هدم بيوت وتشريد أسر وقتل أبرياء .. هذه هى حصيلة البحث عن الآثار خلال الشهور الماضية ، فلم تعد هذه المسألة تتوقف عند كونها مجرد هواية لاقتناص " المساخيط " حسب تعبير معظم أهالي الصعيد - ليتحقق حلم الثراء فى غمضة عين ، وإنما أصبحت سبباً رئيسياً لأزمات ومشكلات وكوارث عديدة كان آخرها وأشهرها المجزرة التى ارتكبها سائق المقاولون العرب فى حق عدد من الأبرياء ... تصوير : محمد لطفى وقد حكى فى التحقيقات الأولية التى أجرتها النيابة أن أحد المجنى عليهم أوهمه بأنهم وجدوا آثارا أسفل بيته الكائن بمنطقة عرب غنيم بحلوان بعدما ادعوا أنهم نقبوا عنها فى البيت المجاور له ، وكان الموضوع فى البداية مجرد نكتة أو سخرية ولكنها انقلبت إلى مذبحة راح ضحيتها 6 أشخاص وإصابة 6 آخرين، وتم تشكيل لجنة بالفعل ضمت عددا من مفتشى الآثار بمنطقة حلوان للتأكد من وجود حفر أسفل بيت المتهم من عدمه و تبين للجنة عدم وجود حفر حديث كما أدعى . وعلى مايبدو أن منطقة حلوان أصبحت مركزا نشطا لهوس البحث عن الآثار فهى واحدة من أقدم المدن المصرية حيث يعود تاريخها للعصر الفرعونى وذكرت على سطح حجر رشيد وتم اكتشاف نحو 10258 مقبرة بها وهذا الرقم الضخم يؤكد بالفعل ما تتمتع به حلوان من أهمية أثرية وهو مايفسر تكرار حوادث القبض على تجار الآثار ففى عزبة الوالدة فى شهر فبراير الماضى تم القبض على عدد من الأفراد كانت بحوذتهم قطع أثرية ذهبية تعود لعصر الفراعنة ، ومنذ عدة أيام انهار العقاران رقم 25 و 27 بحارة ريحان .. وقد انتشرت ظاهرة التنقيب بكثافة بعد ظهور مناطق أثرية وممياوات على طريق الأوتوستراد ، وفى كفر العلو تم القبض على عدد من تجارالآثاربعد إحباط عملية تهريب واسعة لعدد من التماثيل . وفى حارة الأتاروة بكوتسيكا بحلوان يعيش نحو 60 مواطناً فى الشارع الآن بعد تعرض منزلين من منازلهم للسقوط جراء عمليات التنقيب على الآثار فى العقار رقم 30 بالحارة .. وقد انتقلنا لموقع الحادث لرؤية المأساة على حقيقتها لنعرف من أين تبدأ مثل هذه القصص وكيف تنتهى ؟ القصة بدأت منذ عام تقريبا عندما قام شخص شهير باسم "باروما" بأعمال الحفر أسفل منزله القديم رقم 30 بالحارة بحثا عن كنز من أيام الفراعنة وحسب رواية أهالى الحارة أن أحد الدجالين أخبره بالصدفة أن منزله أقيم فوق مقبرة فرعونية مليئة بالمساخيط وعلى أثر ذلك قام باروما بجمع عدد من العمال والمعدات للبدأ فى الحفر وفى البداية انزعج الجيران وبدأوا يسألوا عن الحكاية فأوهمهم كرم بأنه يقوم ببناء حمام داخل البيت ومع الوقت بدأ السر ينكشف خاصة بعدما تحول البحث عن الكنز إلى مأساة يعيشها عدد كبير من الأسر ممن تهدمت منازهم بالفعل جراء الحفر. المأساة تتجسد فى البيت المجاور للكنز المزعوم حيث تعرضت 6 أسر للتشرد بسبب تهدم منزلهم وهذه الأسر هى أسرة محمد أحمد المدير وأسرة إيهاب متولى وأسرة سيد محمد متولى وأسرة الست خضرة محمد شحات وأسرة جودة الوزير وأسرة محمد الألهم .. وهذه الأسر الآن تسكن فى الشارع بلا ماوى بعدما فقدت الكثير من فرشها وعزالها داخل البيت ، وتقول فاطمة إبراهيم واحدة من ساكنات العقار المنهار : أنا كنت عايشة مع جوزى وأولادى الستة فى غرفة وصالة وحمام فى البيت وبسب الحفر البيت وقع على دماغنا ومش باقى منه غير شوية جدران وسقف وطبعا حاولت أجمع أى حاجة من الفرش فخرجت بالكنبة والملاية والسرير وشوية هدوم بس .. أما الثلاجة والغسالة والدولاب والبوتاجاز كلها جوه وحاولت أدخل مرة تانية فكان السقف هيقع علي ، ودلوقتى بقينا فى الشارع وجوزى راجل أرزقى فقير شغال صياد ومش عارف يشوف لنا مكان نقعد فيه .. إلهى يخرب بيت الفراعنة على الكنزعلى باروما !! ويكشف عم سيد متولى أحد السكان عن محاولة بارومة إغراء أهالى الحى لإسكات صوتهم حيث يقول : الراجل قال لنا اسكوتوا وأنا هاظبط الناس كلها وهاعمل لهم إللى هم عايزينه وطبعا إحنا عندما أبلغنا قسم الشرطة البوليس قبض عليه وبعدين خرج وعاد مرة أخرى واستطاع أن يحفر بمساعدة عدد من العمال على عمق حوالى 12 متر ووصل فعلا لسرداب المقبرة لكن المياه الجوفية غمرت الحفرة وأحضر ماكينة لشفط الميه وخد عندك ازعاج ودوشة وطبعا البيوت المجاورة كلها آيلة للسقوط والآن إحنا خايفين على الأطفال وممكن فى أى لحظة تقع كارثة فى الشارع ومن هنا نطالب السادة المسئولين بالنظر فى مشكلتنا. توجهنا للحى والمجلس المحلى بكوتسيكا حيث قابلنا مدام فاطمة عويس عضو المجلس المحلى وسألناه عن دور الأجهز الرسمية فى مواجهة المشكلة فقالت : رئيس الحى جاء هنا ورأى المنظر بعينه ومحافظ القاهرة عنده علم بالموقف ولكن حتى الآن لا يوجد تحرك رسمى لإن المشكلة أن كل البيوت قديمة وآيلة للسقوط ومن الصعب أن نهدم بيت ونشرد سكانه ومن هنا محتاجين تحرك أكثر من وزارة الإسكان لتوفير مساكن بديلة للمتضريين . مصطفى بدير مدير منطقة آثار حلوان والصف وإطفيح سألناه : لماذا لا يتحرك مفتشو الآثار سريعا إلى هذه المناطق التى تشهد عمليات حفر عند الكشف عنها ؟! فقال : غير قانونى أن ننتقل إلى هذه المناطق بدون إذن أو تكليف من النيابة .. بمعنى أنه يتم فى البداية الإبلاغ عن قيام شخص ما بالحفر أسفل بيته .. وعلى أثر ذلك تتولى النيابة التحقيق إذا تسبب هذا الحفر فى الإضرار بالآخرين وعلى أثر ذلك تقوم النيابة بتكليف منطقة الآثار المجاورة لأعمال الحفر للبحث فى الأمر ويتم تشكيل لجنة من قبل المجلس الأعلى للآثار بحيث تنتقل للموقع وبخلاف ذلك ليس من حقنا منع أى شخص يحفر تحت بيته .