" سأحكى عن ذكريات طويلة عاصرت فيها أحداثا هامة كما عايشت فيها شخصيات أعتز بصداقتها هذه الذكريات أشبه بالنزيف الذى يتدفق فى دماغى للأسف فى زمن الهضبة والتل والحارة والزقاق وأنا وأنت " .. تصوير : محمد لطفى هكذا بدأ الكاتب والإعلامى الكبير مفيد فوزى حديثه عن علاقته بالعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ من خلال كتابه "صديقى الموعود بالعذاب .. عبد الحليم " خلال الندوة التى استضافها الصالون الموسيقى بالأوبرا احتفالا بمررو 81 عاما على ميلاد العندليب الأسمر . وأضاف الأستاذ مفيد " سأروى عن لحظات نادرة وعظيمة لأنى عاصرت فناناً يعتصر علشان يغنى باحترام .. هذا الفنان أسمه عبد الحليم حافظ ومع احترامنا لكل نجوم هذا الزمان أعتقد أن الريف المصرى لا يزال نابضا بالمواهب المدفونة وأكيد سيخرج منه أم كلثوم أخرى وحليم آخر " . فى البداية تحدث عن كواليس أول لقاء جمعه بالعندليب الأسمر حيث قال : كان ذلك فى مكتب الأستاذ إحسان عبد القدوس بروزاليوسف و عندما تقابل إنسان لأول مرة فإنه من الصعب أن تعرف إلى أى مدى ممكن أن تصل علاقتك به وأنا من أول مقابلة أحببت هذا الإنسان جدا ، وكان عندى شعور إنى عايز آخذه فى حضنى وأطبطب عليه ، وأذكر أول قعدة معه فى مكان عام كانت فى قهوة عند محطة مصر وشربنا شاى ونادينا على بتاع السميط وأكلنا لقمة بسيطة وبدأنا نحلم سوا فقلت له نفسى أشوف نفسى ناجح زى محمد حسنين هيكل وهو قال لى نفسى أشوفنى زى عبد الوهاب وفى يوم ذهبت معه إلى مكتب عبد الوهاب وقعدت أنتظره فى قهوة أم كلثوم ولما خرج قال لى عبد الوهاب قال لى غنى يا حليم جفنه علم الغزل وبعد ما غنيت قال لى ..إنت ما جابتكش ولادة . ثم حكى مفيد فوزى عن علاقته بيوسف إدريس حيث قال : يوسف إدريس كان يسمى قائم مقام صحافة المعارضة أنا حاورته فى برنامج كان أسمه البركان وقلت له قد يكون الإنسان كاتب أو فنان أو شاعر عبقرى غير عادى ولكنه كإنسان أقل من العادى جدا فهل هذا ينطبق عليك فقال نعم ! وبعد نهاية الحديث عاد إلى منزله فتذكر السؤال وثارت ثائرته ثم اتصل بنا وطلب حذف هذه الجملة وقال أن الكلام صحيح ولكنه لا يرغب فى أن يسمعه أحد و قبل إذاعة البرنامج وافقنا بالفعل على ذلك وختمناه بسؤال آخر قلت له فيه إذا طلبنا منك أن تلخص حياتك فى جملة قصيرة ماذا تقول فيها فكانت إجابته بدون تفكير " أنها قصة قصيرة طالت قليلا " وبعد هذا الحوار خاصمنى ستة أشهر حتى قابلته فى جلسة ضمت كامل الشناوى وصالح جودت وكمال الملاخ وغيرهم من العمالقة اللى للأسف حينما أتذكرهم أحزن وأقول راحوا فين ؟ وذكر الأستاذ مفيد أن الفن فى الماضى كان قريبا من السياسة لأنه كان فنا قويا وهادفا وهذا ما جعل كاتب عملاق مثل أحمد بهاء الدين يقوم بوصف عبد الحليم بأنه كان تعبيرا عن مرحلة ويكمل الأستاذ مفيد كلامه قائلا : أنا سألت نفسى لماذا قام كاتب سياسى بحجم بهاء الدين بتقييم حليم بهذا الشكل ؟ وكانت الإجابة أنه باختصار كان يرى أن حليم هو واجهة نظام سياسى مصرى وكان هذا النظام يريد أن يحتفظ بالقاعدة الشعبية من الناس من خلال أغانى حليم الوطنية ولذلك رأى بهاء الدين أن جاذبية عبد الحليم الخاصة سهلت له النجاح حتى أن جماهيره رفضت رحيله لدرجة أن بهاء الدين فى إحدى المرات قال أن غنوة لعبد الحليم تساوى قوة وزارة فى ثلاث سنوات . وفى ختام اللقاء سألت حنان مفيد فوزى أبيها عن سر حالة الشجن التى تسيطر عليه منذ بداية الحديث فأجاب أنه مستحيل أن يتذكر حليم دون أن يشعر بالحزن ثم قال : حليم كان يقول لأصدقائه أنه يؤجل الموت حيث كان يراه كثيرا .. ولهذا كانت أغانيه حزينة كما كان إحساسه عميقا أيضا وعبد الحليم عندما يضحك كان من حوله يعتقدون أنه مهزوم .. فكان ضحكه هروباً من ظلمة داخلية ، وأذكر أن حليم قبيل وفاته بأربعة أيام كلمنى وقال لى ما تزعلشى منى .. ثم ودعنى .