كثيراً ما رصدنا كواليس تقديم الكفن أو " القودة " في قضايا الثأر بالصعيد، وحصرنا المخاطر التي تحيط بتلك العملية التي يكون هدفها وضع نهاية للثأر وإحلال السلام بين العائلات المتخاصمة. تصوير: محمد لطفي لم نتخيل أن ما كنا نسافر إليه قاطعين مئات الكيلومترات في أعماق الصعيد يمكن أن يحدث في قلب القاهرة.. ! نعم حدث ذلك في عزبة النخل بمدينة المرج ، ثلاثة أشقاء حملوا أكفانهم على أيديهم وقدموها إلى ثلاثة أشقاء من عائلة أخرى .. وكل منهم قدم كفنه وعليه سكيناً وطلب من نظيره في العائلة الأخرى العفو قائلا: أنا ملكك افعل في ما تشاء، إما أن تعفو وتقبل بحكم القضاء على أخي الذي قتل أخيك، أو تقتلني وتأخذ بثأرك مني! وقوبلت شهامة طالبي الصفح بشهامة العفو من قبل أشقاء القتيل، ولكنهم أصروا على أن القاتل سيقتل ولو بعد حين، وإذا صدر ضده حكماً بالإعدام فيكون الله قد أنقذه مما سيحدث له لو سجن لبضع سنوات وخرج ليلقى مصيره . . موقع "الشباب" انفرد برصد أول عملية تقديم للقودة في قضية ثأر بالقاهرة، وبدأت تفاصيل القصة منذ شهرين حينما اختلف الصديقان سلامة الشافعي "من عائلة الشافعي" وأيمن شاهين "من عائلة شاهين"، تاجري لحوم، واختلفا على بعض أموال في معاملات تجارية بينهما، وشعر سلامة أن صديق عمره أيمن خانه وأكل عليه حقه، فبيت النية على الانتقام منه، ذهب إليه في محل جزارته وطلب منه أن يتصافيا، وعفا الله عما سلف، لم يصدق أيمن نفسه من الفرح أن سلامة تنازل عن حقه بتلك السهولة وجاء إليه ليطلب منه السهر معه على المقهى كعادتهما منذ الصغر، ذهب أيمن مع سلامة مطمئنا إلى أنه مهما حدث بينهما لا يمكن أن يفعل به مكروها، وأيضا لأن عائلة أيمن كبيرة وذات سطوة في عزبة النخل، أما سلامة فهو مجرد تاجر صغير. بالفعل جلس الصديقان على المقهى وكانت الساعة في منتصف الليل، وبمجرد أن شرع أيمن في شرب الشاي عاتبه سلامة على أكل حقه، فما كان من أيمن إلا أن صاح في وجه سلامة بأنه لن يحصل منه على شيء، ويبدو أن سلامة كان متأكدا من أن صديقه سوف ينطق بتلك الكلمات، وبدون أن يناقشه اخرج سكينا من طيات ملابسه وطعنه طعنات قاتلة في صدره وسط ذهول الحاضرين وهرول إلى قسم شرطة المرج لتسليم نفسه شاعرا بأنه انتصر بأخذ حقه من صديق عمره والانتقام منه بقتله. عائلة القتيل أيمن وأشقائه كانوا ينتقمون من كل من يقابلونه من عائلة القاتل سلامة، وحطموا محلات أشقائه وهددوا أسرهم مما دعى عائلة القاتل إلى الهرب بعيدا عن المنطقة إلى منطقة الخصوص بإمبابة، ولكن بعض فاعلي الخير توسطوا لدى أهل القتيل وهم أشقائه الثلاثة" سعيد وعبد العزيز وشعبان " ليقبلوا بالصلح مع أشقاء القاتل طالما أن النيابة حبسته والقضاء سيأخذ حق القتيل منه، وبعد تدخل القيادات الأمنية والشعبية وافق أشقاء القتيل علي الصلح مقابل أن يقوم أشقاء القاتل الثلاثة وهم" إسماعيل الشافعي وحسن الشافعي وإيهاب الشافعي" بحمل أكفانهم على أيديهم وعليها سكينا ويقفون أمام كل أهل المنطقة يترجونهم ليعفوا عنهم. وافق أشقاء القاتل على الأمر .. فكان الموعد في نادي المرج الرياضي حيث احتشد أكثر من 2000 شخص من أهالي المنطقة لمشاهدة الحدث الغريب على أهل القاهرة، بعد دعوة أهل القتيل لهم عبر مكبرات الصوت، وكانت هناك حراسة أمنية مشددة خشية حدوث أي انفلات خلال المصالحة، وتم تزيين مدخل النادي بالفراشة وعليها صور الضحية وكأنه عريسا وليس قتيلا، وكان الأمر أشبه بالفرح أو بمباراة كرة قدم كسبها منتخب مصر، وحضر هذا الحدث الدكتور حمدي السيد،نقيب الأطباء وعضو مجلس الشعب عن الدائرة. تقدم أشقاء القاتل الثلاثة وكانت أقدامهم ترجف من أية توابع قد تحدث وهم يحملون أكفانهم على أيديهم بداخل كل منها سكينا ووقف كل منهم أمام أحد أشقاء القتيل وهو مطأطأ الرأس وطلب منه أن يعفو عنه، وكان أشقاء القاتل قد أحضروا خروفا ليذبحه أشقاء القتيل بدلا من ذبحهم وبالتالي تمت المصالحة. وبعد شهرين من مقتل شقيقهم .. بدأ أبناء عائلة شاهين - بمجرد انتهاء مراسم المصالحة - في نصب سرادق العزاء ليتقبلوا المواساة في شقيقهم .