الشحاتة فى صيف يناير .. رواية جديدة تسلط الضوء على الصلة المستترة بين نظام اقتصاد السوق الحر واندلاع ثورات الربيع العربى .. ترصد الرواية قصة فلاح مصرى بسيط جاء من رشيد ليلقى بنفسه فى حلبة الصراع حيث يعمل بستانيا ومزالرعا وبائعا جائلا ومراكبيا ليبرهبن فى نهاية المطاف أن باب الخروج لا يكمن فى اقتصاد السوق ولا فى النظام الشمولى بل فى مؤسسة عريقة جديدة اسمها "الشحاتة" حيث تكشف الرواية كيف ان الأعمال البسيطة التى قد تبدأ بالتسول وتنتهى ببيع المناديل قد تصنع رجال اعمال وأصحاب ثروات .. مؤلف الرواية هو الكاتب الصحفى والأديب احمد كفافى وهو أديب مصرى شاب عمل ببعض الصحف والمجلات العربية وله روايات عديدة منها عانس مودرن إستايل ونمولة حائرة .. الحوار التالى يكشف الكثير من تفاصيل هذه الرواية الشيقة .. فى البداية كيف جاءت فكرة الكتاب؟ جاءت فكرة الكتاب قبل الثورة بعدة أعوام حيث كنت أعيش فى الخارج لفترة طويلة ثم عدت إلى مصر وتأملت أحوالها، فوجدت الرأسمالية العالمية قد استعرت وزادت الأغنياء غنى و الفقراء فقرا، شعرت بالحيرة وبدأت أتساءل حول كيفية إيجاد توازن للمعادلة لأننى وجدت أن الأغنياء أو الذين تُركت لهم الفرصة ليصبحوا أغنياء بمباركة السلطة وقتها قد فجروا أحلاما و طموحات عند الغالبية من الناس فصار هم البسطاء التقرب إلى من سيحقق لهم حلم الثراء أو من يمنحهم بداية الخيط. ونظرا لأنه لم يكن فى مقدور السواد الأعظم من الناس الصعود إلى أصحاب مراكز القوى فلم يصبح لديهم خيار غير الاجتهاد لنيل الثراء، وكان ذلك بالقطع صعبا فى ظل قوانين السوق التى تحيزت للحيتان، فكانت أجهزة الدولة تسحق أصحاب المشروعات الصغيرة و الباعة الجائلين لتشجع روح الهيمنة الرأسمالية والتى كانت تؤيدها حكومات ما قبل ثورة يناير الفاسدة و أصحاب النفوذ فيها اللذين أفادوا من تزاوج رجال الأعمال و السلطة. لكن كيف تسرب مفهوم الشحاتة إليك بهذه الطريقة التى تناولتها فى الرواية ؟ عندما عجز البعض عن تحقيق حلم الثراء الذى ساد و طغى على الحرفة و التعليم فى عصر الانفتاح العولمى لم يكن أمام المعدومين أى خيار غير "الشحاتة" خاصة بعد أن اتسعت الفجوة بين الميسورين و الفقراء كما لم تتسع من قبل. فكرت مليا فى أن أجعل الحالمين بالثراء من البسطاء يصلون إليه عن طريق التسول، فقمت بعمل مسودة لرواية تسلط الضوء على مشوار ثلاثة من الشحاتين أصبحوا رجال أعمال كبار بعد أن كدسوا رءوس أموال حصلوا عليها عن طريق الشحاتة، ولكن يأتى واحد منهم فيكرس أمواله لصالح الفقراء و يتبنى مشروع تدوير أموال الشحاتين للصالح العام. كيف أضافت ثورة 25 يناير كحدث إلى فكرة الرواية الرئيسية؟ بعد ثورة 25 يناير حدثت تغيرات جذرية كان من شأنها أن تبرز فكرة الشحاتة و تضعها فى المقدمة بدلا من أن تقلل من شأنها أو تمحيها. أولا أن الهزة الثورية العنيفة التى حدثت فى 2011 و أسقطت النظام كشفت عن الوجة الحقيقى للفقر فى مصر، فرأينا الآلاف يخرجون مضحين بأرواحهم لأن ليس لديهم ما يخسرون، أيضا تزايد معدل التظاهرات الفئوية التى تطالب بزيادة الحوافز المادية لأن الرواتب لم تعد تكفى موظفى الدولة لكى يحيوا حياة كريمة. و بعد أن زالت قبضة الأمن و الشرطة خرج الآلاف من البسطاء يبيعون ما رخص أو ارتفع ثمنه من البضائع على عربات و طاولات فى رمسيس و الإسعاف و التحرير و غيرها من الميادين و الأماكن العامة حتى ضاقت بهم الشوارع و الأرصفة فصاروا يزاحمون المشاة و السيارات فلم تقدر شرطة أو أمن أن يزحزحهم عن أماكنهم ليفسح الطريق. .. لكن ما علاقة هذا التغير بالرأسمالية؟ العلاقة أكثر من واضحة فالرأسمالية الجشعة التى استفحلت و تصخمت بنيت على أساس التجارة و الربح و أصبحت النموذج المثالى للعامة فى البحث عن حياة أفضل، عندئذ عادت إلى مخيلتى فكرة مسودة الرواية التى كنت قد صرفت النظر عنها فوجدت العلاقة أكثر من وثيقة بين الشحاتة و الرأسمالية، فكلاهما يعملان وفق منطق واحد: المستثمر فى الرأسمالية التقليدية التى لا تقوم على الإنتاج ما هو إلا محتكر لنوع معين من البضائع يستوردها و يوزعها بالتجزئة أو بالجملة فيحقق الربح الوفير الذى يرفعه إلى منزلة الرأسمالى، بالمثل يقوم الشحات بجمع المال عن طريق التسول فيضع القرش فوق القرش حتى يصنع ثروة كبيرة، و ليس المقصود بالضرورة هنا الشحاتة الصريحة على أبواب المساجد و الكنائس و غيرها من الأماكن العامة، فكل محتاج يبيع مناديل ورقية أو يحمل ولاعات أو كتب و يطوف مناديا عليها بقصد ترويجها فى الشوارع و داخل عربات المترو ما هو إلا متسول تحت قناع البيع و الشراء، ناهيك عن الآلاف الذين نصبوا طاولات و عربات فى الميادين العامة. لكن كيف تمت معالجة الموضوع فى (الشحاتة فى صيف يناير)؟ أولا حاولت أن أجعل الثورة محورا مهما للتغيير، فحين خرجت الجموع للتحرير فى يناير و فبراير 2011 كانت تلك أول إنكسارة للثلوج الذى ظل يفصل بين الطبقتين الكادحة و الوسطى طوال سنوات تحولية انعزل فيها المصريون عن بعضهم البعض بسبب ألاعيب النظام الذى حاول أن ينال من الوحدة الوطنية. أما البطلة فى هذه الرواية فهى مصرية تعود إلى مصر بعد غياب عشر سنوات من الاغتراب فى الولاياتالمتحدة، تنزل إلى التحرير مكبلة بهموم الحياة فى مجتمع رأسمالى غربى فتعثر بالمصادفة على البطل وهو فلاح بسيط من رشيد كانت تربطه بأسرتها صلات قديمة. تفاجئ أنه قد امتهن الشحاتة فتقتفى أثره بعد أن أنكر هويته و تجبره على الاعتراف بها، و عندئذ تسأله عن سبب اختياره للشحاتة كحل أمثل للخروج من الأزمة. وهل أصبحت الشحاتة فعلا هى الحل الأمثل؟ البطل يصبح أول شحات رأسمالى، لكنه كان منذ صغره حالما، رسم صورة وردية للرأسمالية و اقتصاد السوق الذى حول أسماء كفورد و كنتاكى فريد تشكين و عمر أفندى و صيدناوى من أقزام تبيع الخسيس من البضائع على عربات إلى رموز فى سوق المال و الأعمال. آمن البطل أن "من الخرق البالية إلى الثراء الفاحش" هو شعار المشوار، لكنه تعثر و تعثر و فى عثرته تسول و تسول حتى كوّن ثروة ضخمة رفعته إلى مرتبة المستثمرين و رجال الأعمال. لكن هل تؤمن فعلا أن الشحاتة حل ناجع؟ الموضوع فلسفى و أنا أناقشه أساسا من وجة نظر البطل الذى هو قروى بسيط ولكن على الرغم من الجانب الفلسفى فهو واقعى، لأن رحلة البطل فى التسول و الشحاتة جعلته يكتشف الأبعاد الإنسانية لهذا الجانب المظلم من الرأسمالية، فكلما ارتفع معدل الغنى و الثراء فى المجتمع الرأسمالى ازدادت أعداد الشحاتين و لم يكن تطبيق العولمة إلا ترجمة لهذه الكارثة فلقد تضخمت أعداد المستولين فى جميع أنحاء العالم ليس فقط فى الشوارع، بل أيضا على الإنترنت و الصحف العامة فالقيم الرأسمالية قد أفقرت الكثيرين بسبب الاستدانة و قروض البنوك و الإسراف الغير مسحوب على المظاهر. من هنا يأيتنا البطل بالحل. وهو؟ تدوير أموال الشحاتة للصالح العام، فلقد عبر البطل البحر إلى إيطاليا ثم إلى أمريكا فوجد أن الأمم التى حققت التقدم بفضل اقتصاد السوق و قيمه جميعها مرت بطور الشحاتة و الهجرة التسولية وها هى اليوم تعود إلى هذا الطور بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة، وهى إذ تدعى أن الفضل للرأسمالية فى تقدمها فإنما تروج لقيم زائفة، فالغرب الأوربى ثم الولاياتالمتحدة لم ينقذهما من أنياب الرأسمالية سوى تحويل جيوشهما إلى قوة استعمارية حولت طوال قرون خمسة مضت خيرات المستعمرات وراء البحار إليهما فاستطعا بذلك تدارك زلات النظام الرأسمالى. ختاما .. ما هو المخرج للدول العربية و العالم الثالث من هذه الأزمة التى ترصدها فى روايتك؟ قطعا سيكون هناك صراعات عديدة أولها ازدياد معدل الهجرات غير الشرعية إلى حيث ما تزال الثروات تتركز فى الغرب. لكن ستستمر الثورات و الانتفاضات من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية و التوزيع العادل للثروة و لن يتسنى ذلك من غير محاربة القوى الاستعمارية فى شتى صورها. ..