية ثم تركتها، وكل هذا جعلني لا أفكر في الكتابة أصلا، وكانت حياتي كلها القراءة، والجلوس على المقهى مع أصدقائي، والعمل في الاستديو مع والدي مع الذي يعمل مصورا فوتوغرافيا، ولديه القدرة على سبر أغوار الناس وقراءة أفكارهم ومشاعرهم، وقد اكتسبت منه هذه القدرة نسبيا". وحكي بدايته قائلا: "ذات مرة كنت أزور أحد أصدقائي يعمل في فندق شهير ودخل رجلا أعمال إلى القاعة وتحدثا لفترة ثم خرجا، فكتبت المشهد وقلت ماذا لو قتلا بعضهما البعض ولم يعد هناك شاهدا على الواقة إلا أنا؟ ثم بدأت في البناء على هذا الأساس وأكملت رواية فيرتيجو، وذهبت بها إلى دار ميريت، فوافق الناشر عليها، وصنفناها "رواية سينمائية" وهو تصنيف لم يكن موجودا في الأساس، ثم حذفنا هذه الجملة في الطبعة الثانية بعد نجاحها كرواية. وتابع: "بعد رواية فيرتيجو كلمني الأستاذ صنع الله إبراهيم وقال لي أنه عجبه هذا النوع من روايات الthriller أو الإثارة، التي لم تكتب في مصر منذ رواية اللص والكلاب للأستاذ نجيب محفوظ، وأنا نفسي أدهشني النجاح وتساءلت إذا ما كان هذا حظ المبتدئين، وكنت منذ البداية أدعو الله أن تنجح الرواية الأولى إذا كتب لي النجاح في المسيرة ككل، وأدعوه أن تفشل الرواية الأولى حتى أتوقف منذ البداية إذا لم يكتب لي النجاح، ولذلك فقد بدأت أهتم جدا بأدق تفاصيل العمل بعد فيرتيجو لأنني تعرضت لنقد لاذع وهجوم حاد، فقلت إما أن أكون أو لا أكون، وانتقلت إلى دار الشروق برواية تراب الماس، وقد حققت نجاحا أكبر بكثير من فيرتيجو، حتى اشتراها مني الفنان أحمد حلمي ليحولها إلى فيلم سينمائي في عام 2010 ولكن أحداث الثورة غيرت المسار". وأضاف: "بعدها بدأ الجمهور يصنفني ككاتب "جريمة سياسية" ولذلك قررت تغيير المسار، وخاصة أنني لم اعد قادرا على تقديم المزيد، فقد قدمت "البلطجي والمواطن وضابط الشرطة والمسئول الفاسد" وهي نفس تشكيلة الصراع في ثورة يناير، وهنا قررت البحث في عالم الجن والسحر والعلم والربط بينهم، فقرأت مئات الكتب والأبحاث في هذا الموضوع، وقمت بزيارة إلى مستشفى العباسية للأمراض العقلية حتى أعيش أجواءها وأنقل أدق تفاصيلها، وقرأت في لغة الجسد الكثير لدرجة جعلتها أشبه ب"هسهس" لدي، واشتريت "طلسم"، وقرأت في تاريخ الجبرتي، واستمر هذا البحث لعامين استطعت خلالهما كتابة رواية الفيل الأزرق، والتي اختارتها لجنة جائزة البوكر في قائمة أفضل ست روايات من ضمن 156 رواية عربية". وعن ترجمة أعماله قال: "لم أفكر في ترجمة أعمالي بنفسي رغم إتقاني للإنجليزية والفرنسية، فهناك من هم أكثر مني مهارة في ترجمة الاعمال الأدبية، وأرى أن الوقت الذي سأقضيه في ترجمة رواية يمكن أن أضيف فيه رواية جديدة للأدب". وأضاف: "صممت عشرين غلافا لفيرتيجو بنفسي، اختار منها الناشر واحدا، وبعدها طلب مني أغلفة لروايات كتاب آخرين، ثم بدأت أعمل في هذا المجال، وأرى أن الغلاف الجيد يخلد العمل ويثريه، ولا أري عيبا في الاهتمام بغلاف الكتاب، ولا في التسويق له، فكل السلع يتم تسويقها، فلماذا يكون الكتاب هو الوحيد الذي يقدم بشكل سئ وصادم؟!". ونصح من يريد أن يبدأ في الكتابة بكتابة ما يحبه سواء كان رومانسيا أو كوميديا أو إثارة أو خلافه، ويجب أن يجعل الكاتب الشخصية قفازا في يديه،ويحدد منذ البداية كل اتجاهاتها وتفضيلاتها حتى يكتب ردود أفعالها متوافقة مع ذلك، وكذلك يجب أن يفهم ما قد يحتاج إليه م بعض العلوم مثل الصيدلة في تراب الماس، ولغة الجسد في الفيل الأزرق، وكذلك يجب عمل تسلسل وترابط جيد بين الشخصيات والأحداث، وأن يقوم بالتمثيل والإخراج ووضع الموسيقى ولكن كل هذا على الورق". وتابع: "الكتابة عملية متعبة، والرحلة شاقة جدا، ولقد فقدت من وزني 12 كيلوجرام وأصبت بتسمم في الدم في فترة مراجعة رواية تراب الماس أثناء ثورة يناير"، وأنا حريص على النقد الذاتي لأعمالي، وأعكف على الرواية لمراجعتها وتنقيحها طالما كانت في يدي، حتى تذهب إلى المطبعة، ونجاحي ليس بمجهودي الفردي وإنما بمساعدة آخرين، وهو منحة من الله في الأساس، وربما يكون هناك كتاب أقل مني شهرة ولكنهم أفضل مني". وأضاف: "تعرضت ولازلت لحملات إهانة وسب وقذف، ونقد غير بناء بالمرة، وإن كنت أعتبر ذلك علامة على قوتي ووجودي على الساحة، وفي البداية كنت أشعر بالضيق عندما أجد شخص يكتب لي على صفحتي "صبح الخير يا حرامي" أو فتاة قامت بمسح ضوئي لكل صفحات الرواية وحملتها على الانترنت، ولكن بالوقت "جتتي نحست"، وإن كنت أحذر تماما من أن "سرقة" مجهود الآخرين الأدبي والفني سيؤدي إلى الإضرار بصناعة بالغة الأهمية، فعندما تنفق شركة الإنتاج 25 مليون جنيه على إنتاج فيلم الفيل الأزرق، ثم يتم تحميله ومشاهدته مجانا على الانترنت فهذا سينفر المنتجين من تقديم أعمال كبيرة، وكذلك بيع نسخ مطبوعة خارج دار النشر الأصلية من الروايات على الأرصفة، كما أن دور النشر التي تحصل على مبلغ من أي كاتب لتطبع له أي مؤلف أيا كانت كفاءته تضر أيضا بالسوق وتنفر القارئ من القراءة بأعمال رديئة. وعن اتهامه بسرقة الفيل الأزرق من فيلم أجنبي قال: "شاهدت الفيلم الأجنبي الذي يدعون أنني سرقت منه، ولم أجد تشابها بينه وبين روايتي، ولذلك أصدرت بيانا رسميا أكدت فيه على أن فكرة الفيل الأزرق مستمدة من حادثة وقعت عام 1911هجرية مروية في كتاب تاريخ الجبرتي، وأدعو الجميع لمشاهدة الفيلم الأجنبي ليتأكدوا بأنفسهم". وعن تمثيل أعماله قال أن العمل الذي يتم تمثيله يتحقق له الخلود، كروايات الأستاذ نجيب محفوظ، ولذلك أنا سعيد بتقديم الفيل الأزرق في فيلم سينمائي بهذا المستوى، مشيرا إلى أنه اشترك في كتابة سيناريو الفيلم مع المخرج مروان حامد، وإن كان قد عزف عن الاشتراك في كتابة سيناريو فيرتيجو الدرامي لأن شركة الإنتاج طلبت تغيير البطل إلى بطلة، وهو ما لم يقبل أن يشارك فيه. وفجر مراد مفاجأة حين قال: "عملت لفترة مصورا في رئاسة الجمهورية أيام الرئيس مبارك، وأرى أن المصور مؤتمن على أسرار ما يراه، تمام كالطبيب على أسرار المريض، يجب ألا يفشي ما رآه، ولذلك أحترم نفسي، وأرى أنه من الحكمة ألا أتحدثفي هذا الموضوع، فليس من الأخلاقي أن من يسقط "تكتر سكاكينه". ثم اختتمت الندوة بتعليقات وأسئلة بعض الحضور، وطلبات لتوقيع نسخ من رواياته، والتقاط الصور التذكارية معه.