تعتبر مشكلة أنيميا نقص الحديد من أكبر المشاكل الصحية انتشاراً في مصر وقد تعود لعديد من الأسباب الفسيولوجية والتغذوية والبيئية منها..عدم كفاية عنصر الحديد- عدم إتاحة عنصر الحديد في الغذاء - التلوث البيئي - التداخلات الغذائية والدوائية المعوقة والمثبطة للامتصاص - حالات النزيف- الإصابة بالوبائيات والطفيليات-وغيرها . وعن مشكلة الأنيميا والوقاية منها تحدثنا الأستاذة الدكتورة عفاف أمين أستاذ صحة الطعام بالمعهد القومي للتغذية قائلة .. تحدث الأنيميا (أو فقر الدم) عندما لا يوجد في دمنا كمية كافية من مادة الهيموجلوبين، وهي عبارة عن بروتين في كريات الدم الحمراء والمسئولة عن نقل عنصر الأكسجين من الرئتين إلى سائر أعضاء الحسم. وغالبا ما يحدث نقص مادة الهيموجلوبن نتيجة نقص مستوى الحديد في الجسم، أو عدم كفايته إذ يحتاج جسمنا عنصر الحديد لتصنيع مادة الهيموجلوبين. وطبقا لتصنيف منظمة الصحة العالمية " WHO " فان ارتفاع نسبة الأنيميا عن 40% كما في مصر , يعتبر مشكلة صحية عمومية كبرى تستدعى التدخل السريع . وعادة ما تكون أعراض فقر الدم الناتج عن نقص الحديد خفيفة لدرجة أنه يمكن أن نعاني من نقص الحديد لسنوات عدة دون الإحساس بأعراض النقص. وتتراوح هذه الأعراض في شدتها، وتتمثل بالشحوب، التعب والخمول، الضعف العام في العضلات مع سرعة التعب والإعياء، والإرهاق وعدم القدرة على التركيز، الأرق، الصداع مع الشعور بالدوار وعدم الثبات ، طنين في الأذن، عدم انتظام الدورة الشهرية عند النساء، وضيق النفس خاصة عند كبار السن . و عند الأطفال الأعراض تظهر كبطء في النمو الجسمي والذهني مع ضعف القدرة على التفاعل مع التعلم و ضعف مقاومة الجسم للأمراض، وزيادة الإصابة بالالتهابات مع أحيانا وجود خلل في التذوق. أما عند النساء الحوامل، فتظهر الأعراض على هيئة تأخر نمو الجنين، الولادة المبكرة، تدني وزن الجنين عند الولادة مع ازدياد مضاعفات الحمل والولادة. و الأعراض الأكثر شيوعا و المصاحبة لنقص الحديد مثل سهولة تكسر الأظافر أو هشاشتها وتقعرها، تساقط الشعر، فقدان الشهية، التهاب زوايا الفم، وصعوبة البلع مع التهاب اللسان . عند استنزاف مخزون الحديد (أو ما نطلق عليه أسم الفريتين)، يعجز نخاع عظمنا عن إنتاج العدد الكافي من كريات الدم الحمراء بسبب نقص الحديد، ويحاول الجسم بالتالي الإبقاء أو المحافظة على نسبه الكريات الحمراء بشكل طبيعي في الدم من خلال إنتاج كريات دم حمراء بصورة إعتيادية ولكنها غير طبيعية إذ تتميز بصغر حجمها نظرا لاحتوائها على كمية أقل من الهيموجلوبين، فتتأثر بالتالي قدرة جسمنا على نقل الأكسجين بكفاءة. ينتج نقص الحديد لأسباب عدة، منها: *قلة استهلاك الحديد عن طريق الغذاء بسبب إتباع نظام غذائي سيئ (كإتباع أنظمة غذائية عشوائية أو أنظمة منحفة غير صحية أو تناول حبوب منحفة معينة) أو بسبب الاعتماد على الخضراوات فقط في غذائنا وعدم تناول الأغذية الغنية بالحديد (خاصة اللحوم بأنواعها، وكبده الدجاج . *عدم امتصاص الحديد بصورة جيدة (كما في حالات الإسهال المزمن وحالات سوء الامتصاص وبعد عمليات استئصال بعض الأعضاء في الجسم، كالمعدة أو جزء من الأمعاء. *فقدان الدم نتيجة النزيف البسيط المتكرر أو النزيف المزمن (خاصة في فترة الدورة الشهرية لدى النساء والفتيات، وفي حالات نزيف الجهاز الهضمي كما يحدث في حالات البواسير وقرحة المعدة والإثني عشر، وسرطان المعدة والقولون، ونتيجة تناول الأدوية التي تسبب تقرحات في المعدة وينتج عن هذه التقرحات نزيف . * وجود الإلتهابات بأنواعها ..مثل الالتهابات الفيروسية والبكتيرية خاصة عند الأطفال الصغار. يوجد عنصر الحديد في الغذاء على شكلين: الحديد الهيمي وهو الحديد المتواجد في المصادر الحيوانية فقط والغنية بالحديد كالكبدة واللحوم الحمراء و البيض والسمك والدجاج . والحديد غير الهيمي والموجود في المصادر النباتية فقط، مثل الخضراوات الورقية والبقوليات وفول الصويا، ومجموعة الحبوب كالحبوب الكاملة، والخبز المدعم بالحديد ونخالة القمح وبذور السمسم، والفواكه المجففة كالبلح والتمر والتين والخوخ والزبيب والعسل الأسود. وتختلف قدرة الجسم على امتصاص الحديد باختلاف شكله إذا كان هيمي أم غير هيمي، وقد أثبتت الدراسات بأن كفاءة إمتصاص الحديد في جسمنا تزيد بتناول المصادر الحيوانية الهيمى) منه إذ يستطيع جسم الإنسان إمتصاص قرابة العشرين بالمائة من الحديد الهيمي من المصادر الحيوانية وخمسة إلى عشرة بالمائة فقط من الحديد غير الهيمي من المصادر النباتية. إلا أن امتصاص الحديد الموجود في الأطعمة الحيوانية منها والنباتية يتأثر بشكل كبير بمواد وعناصر غذائية تزيد من إمتصاصه، أو تقلل من إمتصاصه. من أمثلة العناصر التي تزيد من إمتصاص الحديد: • فيتامين ج () (Vitamin C المتواجد في الحمضيات كالليمون والبرتقال والفلفل والمانجه والكيوي والفراولة والكرنب والبقدونس والطماطم، لذلك ننصح بتناول نصف كوب من عصير البندورة أو أي عصير حمضي أو تناول السلطة مع الحامض في الوجبة الرئيسية. • حمض التارتار (Tartaric acid) من المواد المحفزة لإمتصاص الحديد إذ ننصح بتناول أغذية غنية بهذا الحمض كالجزر والبطاطا والطماطم والجوافة في الوجبات. • كما أن لمادة السيستين الموجودة في اللحوم دور في تحفيز الجسم على إمتصاص عنصر الحديد أكثر فأكثر، لذلك ننصح بمزج القليل من اللحم مع الحبوب والبقوليات في الوجبة كطبخ الفاصوليا أو السبانخ مع اللحم مثلا. • كما وتلعب بعض المواد دورا في زيادة إمتصاص الحديد، مثل استخدام الخل أو صلصة الصويا في تحضير الأطباق. من أهم العناصر التي تمنع إمتصاص الحديد هي :- • بعض الألياف الغذائية الموجودة في بعض الحبوب والبقوليات. • كما وتعتبر مادة الفينول مادة مثبطة لإمتصاص الحديد وهي إحدى مكونات الكافيين في القهوة والشاي، لذلك فإننا ننصح بتناول الشاي والقهوة قبل أو بعد الوجبة بساعة وليس مع الوجبة مباشرة. • كما يلعب عنصرالكالسيوم ايضا دورا في تقليل إمتصاص الحديد، لذلك فينصح بعدم تناول حبوب الكالسيوم مع الوجبة الرئيسية لأنها تتعارض وإمتصاص الحديد. ويرتكز علاج حالات فقر الدم الناتج عن نقص الحديد على مرحلة التشخيص الشامل، والتي يتم من خلالها تحديد مسببات النقص، ثم معالجتها، ولا يجوز معالجة النقص فورا بتناول حبوب الحديد من دون إجراء التشخيص اللازم. اتباع النظام الغذائي الصحي مهم في الوقاية وفي معالجة حالات فقر الدم الناتجة عن نقص الحديد، لذلك ننصح :- أولا بتقييم النظام الغذائي بين الحين والآخر لضمان تناول إحتياجات الجسم الأساسية من الحديد وحسب الفئة العمرية، والجنس والحالة المرضية. ثانيا بإجراء فحص دوري لمخزون الحديد في الدم (أي مادة الفريتين)، خاصة لدى الحوامل والمرضعات والأطفال والرضع والمراهقين والمراهقات والنساء في عمر الإنجاب وفي حالات مرضية معينة. ثالثا بتناول الأغذية التي تحتوي على الحديد الهيمي مثل اللحوم والدجاج والسمك مع مراعاة مزجها مع مصادر نباتية غنية بالحديد مثل الكرنب والبقوليات والفواكه المجففة. رابعا بتغيير أسلوب تناول الوجبات وذلك بتناول العناصر التي تزيد من الامتصاص مثل فيتامين ج ( Vitamin C ) الموجود في الفواكه والعصائر وبعض الخضروات، بالإضافة إلى التقليل من تناول مثبطات الامتصاص، ومن أهمها الشاي والقهوة، ومراعاة عدم تناول المأكولات التي تعمل عمل المثبطات في نفس الوقت مع الأغذية الغنية بالحديد مثل الأغذية الغنية بالكالسيوم والنشا إذ ننصح بتناولها بعد ساعة أو ساعتين من الوجبة. خامسا، يجب توخي الحذر عند تناول بعض الأدوية لأنها قد تؤثر في إمتصاص الحديد فهنالك أدوية مثلا تقلل من حموضة المعدة، والتي تؤثر بدورها على إمتصاص الحديد فأحماض المعدة تساعد على امتصاص الحديد.