بعد عامين من الصراع مع المرض، و15 عامًا من الصدام مع الولاياتالمتحدةالأمريكية إنتهت رحلة كفاح الرئيس الفنزويلي "هجو شافيز" بوفاته في الخامس من مارس 2013. وبينما عبّر زعماء أمريكا اللاتينية وعلى رأسهم رئيسة البرازيل عن حُزنهم العميق على وفاة الرئيس الفنزويلي قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما "إن الولاياتالمتحدة تدعم الفنزويليين وتأمل في علاقات بناءة مع الحكومة الجديدة"، ولكن يبقى السؤال .. "هل بوفاة الفنزويلي شافيز ستستريح أمريكا .. أم يبقى الصدام والمواجهة بين أمريكا وفنزويلا ..؟ هوجو شافيز" هو الرئيس 61 ضمن قائمة رؤساء فنزويلا، والذي فاز بولاية رئاسة جديدة لفنزويلا في انتخابات جرت مؤخرًا، وهو من أكثر الزعماء شهرة وإثارة للجدل في أمريكا اللاتينية، لتصريحاته وخطاباته النارية ضد سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية والإمبريالية، واشتهر لمُناداته بتكامل أمريكا اللاتينية السياسي والاقتصادي وانتقاده الحاد لأنصار العولمة من الليبراليين الحديثين، ويُعرف بحكومته ذات السلطة الديمقراطية الاشتراكية. اختير شافيز كرئيس للبلاد في انتخابات عام 1998 بسبب الوعود التي أطلقها لدعم فقراء البلاد الذين يشكلون الأكثرية من السُكان، بعد فوزه بأغلبية ساحقة ليُصبح أصغر رئيس يتولى الحُكم في فنزويلا حيث كان عُمره 44 عامًا، ثم تولى فترة رئاسة ثانية من 2000 وحتى 2006، كما أعيد انتخابه عام 2006، بعد اطلاقه حملات عدة في فنزويلا تهدف إلى مُحاربة الأمراض والأمية وسوء التغذية والفقر وأمراض اجتماعية أخرى. وعلى الرغم من فوزه بولاية رئاسة ثالثة لفنزويلا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أن اشتداد المرض لم يُمهله تأدية اليمين الدستورية ومواصلة ولايته الجديدة في يناير 2013. تميز "المظلي" شافيز بسجل عسكري حافل مع الجيش الفنزويلي، بدأه بمحاولة انقلاب فاشلة عام 1992م ضد حكومة كارلوس أندريس بيريز وتوجهاتها الليبرالية الحديثة وأودع إثرها السجن، وبعدما أطلق سراحه عام 1994 أسس حركة الجمهورية الخامسة التي تعرف ب(MVR) وهي حركة يسارية تعلن أنها الناطق السياسي باسم فقراء فنزويلا. عُرف شافيز علي الصعيد العالمي بعدة دعوات لخلق علاقات وطيدة بين الدول الأكثر فقرًا في العالم، بدءً بدعوة للتكامل في أمريكا الجنوبية وإلى دعوته لحلف إفريقي- كاريبي- جنوب أمريكي، وأنه كان يؤكد في العديد من المناسبات على دعمه لكفاح الشعب الفلسطيني واللبناني ودعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتنديد بإسرائيل والولاياتالأمريكيةالمتحدة، إلى جانب تمتع حكومته بعلاقات جيدة بالدول العربية. على الرغم من أن فنزويلا تعد رابع مُنتج للنفط في العالم - ثاني أكبر مصدر للولايات المتحدةالأمريكية - إلا أن الولاياتالمتحدة غير راضية عن شافيز لعدة أسباب، منها علاقته الخاصة بالرئيس الكوبي فيدل كاسترو، وزيارته للعراق وليبيا، وانتقاده قصف أمريكا لأفغانستان في حربها ضد طالبان والقاعدة، والتزامه الحياد في حرب النظام الكولومبي ضد الثوار الشيوعيين. كان يُفضل شافيز استخدام لغة التحدي والمواجهة والوقوف في وجه التيارات، ففي خضم الهجوم الدولي على إيران ومُطالبتها بالالتزام بتعهداتها الدولية ووقف طموحها لامتلاك سلاح نووي، قام شافيز بتعزيز علاقات فنزويلا بإيران وقام بزيارة طهران 13 مرة مند بدء حُكمه في عام 1999، فيما زار أحمدي نجاد فنزويلا ست مرات منذ عام 2005. ووقع البلدان أكثر من 270 اتفاقية تعاون في عدد من المجالات التي تشمل النفط والغاز الطبيعي والتجارة. كان يظهر شافيز دائمًا بمظهر المُثقف الفيلسوف، والذي يستشهد بالكلمات المأثورة لأشهر الكتاب في أمريكا اللاتينية، ويُلقي خطبه للشعب الفنزويلي وهو جالسًا على مكتبه، وأمامه عدة كتب مفتوحة وكأنه يقرأ عدة كتب في وقت واحد، ويعشق شافيز الملابس الصارخة الألوان مثل علم فنزويلا، فمُعظم ملابسه تتنوع ما بين الأحمر والأصفر والأزرق، وعندنا انتخب لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول) 1998، فاز شافيز بأغلبية ساحقة وكان عمره 44 عامًا ليُصبح أصغر رئيس يتولى الحُكم في فنزويلا. وقد جاء "شافيز" من بيئة مُتواضعة، وقد ولد في 28 يوليو عام 1954 في بيت جدته من والده "روزا إنيز شافيز" الموجود بقرية "سابانيتا" التابعة لولاية "باريناس"، وهو ابن "هوجو دي لوس رييس شافيز" و "إيلينا فرياس دي شافيز"، وكلاهما مُعلمان، وله أربعة أبناء: "روزا فيرجينيا" و "ماريا غابرييلا" و "هوجو رافائيل" و "روسينيس"، وتزوج مرتين وهو حالياً مُنفصل عن زوجته الثانية. تخرج في الكلية العسكرية عام 1975 بعد أن قرر والداه إرساله إلى الأكاديمية العسكرية في فنزويلا التي تركها بعد حصوله على دبلوم في العلوم والفنون العسكرية، ودرس أيضاً العلوم السياسية في جامعة "سيمون بوليفار" في "كاراكاس" خلال عامي 1989- 1990، ثم حصل على شهادة الدكتوراة. كان "شافيز" يتمتع بسجل عسكري مُميز مع الجيش الفنزويلي حيث خطط لأكثر من محاولة ثورية مُعتمدًا على القوات المسلحة، كما ساند محاولة انقلاب عام 1992 لإنهاء حكومة كارلوس "اندريس بيريز" ولكنها انتهت بالفشل واعتقاله بالسجن. بدأ شافيزفي الظهور من خلال انقلاب فاشل عام 1992 ضد حكومة "كارلوس بيريز"، ثم أمضى عامين في السجن وخرج في 1994 مؤسسًا حركة يسارية تدعى حركة "الجمهورية الخامسة" تتحدث باسم الفقراء، وكانت مكونة في ذلك الوقت من شافيز ورفاقه الضباط. عقب إطلاق سراحه عام 1994 قام العسكري والسياسي "هوجو شافيز" بتأسيس حركة الجمهورية الخامسة "MVR"، ثم اختير كرئيس للبلاد في انتخابات عام 1998، واستطاع في عام 1999 أن يتسبب في نقلة في السياسة الفنزويلية، بعد أن قاد موجة من الاحتجاجات الشعبية ضد النخبة السياسية، وبينما يقول مؤيدو شافيز إنه "يتحدث باسم الفقراء"، يقول معارضوه إنه "يتحول لمستبد"، ثم تولى فترة رئاسة ثانية من 2000 وحتى 2006. تعرض شافيز عام 2002 لمحاولة انقلاب أطاحت به من الحُكم ليومين قبل أن يعود مُجددًا لمنصبه رئيسًا لفنزويلا عقب فشل الانقلاب، وفي عام 2006 أعيد انتخابه لفترة رئاسية ثالثة، وذلك عقب فوزه بنسبة 61.35% من أصوات الناخبين، والذي حصل على إثره بثقة البرلمان لتحويل الدولة إلى دولة اشتراكية، على أسس الماركسية- اللينينية، كما غير اسم الدولة إلى الجمهورية الفينزويلية الاشتراكية. تعرضت حملات الإصلاح الواسعة التي أطلقها شافيز لموجات من الجدل في فنزويلا وخارجها، مُتلقية النقد والترحيب، وتراوحت الآراء بين كونه مُساندًا للفقراء وبين سوء إدارة الاقتصاد، إلا أنه دائم التنديد بإسرائيل والولاياتالأمريكيةالمتحدة مما ساعده على الفوز بفترة رئاسية جديدة في انتخابات عام 2012. . وفي يوليو2011 اعترف الرئيس الفنزويلى "هوجو شافيز" بإصابته بورم سرطاني، لكنه أوضح أنه خضع لعمليتين جراحيتين في كوبا لإزالة ورم سرطاني من بطنه، وأنه خضع لعملية جراحية ثانية فى العاصمة الكوبية "هافانا" بعد الأولى التي خضع لها فى 10 يونيو 2011، مما أثار تكهنات بأنه مُصاب بمرض عضال، مؤكدًا أنه مُصر على هزيمة المرض في معركته الجديدة معه، بينما شهد برلمان البلاد جدلاً واسعًا بشأن ما إذا كان الدستور يسمح ل "شافيز" بأن يحكم البلاد من خارجها، وطالبت الأقلية المعارضة بمزيد من الشفافية حيال هذا الموقف. ثم بدأ شافيز في منتصف يوليو 2011 بنقل بعض صلاحياته لنائبه ووزير المالية قبل أن يتجه إلى كوبا، حيث سيبدأ علاجًا كيميائيا بعد شهر من خضوعه في هافانا لعملية استئصال ورم سرطاني، رافضًا دعوات من المعارضة لتسليم رئاسة البلاد مؤقتًا إلى نائب الرئيس "إلياس خاوا" أثناء غيابه، واكتفى بمنح "إلياس خاوا" ووزير المالية "خورجى جيورداني" بعض الصلاحيات، ومُشددًا على أن لديه رغبة كبيرة فى الحياة، وقال قبيل مُغادرته المطار: "سأعود بحال أفضل مما تروني عليه الآن، وسأتغيب لأيام ولن أقول لكم وداعًا.. لم تدق ساعة الموت بل الحياة". في الثامن من ديسمبر 2012، صرح شافيز بأنه سيتوجه إلى كوبا لإجراء جراحة أخرى لاستئصال أورام سرطانية، مؤكدًا على أنه من الضروري أن أخضع لعملية أخرى بعد اكتشاف خلايا سرطانية جديدة ولابد أن أعود إلى هافانا، وتقدم الرئيس الفنزويلي بطلب إلى الكونجرس للحصول على الإذن المطلوب من الناحية القانونية لكي يسافر. وفي الثامن من أكتوبر أعلن مجلس الانتخابات الوطني الفنزويلي فوز الرئيس "هوجو تشافيز" على منافسه "أنريكي كابريليس" في الانتخابات الرئاسية ليفوز بولاية رئاسية جديدة مُدتها 6 سنوات. وفاز هوجو شافيز، الذي يحكم فنزويلا منذ عام 1999، في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي بنسبة 55% من إجمالي الأصوات، ومن المُقرر أن يبدأ فترة ولاية أخرى مُدتها 6 سنوات اعتبارًا من يناير 2013. يقول شافيز دائمًا إن الوقت مازال مبكرًا من أجل ثورته لتلقي بجذورها إلى داخل المجتمع الفنزويلي، ولكن بسبب مرضه بالسرطان واستياء الناس من سياساته، اعتقد الكثيرون أن الانتخابات الرئاسية هذا العام سوف تظهر تفوقًا لمنافسه المعارض هنريك كابريليس، إلا أن شافيز فاجأهم، بمساعدة آلة إعلامية جبارة تعد بثورة اشتراكية تليق بالقرن الواحد والعشرين، وفاز في الانتخابات لتمتد فترة حكمه لفنزويلا 14 عامًا، وتستمر حتى 2019. وكان يعتبر شافيز هو الرئيس الوحيد الذي يملك برنامجه الخاص على التليفزيون، وهو برنامج أسبوعي اسمه "مرحبًا أيها الرئيس"، يتحدث فيه شافيز عن أفكاره السياسية بطريقته النارية، ويستضيف رموزًا وضيوفًا كما أنه يُغني ويرقص فيه أيضًا.